معرض فايزة التجاني بدار السلام

رسومات وحروف من نبع الصوفية

رسومات وحروف من نبع الصوفية
  • القراءات: 445 مرات
لطيفة داريب لطيفة داريب

يتواصل بمؤسسة "دار السلام" معرض الفنانة فايزة التجاني الذي تستعرض فيه جماليات وعمق قصيدة البردة والهمزية؛ من خلال لوحات وضعت فيها رموز الصوفية من رسومات وكلمات، تتدفق إيمانا وعذوبة.

تعتمد الفنانة فايزة التجاني في رسوماتها، على ثقافتي الظاهر والباطن؛ أي ثنائيتَي الحس والعقل، فترسم أشكالا، وتكتب كلمات بمعان غير ظاهرة على العلن، وعلى الزائر أن يفتح لها بابا في عقله وحتى في قلبه، ليجد لها تفسيرات حسب رؤيته للحياة ظاهرها وباطنها، ومن ثم يمكنها تأويلها، وإيجاد بعض التفاسير حولها.

وقسّمت الفنانة معرضها إلى عدة أقسام. والبداية بقسم "رحلة الطيور"، الذي عبرّت فيه عن "رمزية الطيور التي تحلق في سماء المعنى"، وهكذا رسمت في لوحة طيرين يتقابلان ويمتزجان من خلال منقارهما، مستعملة في ذلك تقنية التنقيط. أما في أعلى اللوحة، فقد كتبت كلمات عن الخالق، الذي يَبرز إبداعه في كل جزء من هذا العالم.

ورسمت فايزة أكثر من لوحة في هذا الصدد، أنجزتها عام 2017، علما أن منطق الطير عبارة عن منظومة رمزية تبلغ 4500 بيت، نظمها فريد الدين العطار، موضوعها هو بحث الطيور عن الطائر الوهمي المعروف بالسيمورغ. والطيور هنا ترمز إلى السالكين من أهل الصوفية. وأما السيمورغ فيرمز إلى الله.

وبالمقابل، تعرض فايزة ابنة الصوفية ـ باعتبار أن والدها ينحدر من الزاوية التجانية بتماسين ووالدتها من الزاوية الرحمانية البشتارزي بقسنطينة ـ لوحات أخرى تحت عنوان "البردة" ، رسمتها عامي 2010 و2011، واستلهمتها من أشعار قصيدة الإمام من أصل جزائري شرف الدين البوصيري، الذي ألف قصيدة تحمل نفس الاسم، مدح فيها الرسول محمد صلى الله وعليه وسلم.

وجاء في بعض قصيدة "البردة" : "مزجتَ دمعا جرى من مقلة بدم، أم هبَّت الريح من تلقاء كاظمة، وأومضَ البرق في الظلماء مِن إضَمِ، فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا همتا، وما لقَلبك إن قلتَ استفق يَهِمِ".

كما تعرض لوحات موسومة بـ"الهمزية" أو "لآلئ الأمهات" ، أنجزتها من 2016 إلى 2022، وضعت فيها رسومات نخيل، وطيور، وأيد من الحجم الكبير، وكذا كلمات أذكار وأشعار.

وجاء في بعض قصيدة "الهمزية" للشيخ البوصري أيضا: "كيف تَرقى رقيَّك الأنبِياءُ، يا سماءً ما طاولَتها سماءُ، لَم يساووكَ في عُلاك وَقَدحالَ، سَنىً منك دونَهُم وَسنَاء".

ورسمت فايزة التجاني مجموعة من اللوحات بشكل طولي، وغمرتها بالطيور، والمنارات، والواحات والأشجار. وبالمقابل اعتمدت الفنانة في لوحاتها عن موضوعَي "الهمزية" و"البردة" ، على الألوان الترابية، التي تحمل، بالطبع، صبغة روحانية، في حين جاءت لوحات "رحلة الطيور" واللوحات الأخرى متعددة الألوان؛ من أحمر، وأزرق، وأخضر، لكن بشكل خافت. أما التقنية التي طبّقتها الفنانة في معرضها هذا، فهي الأكوارال والحبر الصيني.

في إطار آخر، جاء في ورقة لمؤسسة "دار السلام"، أن فايزة التجاني أصيلة مدينة تماسين بولاية تقرت. فنانة عصامية. عاشت وترعرعت ما بين مدينتي تماسين وقسنطينة في كنف زاويتين جزائريتين "التجانية" و"الرحمانية". وتأثرت في حياتها كثيرا بقصيدة "البردة" ؛ ما جعلها ترغب في تجسيد هذا التأثير "الروحاني العميق" في أعمال فنية، جابت ببعضها عددا من البلدان.

كما تفضّل فايزة تيجاني اتخاذ مسارات شديدة التعقيد في طريقة رسمها بدلا من اللجوء إلى الطرق السهلة؛ ما يعكس، بشكل مثالي، عالمها الداخلي. وتعبّر عن عالمها على حدود الروحانية والجمال. كما تسلّط الضوء على القيم الحقيقية التي تُبنى عليها المجتمعات التقليدية بعيدا عن أي موضة وأيّ أكاديمية. وتظلّ، بذلك، أصيلة حتى آخر لمسة من فرشاتها.