الخزانة البكرية للمخطوطات

تراث عريق يعكس النهضة العلمية

تراث عريق يعكس النهضة العلمية
  • 2081

تزخر ولاية أدرار بخزائن (مكتبات تقليدية) تحتضن بين رفوفها مخطوطات نفيسة في مختلف المجالات المعرفية، التي تعكس النهضة الثقافية والعلمية التي شهدتها حاضرة إقليم توات عبر حقب تاريخية، وقد توارثها علماء عبر الأجيال وحافظت عليها على مر العصور، ويتميز التراث المخطوط في الجزائر عامة وفي الجنوب خاصة، بغناه وتنوعه، لاسيما من الجانب المعرفي، إذ يعتبر ذاكرة الأمة بامتياز، وهو متواجد في خزانات تابعة للزوايا، منتشرة عبر العديد من الحواضر العلمية في الجنوب الجزائري، بالإضافة إلى مكتبات خاصة هي ملك للأفراد والعائلات.

تعد خزانة المخطوطات في الزاوية البكرية بتمنطيط (جنوب أدرار)، واحدة من تلك الكنوز التراثية العريقة التي تعد شاهدا على الحركة العلمية والفكرية، التي كانت مزدهرة بحاضرة إقليم توات قديما، حيث كان لهذه الخزانة دور هام في نشر علوم الدين ومختلف المعارف الأخرى، في ربوع إقليم توات وعبر حواضر إفريقيا منذ تأسيسها في أواخر القرن التاسع الهجري، على يد مؤسسها الأول الشيخ سيدي ميمون بن عمر، حسبما أوضح لـ«وأج" المكلف بالاتصال لدى المدرسة القرآنية البكرية، محمد الجزولي.

تعتبر كذلك من أكبر خزائن المخطوطات بإقليم توات لاحتوائها على 3 آلاف مخطوط في شتى مجالات العلوم، خاصة العلوم الشرعية التي كانت تعد المطلب المعرفي الأول بالمنطقة في تلك الحقب التاريخية. كما ساهمت الخزانة البكرية للعلامة سيدي أحمد ديدي بشكل كبير في الحفاظ على هذه المخطوطات، حتى بعد تقسيمها على الورثة، كما جرت العادة والأعراف لدى العائلات المحلية التي كانت تدرج المخطوطات في اقتسام الميراث، نالت النصيب الأوفر الذي يقدر حاليا بـ2.500 مخطوط من نفائس المخطوطات التي أضفى عليها مالكوها لمسة إضافية، من خلال التجديد والتنقيح، بالتنسيق مع ذوي الاختصاص.

ذكر الباحث والمؤرخ الفقيد أبو القاسم سعد الله، خلال زيارة له إلى المنطقة قبل وفاته ببضع سنوات "الغالب أن الزوايا هي التي كانت ترعى المكتبات لاتصالها بالدين والعلم، وقد عرف منذ القدم بأنها سوق رائجة للكتب وبعض عائلاتها العلمية والدينية قد كونت مكتبات معتبرة، وكانت صلة منطقة توات بجامع القرويين وعلماء المغرب وعلماء إفريقيا وتلمسان، جعلتهم في مكانة يغبطون عليها، إضافة إلى أن علماء توات كانوا يؤلفون الكتب ويستنسخونها من بعضهم أومن علماء آخرين".

مخطوطات ذات قيمة معرفية جعلت المكانة العلمية الهامة التي تكتسيها الخزانة البكرية، أن أصبحت محط استقطاب وفود علمية من باحثين وطلبة جامعيين، لاكتشاف ما تكتنزه من نفائس علمية، حيث تتوفّر على مجموعة من أهم وأقدم المخطوطات، على غرار مصاحف القرآن الكريم منسوخة ومخطوطات في علوم الدين والفقه والرياضيات والفلك والتاريخ  والقانون واللسانيات والنحو ومؤلفات شعرية، حيث تتميّز بجمالية الخط والشكل.

كما تحتفظ على غرار الكثير من الخزائن، بعقود موثقة وتقارير تتضمّن إحصائيات عن مختلف التعاملات الاجتماعية بالمنطقة، حيث تعتز العائلات المشرفة على هذه الخزائن باحتفاظها بمخطوطات قيمة، مثل أقدم نسخة لأعمال الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، دونت على جلود حيوانات تعود إلى القرن الخامس للهجرة، أي ما يوافق القرن الـ10 للميلاد.

تشمل هذه الخزانة على نسخة من "المصحف العثماني"، تعود إلى أكثر من 13 قرنا مضت، وهي نسخة طلبها السلطان يعقوب ابن عبد الحق، والديوان الكامل للعلامة "الثائر" سيد أحمد بن أبي المعلي السجلماسي،  ونسخة من صحيح البخاري مكتوبة بماء الذهب، حسب القائمين على الخزانة.

كما تحتفظ هذه الخزانة بمخطوط ذي قيمة تاريخية عن الحملة الفرنسية  بالجزائر، من تأليف أحد جنود الداي يتطرق فيها إلى الاحتلال، وتحتوي كذلك أشعار حماسية تدعو شعوب المغرب العربي إلى الثورة على المحتل.

«رغم الأهمية التاريخية والعلمية للخزانة البكرية، إلا أنها لم تستفد من أي دعم تقني، لاسيما فيما تعلق بحفظ وصيانة وترميم المخطوط وتحقيقه، حيث ما زالت هذه العملية على عاتق أصحاب الخزانة، رغم تواضع الإمكانيات اللازمة لجهود الرقمنة والتصنيف"، كما ذكر المشرفون عليها.

يظل الأمل قائما -كما أكدوا على ذلك - في أن تحظى هذه المعلمة التراثية باهتمام الجهات الوصية من أجل تثمين الدور التاريخي والفكري الذي قامت به الخزانة في أوساط المجتمع، والمحافظة على ذاكرته الجماعية والبعد الحضاري على مر العصور.

من جانبه، يعمل المركز الوطني للمخطوطات بأدرار جاهدا على ترقية هذه الخزانة، حتى تستفيد من مزايا الدعم والمرافقة الكفيلة بالمحافظة عليها، ويأمل المركز في أن يجد "تعاونا ملموسا" من طرف مالكي الخزانة لتمكينها من الاستفادة من مزايا الصندوق الوطني لدعم التراث بالوزارة الوصية، والتي تتطلب القيام ببعض الإجراءات العملية في هذا الإطار، على غرار الجرد والتصنيف محليا ووطنيا، مثلما أشارت إليه مديرة المركز الوطني للمخطوطات صليحة لعجالي.

ق.ث