ندوة "ترقية اللغة الأمازيغية في سياق الأمن الهوياتي في الجزائر"

تقييم مسار وآفاق واعدة

تقييم مسار وآفاق واعدة
  • 194
 مريم . ن مريم . ن

تنظم المحافظة السامية للأمازيغية يومي 27 و28 ماي الجاري بالنادي الوطني للجيش ندوة وطنية حول الأمن الهوياتي بعنوان "ترقية اللغة الأمازيغية في سياق الأمن الهوياتي في الجزائر: السياق، المفاهيم والآثار السوسيومعرفية والمؤسساتية"، وذلك في إطار الاستعداد لإحياء الذكرى الثلاثين لتأسيس المحافظة، مع طرح الأساس الهوياتي القوي الذي هو أحد الركائز الأكثر صلابة للجبهة الداخلية التي تضمن التماسك الاجتماعي الوطني.

جاء في المذكرة المفاهيمية للندوة ضمن "التاريخ والسياق" أن مفهوم "الأمن الهوياتي" كان محور لقاء علمي نظمته المحافظة السامية للأمازيغية في 21 فيفري 2023 بتلمسان أسفر عن نقاشات معمقة تلاها اصدار كتاب جماعي.

سلطت هذه النقاشات الضوء على تعقيد هذا الموضوع الذي يقع عند تقاطع الأبعاد السياسية والثقافية، إذ يشير "الأمن الهوياتي" إلى القضايا المتعلقة بالحفاظ على الهوية وحمايتها أو المطالبة بها، سواء كانت فردية أو جماعية (ثقافية، وطنية، دينية، لغوية)، وتظهر هذه المخاوف خاصة في مواجهة ظواهر تعتبر تهديدا مثل العولمة أو التحولات المجتمعية.

في السياق الجزائري، يكتسب هذا المفهوم بعدا سياسيا خاصا بسبب توظيف اللغات والثقافات، لاسيما الأمازيغية  كوسيلة للتشكيك في الوحدة الوطنية، مما يهدد التماسك الاجتماعي والسلامة الترابية، وتعارض هذه الرؤية مقاربة أخرى تقوم على مطالبة وطنية تهدف إلى الحفاظ على الهوية الجماعية للجزائريين من خلال سياسات ترقية التراث الثقافي واللغوي والتعليمي، بالإضافة إلى التقاليد والبحث العلمي. تعتمد هذه الرؤية على مبدأ أن تنوع المكونات الهوياتية –الاسلام، العروبة، الأمازيغية- يشكل مصدرا غنيا يتماشى مع امتداد وتنوع الجزائر.

تفكيك الخطاب التهويلي

يتمحور الهدف الاستراتيجي حول شقين، أولا هدف سياسي يسعى إلى تفكيك الخطاب التهويلي الذي يركز بشكل مفرط على الهوية والخصوصيات الجهوية، هذا السرد القائم على التهديد تغذيه بعض الدوائر والجهات النافذة في القوة الاستعمارية السابقة، بالتواطؤ مع مجموعات مصالح أجنبية، سواء كانت مجاورة أو بعيدة، وهو خطاب يهدف إلى صرف الانتباه عن القضايا الحقيقية مثل المسائل الاجتماعية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية والفساد والتحديات البيئية.

في هذا السياق، تقوم "الهشاشة الهوياتية" –حسبما جاء في المذكرة- على تناقضات مصطنعة وخطاب تبسيطي يسعى إلى زرع الشك حول الأمة ووحدتها، إلا أن هذه الوحدة ترتكز على أساس إثني لغوي متجذر بعمق في تاريخ الجزائر، وسكانها وجغرافيتها، فالهوية الوطنية الجزائرية هي حصيلة تفاعل متعدد العناصر الثقافية واللغوية، حيث تحتل الأمازيغية مكانة مركزية.

ثانيا هدف مؤسساتي يسعى إلى هيكلة وتعزيز الخطاب الوطني حول اللغة الأمازيغية في بعدها الوطني ويتجسد هذا الهدف عبر دور المحافظة السامية للأمازيغية، التي يجب تحديث مهامها وتكييف أنماط تنظيمها وتدخلاتها. فعلى الرغم من الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، فإن تفعيلها الفعلي لا يزال يشكل تحديا، لا سيما في الأنظمة التعليمية والإدارية والإعلامية، لذا فإن ترقية هذه اللغة تعد عنصرا جوهريا في تعزيز الأمن الهوياتي، لما لها من دور في تقوية الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة وبالتالي تعزيز التماسك الاجتماعي.

المحافظة عززت حضور الأمازيغية في الساحة الوطنية

وفي هذا السياق، يتزامن تنظيم هذه الورشة مع الاحتفال بذكرى تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية، التي لعبت دورا محوريا منذ إنشائها عام 1995 في ترقية الأمازيغية وتعزيز حضورها على الساحة الوطنية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في مسار عربية اللغة الأمازيغية، سواء على مستوى السياسات الحكومية أو المبادرات المجتمعية، وذلك رغم التحديات العديدة التي لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بتوسيع استخدامها في مجالات التعليم والإعلام والإدارة.

إن التحديات الجديدة مثل العولمة الرقمية وتطور السياسات الثقافية تستدعي إعادة تقييم أساليب عمل المحافظة السامية للأمازيغية وتعزيز أدواتها القانونية والتنظيمية، من أجل تحقيق نتائج أكثر استدامة وفعالية. يهدف هذا الملتقى الوطني إلى إبراز أهمية الأمازيغية في تعزيز الأمن الهوياتي الوطني، وتحليل التحديات المرتبطة بترقية اللغة الأمازيغية في مختلف القطاعات، مع صياغة توصيات عملية لدمج أكثر فعالية للغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية.

من الاهداف أيضا مناقشة السياسات والاستراتيجيات الممكنة لتعزيز الهوية الوطنية من خلال الاعتراف الفعلي بالأمازيغي، واقتراح أساليب للتدخل والتنظيم داخليا وخارجيا، للمحافظة السامية للأمازيغية تكون أكثر انسجاما مع الرهانات المجتمعية، مع التركيز على إعادة هيكلتها وإعادة نشرها وفقا للتطورات الوطنية والدولية. بالنسبة للمحاور الرئيسية فتتضمن "المفاهيم والأسس النظرية للأمن الهوياتي: وفيها تعريف الأمن الهوياتي وأهميته في الجزائر، والعلاقة بين الهوية الوطنية والتعددية الثقافية، والأمازيغية كمكون أساسي للأمن الهوياتي.

وكذا محور "التحديات الحالية لإدماج الأمازيغية في الأمن الهوياتي": ويتضمن التحديات القانونية والإدارية في تفعيل الأمازيغية، والعقبات التي تواجه تعليم الأمازيغية في المؤسسات التعليمية، وتأثير السياسات الإعلامية والثقافية على ترقية الأمازيغية.

هناك أيضا محور "تأثير العولمة والتحولات الرقمية على حضور الأمازيغية في الفضاء العام": ويشمل استراتيجيات إعادة تأهيل وترقية الأمازيغية اللغة الأمازيغية، وتطوير سياسات تعليمية لتعزيز تدريس الأمازيغية، وتعزيز حضور الأمازيغية في وسائل الإعلام الوطنية والرقمية، ودور المؤسسات الثقافية والمجتمع المدني في ترقية الأمازيغية.

محطة مفصلية لتقييم المسار

يشكل الاحتفال بالذكرى الـ30 لتأسيس المحافظة محطة مفصلية لتقييم المسار المنجز ورسم معالم مستقبل أكثر شمولية لجميع الجزائريين، و يمثل هذا الحدث فرصة لتعزيز الأمن الهوياتي وترسيخ الاستقرار الاجتماعي من خلال الإدماج الكامل للتنوع الثقافي في النسيج الوطني. في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم، تطرح بإلحاح مسألة التطوير الهيكلي والوظيفي للمحافظة لذا أصبح من الضروري إعادة التفكير في آليات عملها من أجل تحديثها وتعزيز تأثيرها في مواجهة التحديات المستقبلية.