قراءة في كتاب الصحراء الكبرى لـ"أوجان ديماس"

ثقافة الصحراء وخصوصياتها في النصوص الغربية

ثقافة الصحراء وخصوصياتها في النصوص الغربية
  • القراءات: 1128
إيمان كافي إيمان كافي
كشف الدكتور حبيب مونسي، أستاذ بجامعة سيدي بلعباس، في حديث لـ«المساء" على هامش الملتقى الدولي حول حضور الصحراء في الأدب والثقافة الذي تم تنظيمه في إطار برنامج المهرجان الدولي للكتاب والأدب والشعر، والذي تتواصل فعالياته بمسرح الهواء الطلق بورڤلة، أن المكتبة الأدبية في حاجة ماسة لقراءة الصحراء بدقائقها وجزئياتها وكل ما يتصل بالحياة اليومية فيها، كوصف ملبس المرأة الصحراوية وما يصنع زينتها مثلا.
اعتبر المتحدث أن الصحراء لطالما ذكرت من خلال كتابات وأشعار أبنائها، غير أن ذلك لم يكن كافيا لتحويل هذه النصوص إلى مرجع ثقافي أنثروبولوجي، باعتبار أن الصحراء من الممكن أن تقدم في شكل نص ثقافي، موضحا أن الملتقى تمحور حول القراءات الغربية للصحراء، خاصة أثناء الحملات الاستعمارية في القرن الـ19 وبداية القرن العشرين، مؤكدا أن المستعمر كان مهتما بشكل كبير بالصحراء، وأرسل طلائع المثقفين لزيارتها، حيث تغلغلوا داخل المجتمع وتقرّبوا من القبائل وشيوخها، واستطاعوا التنقل معها خلال ترحالاتها ما أتاح لهم فرصة وصف أحوال الصحراء وطبيعتها، أعشابها، نباتاتها، حيواناتها، رمالها وكيفية جلب المياه من الآبار والركوب على الجمل والنزول منه، وجرد القبائل من حيث رتبتها وكثافتها، وكم تمتلك من الخيول وهل تعد من القبائل المحاربة، لذا لم يكن العمل بريئا بل كان تمهيدا للحركات الاستعمارية.
أشار الدكتور حبيب مونسي،  أنه حاول من خلال قراءته لوصف القافلة على ضوء كتاب الصحراء الكبرى لـ«أوجين دوماس" أن يلفت النظر إلى وجود أشياء تتعلق بالصحراء كتبها الفرنسي، علينا قراءتها وترجمتها ومحاولة الاستفادة منها، لأنه وللأسف الشديد لم يتم وصفها بدقة في الأدب العربي، كونها كانت تبدو من الأمور الطبيعية العادية المعاشة بالنسبة للعرب.
ويعكس وصف القافلة في كتاب الصحراء الكبرى إرثا ثقافيا زخما ـ حسب قراءة الدكتور مونسي ـ والذي يعود لصاحبه "أوجين دوماس" الذي بدأ كرحّالة وانتهى به الأمر أن يكون حاكما في الجزائر خلال مرحلة من المراحل، حيث استطاع استنادا لما قدمه له بعض العرب من قصص وتعيينات للأماكن وتسمياتها، وتفسيرا لهذه الأسماء رسم مجموعة من الخرائط دلّت المستعمر بعد ذلك خلال تنقلاته في الصحراء.
واستعان "أوجين دوماس"، بقافلة كانت متجهة من الشعانبة إلى السودان، حيث يستهل في كتابه بذكر الصفات الدقيقة لشخصية الدليل الذي كان يسميه بالخبير وثقافته، وكيف يتعرّف على الطريق، ثم يتحدث عن الفريق المكون لقيادة القافلة من رجال التنظيم والشوافين، ويقصد بهم رجال الطليعة الذين يكونون في مقدمة القافلة وتحدد مهمتم في الاستطلاع حتى لا تقع القافلة فريسة لقطاع الطرق، بالإضافة إلى الكتيبة والمقصود بذلك أن يكون للقافلة كاتب يتولى الفصل في النزاعات وكتابة الوصايا والاتفاقيات التي تعقد بين القافلة والقبائل التي تمر عبر أراضيها، وإلى جانب المهام الموكلة إلى الدليل، يتولى هذا الأخير معالجة المصابين من القافلة بأمراض جلدية أو كسور ولسعات العقارب والأفاعي، وبالتالي لابد أن يكون رجل طب وعلى معرفة واسعة بطب الأعشاب وكيفية التداوي بها. وحين تستقر القافلة ليلا وتشعل نيرانها وتبدأ بإعداد الطعام يبدأ سرد القصص والحكايا والأشعار، التي كان من جملتها قصص محلية زيادة على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأشعار الجاهلية وأخبار العرب، كل هذا كان يشكل الخلفية الثقافية التي كانت تحرك القافلة، وتعبّر عن منظومة ثقافية متنقلة.كما سرد الكاتب تفاصيل الضيافات في عرف القبائل العربية، حيث روى قصة لرجل استضافهم وكان له طفل أهدى له أوجان ديما برنوسا وشاشية، وهو يلعب بهذه الثياب سقط من شرفة المنزل فمات وكتم الأب الخبر حتى إتمامه شروط الضيافة وقد كانت هذه إحدى القصص النادرة التي تحكي عن الجود لدى سكان الصحراء كجزء مهم في تكوينهم الثقافي.للإشارة فإن الملتقى الدولي الذي اختتم مؤخرا شهد مشاركة كوكبة من الأساتذة من مختلف جامعات الوطن، والدول العربية والأجنبية (المغرب، تونس، مصر، السودان، الأردن، سوريا، فرنسا) الذين قدموا قراءات رائعة للصحراء في النصوص الأدبية على غرار "حيزية القصة والقصيدة ودلالات تراثية" للدكتور عبد المجيد لغريب، و«متخيل الصحراء في الشعر المغاربي اندريه جيد، في صحراء الجزائر"لـ يوسف ناوري، من المغرب، والصحراء في الشعر العربي قراءة في مضمرات الثابت والمتحول" لـ هايل محمد الطالب، من سوريا، تفاعل الكتاب الغربيين مع المقولات المشكلة للمخيال الرمزي الغربي عن الصحراء لـ أحمد زعزع، من جامعة الجزائر.