مجلة "تراث" لعددها الخامس
دعوة لإماطة اللثام عن أدب محمد ديب

- 324

تدعو مجلة "تراث" للمشاركة في العدد 5 لها بمساهمات حول موضوع "محمـد ديب: براديڤم النموذج الأصلي". وتتوجه هذه الدعوة إلى المقتنعين بأن هناك بعداً غامضاً في أعماله التي لم يتم بعد إماطة اللثام عنها، بالمبادرة في إعطاء معنى قد يكون جديدا أو على الأقل مختلفا بمجرد نقله إلى سياقه الداخلي، على أن تُرسل هذه المساهمات قبل 30 أفريل المقبل.
وتُقبل المساهمات باللغات العربية، والفرنسية والإنجليزية، وفقا لمعايير النشر الخاصّة بمجلة "تراث" الواردة في موقعها الإلكتروني. وتُرسل المواضيع على الرابط التالي:https://asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/920
ووفقا للديباجة، ينتمي محمـد ديب إلى قرائه، وبالتأكيد ينتمي أكثر إلى عصره، وإلى تاريخ مشترك بين جماعتين من القراء الذين يعدّونه تراثا لهم: فالأولى تراه كذلك من الناحية اللغوية (اللغة الفرنسية)، والثانية من الناحية الثقافية (الجزائرية). ويمثل هذا المؤلف الذي هو نفسه ممزّق، لغزًا أدبيًا، ودراما إنسانية يجب على الأجيال القادمة أن تعترف به، وتتعرّف عليه.
فأعماله بقدر ما هي غامضة وجميلة في دقتها ورقّتها الأسلوبية، فهي تنقل في فعل لغويّ "مشحون بالعاطفة"، لحظة اجتماعية وتاريخية لاتزال حتى يومنا هذا تثير اهتمامنا؛ كون النصوص الأدبية بطبيعتها مفتوحة على آفاق لا نهائيّة من القراءة. وسيكون من العبث أن نحاول تقديم هذا الكاتب غزير الإنتاج وصاحب العمق المجازي والرمزي، في بضعة أسطر.
ومن المؤكّد أنّ كل شيء تقريبا عن أعماله، قد قيل أو كُتب أو فُسِّر، لكن إخضاعه للاغتراب اللغوي (دون أي حكم قيمي!) كان يقابله حرية التعبير لدى "البارسياست" من جهة، والحرية العابرة للأجناس، من جهة أخرى، كما عرّفها هو نفسه؛ لذا كان علينا أن نجد طريقة للكتابة بشكل عشوائي أيضا، حيث يتحرّك المعنى طوال الوقت. ولا يكون محصورا في الكلمة نفسها - غير محصور في كلمة أو في جملة – فالمعنى متنقّل طوال الوقت.
ويمكن القول إنّه في الوقت الذي تمّ اعتبار أعماله كمنتج من الأدب الفرنسي، فقد تم التعتيم على جوهره الثقافي إن لم يكن التقليل من شأنه.
وقياسا على ذلك، نذكر معاصره كاتب ياسين، الذي كان سبّاقاً في إدراك هذا الفهم الخاطئ ببراعة؛ إذ تحدّث عن هذا النوع من "الإبادة المعرفية" في روايته "نجمة"؛ حيث أصرّ على التمييز الواضح بين البيان التاريخي للعمل، واللغة التي كُتب بها (مختزلاً- إذا لزم الأمر- في الأبجدية اللاتينية). ولقد أكد دائما على أنّ روايته تنتمي إلى "الأدب الجزائري"؛ أي إلى تقليد أدبي كامل ومتكامل، وذلك من أجل تخليصها من المغايرة العرقية إن لم تكن الإثنوغرافية (فوكو، 1967، ص. 5)[4] والاعتراف بها كنوع أدبي قائم بذاته، داعيا القرّاء الجزائريّين إلى استكشاف آفاقها التاريخية، لا الخطابية البحتة.
ولم تكن الهيمنة الفعلية للناطقين باللسان الفرنسي وكذا المؤسسات الأدبية للغة الفرنسية، قادرة على تجاهل بأي حال من الأحوال "ثنائية الثقافة" (سافيل ترويكي، 2003، ص. 46) لهذا الأدب، ولا أن تدّعي احتكار قراءته الحصرية. فالقراء من الضفّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، يُمكنهم الحديث مُطوّلا عمّا يتم التعبير عنه بلغتهم، غير أنّه يصادف أن ماضيها الاستعماري وتحديدا الجزائري، يمنح هذه اللغة، إمكانية هائلة للتعبير عن رؤى أخرى في المجالات الإنسانية والثقافية التي يمكن القراءَ من الضفّة الجنوبية، إدراكُها.
فالثقافات التي يمكن أن تُعبّر عنها هذه اللغة لا تتطابق مع مجمل سجلاتها الاجتماعية اللغوية، وثراء التنوع الاجتماعي. فالمسألة لا تتعلق، فقط، بإعادة قراءة محمـد ديب خارج الفئة الأدبية المقنّنة التي كان مندمجا فيها، بل بإعادة قراءته في منبعه الأصلي، حتى لو كان ذلك يعني إعادة تدوين الواقع الخطابي المتأصل في نظام اللغة المستعارة التي يصوغها بهذه الطريقة الصوريّة. وهذا النوع من الكتابة الفوتوغرافيّة مستعار، ببساطة، من الطريقة الغربية في الكتابة.
ووُلد هذا الكاتب ونشأ وعاش في مدينة تتميز بتاريخ عربي إسلامي بامتياز، فهي مدينة تسكنه ولم تغادره أبدا. ولم يتم إنكار هذا الواقع تماما، غير أنّه غالبا ما تم تفسيره من حيث الواقع الخطابي "تنشأ الأنواع مثل أي فعل من أفعال الكلام، من تدوين الخصائص الخطابية".
كما إن ثنائية الثقافة عند محـمد ديب تتعلّق بالواقع التاريخي، كما حددها تودوروف على النحو التالي: "يكتب المؤلفون من جهة وفق النظام العام الموجود، الذي يمكن أن يشهدوا عليه في النص كما في خارجه. ومن جهة أخرى، يطالع القراء وفق النظام العام الذي يعرفونه من خلال النقد، أو المدرسة، أو نظام توزيع الكتب، أو ببساطة من خلال السماع، وليس من الضروري أن يكونوا على علم بهذا النظام".
وهكذا بالنسبة لكل القراء الذين هم خارج نظام التدوين الخطابي هذا، ومن الوسط الاجتماعي نفسه، والذين يشاركون محـمد ديب لغته الأم، سيكون هذا النموذج الأدبي نظريا، من أجل إبراز الأنماط الاستدلالية الأصلية غير الظاهرة في التكوينات الأسلوبية لثروته الشعرية.