أعماله الأدبية ما زالت تحظى بأهمية متزايدة

روايات غسان كنفاني الأبرز في طبعات جديدة

روايات غسان كنفاني الأبرز في طبعات جديدة
الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني
  • 762
م. ص م. ص

تشكل أعمال الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، في الرواية والقصة القصيرة والمسرح، مجموع رؤاه الإبداعية حول القضية الفلسطينية، حيث تمحورت بشكل أساسي حول حياته وحياة الشعب الفلسطيني، وقضية تحرره من الاحتلال الإسرائيلي، وهو في كل ما كتب، كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به. وقد أعادت دار "خطوط وظلال" الأردنية، مؤخرا، إصدار ثلاث من أبرز وأهم رواياته، والتي تكشف حجم المعاناة التي عاشها ويعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال.

الرواية الأولى "رجال وراء الشمس" تصف تأثيرات النكبة سنة 1948 على الشعب الفلسطيني، وتعد من أوائل الأعمال الروائية الفلسطينية التي تكتب عن التشرد والموت والحيرة، وفيها يروي حكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت، حيث النفط والثروة. "أبو قيس" الرجل العجوز الذي يحلم ببناء غرفة في مكان ما خارج المخيم، "أسعد" الشاب الذي يحلم بدنانير الكويت وبحياة جديدة، و"مروان" الصغير الذي يحاول أن يتغلب على مأساته المعيشية، فشقيقه في الكويت تركهم دون معيل، لأنه تزوج، والده ترك أمه ليتزوج بامرأة تملك بيتا، عليه إذن أن يعيل العائلة، فيقرر الوصول إلى الكويت. ومن خلال هذه النماذج الثلاثة، يقدم كنفاني الفلسطيني في صيغة اللاجئ، وهي الصيغة التي يطورها في روايتيه التاليتين "ما تبقى لكم"، حيث يقدم الفلسطيني/ الفدائي، و"عائد إلى حيفا"، حيث يقدم الفلسطيني/ الثائر، متمشيا بذلك مع تطور القضية الفلسطينية نفسها.
الرواية الثانية "عائد إلى حيفا" تعتبر من أدبيات المقاومة، وقد وصف فيها كنفاني رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا، حيث وعي ذلك وكان ما يزال طفلا يجلس ويراقب ويستمع، ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد، من تواتر الرواية، وقد رأى النقاد فيها أنها "محاكمة للذات، من خلال إعادة النظر في مفهوم العودة ومفهوم الوطن، فـ"سعيد س" وزوجته "صفية" العائدان إلى مدينتهما حيفا، التي تركا فيها طفلهما منذ عشرين سنة تحت ضغط الحرب، يكتشفان أن "الإنسان في نهاية الأمرِ قضية، وأن فلسطين ليست استعادة ذكريات، بل هي صناعة للمستقبل".
الرواية الثالثة "ما تبقى لكم"، تدور أحداثها حول أسرة فلسطينية من غزة، نزحت إلى غزة من مدينة يافا، بعد أن استولى اليهود على المدينة، وأدى هذا النزوح إلى تشتت الأسرة وتفتتها، الشخصية الرئيسية في الرواية هو "حامد"، واحد من الشباب الذين يمثلون فلسطين، والذين كابدوا مأساة النزوح عام 1948، لم يستوعب "حامد" تلك الأحداث، لسرعة حدوثها، وكانت الشخصية الثانية "مريم" شقيقة "حامد"، ضاعت أحلامها وآمالها وأموالها بضياع أرضها، ودخلت إلى حياة المعاناة والشقاء التي فرضت عليها بفعل النزوح. الشخصية الثالثة هو الخائن "زكريا"، وهو من دل الجنود الصهاينة على مكان "سالم"، وقام باستغلال غياب "حامد" عن البيت، لينقض على "مريم" ويغتصبها، وانتهى به الأمر إلى أن قتل على يد "مريم" الحرة الطاهرة، وهنا يظهر كنفاني بأن المرأة الفلسطينية هي رمز للأرض وصورة لفلسطين عندما تثور وتغضب.
يقول كنفاني عن "ما تبقى لكم": "الأبطال الخمسة في هذه الرواية حامد ومريم وزكريا والساعة والصحراء، لا يتحركون في خطوط متوازية، أو متعاكسة، كما سيبدو للوهلة الأولى، ولكن في خطوط متقاطعة تلتحم أحيانا، إلى حد تبدو وكأنها تكون في مجموعها خطين، فحسب، وهذا الالتحام يشمل الزمان والمكان، حيث لا يبدو هناك فارق محدد بين الأمكنة المتباعدة، أو بين الأزمنة المتباينة، وأحيانا بين الأزمنة والأمكنة في وقت واحد. إن الصعوبة الكامنة في ملاحقة عالم مختلط بهذا الشكل، هي صعوبة معترف بها، ولكن لا مناص منها أيضا، إذا كان لا بد أن تقول الرواية ما اعتزمت قوله دفعة واحدة. ولذلك السبب، لجأت إلى اقتراح مطروق لتعيين لحظات التقاطع والتمازج والانتقال، والتي تحدث عادة دون تمهيد، عن طريق تغيير حجم الحروف عند النقطة المعنية. إنه شيء لا بد منه من الاعتراف به. إن تغيير حجم الحروف ذاك يعرقل جزءا هاما من عملية الانتقال، التي لا بد أن تحدث دون وعي، ودون إشارة. وستبدو كأنها ترتيب مقصود لعالم غير مرتب في الحقيقة. ولكن تجارب سابقة من هذا النوع، أثبتت أن مثل هذا العمل هو شيء لا مفر منه".
يذكر أن غسان كنفاني ولد في عكا، شمال فلسطين، في التاسع أفريل عام 1936، وعاش في يافا حتى ماي 1948، حين أجبر على اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان، ثم إلى سوريا. عاش وعمل في دمشق، ثم في الكويت، وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي جويلية 1972، استشهد في بيروت مع ابنة أخته لميس، في انفجار سيارة مفخخة على أيدي عملاء إسرائيليين. أصدر حتى تاريخ وفاته المبكر، ثمانية عشر كتابا، وكتب مئات المقالات والدراسات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني. تُرجمت معظم أعماله الأدبية إلى سبع عشرة لغة، ونُشرت في أكثر من 20 بلدا، وتم إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين. وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى اليوم بأهمية متزايدة.