المهرجان الثقافي الدولي للإنشاد بقسنطينة

"زاد النبي وفرحنا بيه" تدوّي ركح "الفرقاني"

"زاد النبي وفرحنا بيه" تدوّي ركح "الفرقاني"
  • القراءات: 822
زبير زهاني زبير زهاني

عاد المهرجان الثقافي الدولي للإنشاد ليعانق عشاقه في ليلة بهية، على جسور عاصمة الشرق، في أسبوع المولد النبوي الشريف، تحت شعار "محمد رسول الله، له ترنّمي ونشيدي". وعلى أنشودة "الله الله الله يا ربي صلِّ على محمد"، رُفع الستار، أول أمس، بمسرح قسنطينة الجهوي، عن فعاليات الطبعة التاسعة، بمشاركة دول أجنبية؛ كتونس، وفلسطين، وكذا ألمانيا، بالإضافة إلى مشاركة فرق محلية، تألقت في مهرجانات وطنية، ستقدم أحسن ما في جعبتها على مدار أربعة أيام من الفن الأصيل.

أبدع المنشد عبد الرحمان بوحبيلة من قسنطينة، في أداء أنشودة الافتتاح وسط مجموعة من الأطفال، الذين كانوا يرتدون اللباس التقليدي الخاص بالمناسبات والأفراح، وكانوا يحيطون بشيخ كبير، يضع برنوسا أبيض على كتفيه، حول مائدة عليها شموع؛ في منظر يحاكي مظاهر الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، ليؤدي أنشودة معروفة جدا بالجزائر، وهي "زاد النبي وفرحنا بيه صلى الله عليه".

اِبن قسنطينة وأيقونتها في مجال الإنشاد الذي شرف الجزائر ورفع الراية الوطنية عاليا في العديد من المحافل، المنشد العالمي عبد الرحمان بوحبيلة، أدى أنشودةمولايَ صلِّ وسلم دائما أبدا، على حبيبك سيد الخلق كلهم، بالإيقاع الجزائري، حيث رافقته فرقة موسيقية مكونة من عازفين على القانون، والقيثارة، والعود، والناي والدف، مع أداء يميل أكثر إلى الطابع الأندلسي، ليقدم بعدها أنشودة "أنت داعٍ للفلاح يا نبي؛ ما أجملك!"، وردد فيها: "أنت الذي من نورك البدر اكتسى".

بوحبيلة الذي وقف وقفة ترحم على ضابط الإيقاع وأحد أعضاء فرقة "الأنيس" حسين بوكرمي الذي وافته المنية قبل يومين من افتتاح التظاهرة، أدى أنشودةمحمد رسول الله له ترنُّمي ونشيدي"، التي حملها المهرجان في شعاره، وكانت ضمن الفيديو الترويجي لهذه الفعالية الثقافية والفنية الدولية، قبل أن يؤدي أنشودةطلع البدر علينا”. وعلى أنغام القيثارة أنشد بوحبيلة "لما سرى الهادي"، وردد فيها: "يا من بُعث إلى الخلائق رحمة، أقسمت أنك رحمة وضياء".

أناشيد داعبت القلوب قبل الأسماع

في الجزء الثاني من السهرة الفنية، سمت المنشدة الألمانية فريدة بوسمان، بأسماع الحضور، إلى الحضرة الصوفية، حيث مدت جسور التواصل بين قارتين، لتحط الرحال على صخرة سيرتا، وتبدع في أسبوع مولد خير الأنام، بقيثارتها التي لم تفارق يدها. أناشيد بالألمانية، وكلمات مستوحاة من أشعار جلال الدين الرومي، وأخرى من كلماتها، لاقت تجاوبا من طرف الجمهور.

فريدة بوسمان التي كُرمت بالمناسبة، كانت مرفقة بفرقتها المشكّلة من 3 عازفين على آلة وترية تشبه البنجو، والناي وكذا الدف. وكانت الفرقة مشكّلة من فاتح من تركيا، وأكرم من النمسا، وبريك من ألمانيا. وتُعد المؤدية فريدة بوسمان من خريجي دار الأوبرا ببرلين، حيث درست مع مغني الأوبرا بون هي كيم. كما أطلقت ألبوما تحت عنوانرحلة، ليكون امتدادا بين الغرب والموسيقى الروحية التركية، التي تأثرت بها المنشدة. وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية، على غرار "114 يوم وليلة" بتركيا، ومهرجان الصوفية بالهند.   

الافتتاح الرسمي للمهرجان تكفل به سمير الثعالبي، مدير التنظيم والتوزيع والإنتاج الثقافي والفني بوزارة الثقافة والفنون، الذي أكد، بالمناسبة، أن الوزارة تتابع فعاليات هذا المهرجان عن كثب، مضيفا أن تزامن افتتاح مهرجان الإنشاد الدولي بقسنطينة مع تدشين قاعة السينماالنصروسط المدينة، يعكس مجهودات الوزارة الوصية بالتنسيق مع السلطات المحلية، لإعادة فتح المرافق الثقافية، التي كانت لعدة سنوات خارج الخدمة. وقال إن العمل متواصل بالعديد من الورشات الفنية؛ قصد النهوض بالقطاع وترقيتهومن جهته، أعرب محافظ المهرجان السيد سمير وهواه، في الكلمة الافتتاحية، عن فرحته باختيار احتفالات المولد النبوي الشريف، موعدا للمهرجان. وقال إن محافظة المهرجان بذلت جهدا كبيرا، وعملت بالتنسيق مع وزارة الثقافة والفنون والسلطات المحلية، لإنجاح هذا الموعد الروحي.

رسالة الفن والجمال

فيما رحب والي قسنطينة عبد الخالق صيودة، في كلمته التي ألقاها أمام الحضور، بالفنانين والمنشدين، الذين جاءوا حاملين رسالة الفن والجمال، ليحطوا الرحال في رحاب مدينة طالما كانت قبلة للفن والثقافة، حاضرة التاريخ، ومنارة الإبداع، مشيرا إلى أن استمرار المهرجان إلى طبعته التاسعة، يؤكد مساعي القائمين عليه، لخدمة الفن الأصيل، وترقيته داخل الوطن وحتى خارجه، معتبرا أن قسنطينة تُعد قطبا ثقافيا بامتياز في ظل اختيارها لاستقبال العديد من الفعاليات الوطنية والدولية.

وحسب الوالي، فإن الطبعة التاسعة ستكون تأكيدا على أن الثقافة والفن مظهر حضاري مستمر، سيساهم في الترويج للمنتوج الجزائري في مجال الإنشاد بين مختلف الوفود والدول المشاركة، ويفتح آفاقا أوسع للفنانين الجزائريين للاحتكاك بالتجارب الرائدة في هذا المجال، مؤكدا دعم السلطات لهذا المسعى النبيل. وقال: "يجب العمل للرقيّ بهذا الفن الأصيل، والسعي للاستمرار في هذا المهرجان إلى طبعات أخرى، تسمح للمنشدين الجزائريين بالتألق، ورفع أصواتهم إلى أبعد الحدود".

حفل الافتتاح عرف تكريم بعض الوجوه الفنية والإعلامية، الحية منها والراحلة.. أسماء سكنت القلوب قبل التراب، وتركت بصمة خالدة في سجلّ المدينة، فاستحقت التقدير والتكريم، حيث كُرمت عائلات كل من الفنان الراحل زين الدين بن عبد الله شيخ الطريق العيساوية، والفنان عبد الرحمان حصروري من فرقة العيساوة المعروف في الوسط الفني بـ "القرعيجي"، والفنان بشير عايب الذي كان رئيسََ لجنة تحكيم المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة. كما كُرم نجم السهرة الفنان المنشد عبد الرحمان بوحبيلة، والمنشد الفقيد حسين بوكرمي من فرقةالأنيس، الذي أنشد للحب وللسلام، وللمدينة والوطن، إذ شاءت الأقدار أن يرحل عن الدنيا قبل انطلاق المهرجان بساعات.

التكريمات شملت، أيضا، وجوها إعلامية برزت خلال مختلف المواعيد والتظاهرات بما فيها الثقافية، حيث كُرمت عائلة الإعلامي الراحل ناصر حناشي الصحفي السابق بجريدة "لوريزون"، وعائلة عميد مديري المصورين بمحطة التلفزيون الجزائري من قسنطينة الراحل الحاج طبي إبراهيم، الذي رافق المهرجان في مختلف طبعاته السابقة. وبالمناسبة، كُرمت فرقة "أجيال" من جمعية "جسور الخير لليتامى"، التي قدمت المشهد الاستعراضي الأول من الحفل الافتتاحي، وشاركت المنشدَ بوحبيلة في أنشودة "زاد النبي وفرحنا بيه"، مع تكريم رمزي للوالي.

للإشارة، دشن الوالي عبد الخالق صيودة، مرفقا بسمير ثعالبي، متحف السينما الجزائرية "النصر"، بحضور الأسرة الثقافية والفنية، بعد عدة سنوات من الإغلاق، حيث عُرض شريط وثائقي قصير حول مسيرة الفنانة القديرة المرحومة شافية بوذراع، وآخر عن المسيرة المهنية الفنية لرائد السينما الجزائرية، المرحوم الطاهر حناش، أول مصور جزائري للثورة الجزائرية، الذي وُلد بقسنطينة عام 1892م، ليقوم الوفد الرسمي بعدها، بتكريم عائلتي الفنانين الراحلين.