مسرحية "الهايشة" بالمسرح الوطني
سقوط البشر في مخالب الحيوانية
- 1067
مريم. ن
عرض المسرح الوطني أول أمس، مسرحية "الهايشة" التي جمعت أسماء فنية من أجيال مختلفة تناغمت في أدائها على الركح، تقاسمت كل تلك الأسماء دور البطولة، حيث لم يقتصر العرض على الممثل النجم، بل برزت في ذلك البطولة الجماعية بامتياز.
انطلق العرض في ظلام دامس على أنغام موسيقى مرعبة لتظهر بعد ذلك تحت أضواء باهتة وحوش ذات لون أسود قاتم تشبه في حركاتها الغوريلا، تتنقل في فوضى بين أرجاء الركح، ثم يعطى المجال للموسيقى مجددا لتبرز من خلالها التناقضات بين العصري والتقليدي والرعب والوطنية وغيرها.
تبرز الأضواء الكاشفة ديكور المشهد الأول من المسرحية، والذي هو عبارة عن مقهى تقليدي بنادل مرح يرتدي الزي التقليدي وبجانب هذا المقهى "سوبيرات" مكتوب عليها عبارة "مواد غير فاسدة"، وفي هذا الديكور الجميل ذو الألوان الجذابة يظهر بشير الإنسان المسالم والمتفاني في عمله ليلتقي بصديقه المتعجرف والمثقف جعفر الذي لا يكف عن انتقاده، خاصة فيما يتعلق بمظهره، ليحث في الأخير بشير على الانخراط في الحياة الثقافية ويخرج من رقابة العمل الذي لا يرحم، وأثناء هذه الدردشة في المقهى تظهر "الهايشة" بدويها وصراخها المرعب الذي يسمع في كل أرجاء المدينة، وفي هذه الأثناء تصاب فتاة حسناء بالهلع الشديد، علما أنها تشد الرجال الحضور بأناقتها ونعومتها وهي دوما بصحبة كلبها "الكانيش الأبيض".
في المقابل، يحضر أيضا السيد فيلسوف الذي يدعى أيضا "المنطقي" من خلال أفكاره العقيمة وجدله البيزنطي الذي لا يأتي أكله وهو يخاطب رفيقه شبه الأمّي ليفسر له علم المنطق، وفي هذا المشهد يبدو الحوار مشتركا بين الفيلسوف ورفيقه وبين بشير وجعفر، كأنه جدل ثنائي بين منطق الفلسفة ومنطق الحياة.
بشير يعشق حمامة زميلته في العمل لكنه لا يجرؤ على مصارحتها لخجله وعندما تمر من أمام المقهى يحاول هو الاختفاء، ويفضل ملازمة صديقه جعفر الذي يحثه على استغلال الحياة بكل ما فيها عوض الانعزال.
يحاول جعفر غرس بعض القيم والسلوكات الإيجابية عند بشير على الرغم من أنه غير ملتزم بها، مثل شرب الخمر مثلا، فهو يشربه وينهى بشير عنه كذلك الحال بالنسبة لأمور أخرى.
تعود الهايشة من جديد مسببة الهلع وهنا تعتدي على كلب الحسناء الجميلة وتقتله فتنهار صاحبته ويشاركها الجميع حزنها، وهنا تتصاعد وتيرة الحوار الجماعي في غاية التناغم، مما يبرز قوة النص والسيناريو، بعدها يتحول حوار الصديقين بشير وجعفر إلى شجار، حيث يقوم الأخير بسب الأول بمظهره وسلوكه دون سبب معين في حين وكعادته يكتفي "المنطقي" بتعليقاته الباردة والعقيمة، ولأن الهايشة لم تظهر علنا يجري نقاش حول ما إذا كانت تحمل "قرونا" أم لا عوض مناقشة خطورتها على المدينة.
يتغير الديكور في المشهد الثاني ليظهر مبنى بطوابق هو عبارة عن الإدارة التي يعمل فيها بشير وهي مكتظة بالموظفين والموظفات الذين تحولوا كلهم بفعل الروتين إلى شبه روبوتات وهنا يقدم عرض كوليغرافي بموسيقى تقنية معبرة يظهر فيها الممثلون بحركاتهم الآلية والسريعة يجسدون قساوة العمل.
في العمل، يعود النقاش عن الهايشة وأخبارها وبأنها مجرد إشاعة إلى أن تدخل، وهنا تظهر أيضا بعض الممارسات الدنيئة منها سلوك المسؤول بوفرططو الذي يدّعي التدين والورع لكنه متحجر الفكر ويحاول دوما التحرش بحمامة الموظفة، في هذه الأثناء تدخل الممثلة نضال لتبكي وتشتكي أحوال زوجها العجمي الذي تغير وأثناء مواساتها تحوم حول مبنى الإدارة هايشة أخرى ومعها هوايش آخرون يدمرون سلالم المبنى ويحاصر الموظفون ليتم إجلاءهم من طرف الحماية المدنية، وأثناء ذلك تسقط زوجة العجمي فتفترسها الهايشة التي هي في الحقيقة العجمي.
يتغير الديكور مجددا ليبدو كبناية سكنية في طابقها الأرضي يسكن جعفر الذي يزوره بشير ليعتذر منه، فيجده مريضا، وفي حالة هستيريا وبعد طول نقاش وصراع معه يتحول جعفر إلى هايشة حاله في ذلك كحال عشرات الناس الذين تحولوا إلى هوايش وراحوا يجوبون الشوارع ويزرعون الهلع والشر.
في هذه الأثناء، يدور نقاش حاد بين المحامي وبشير خاص بهذه الظاهرة الخطيرة التي يعتبرها المحامي نتيجة طبيعية لما يعانيه البشر، كما أن الهوايش حيوانات لها الحق في الحياة وظاهرتها عادية لكن بشير كان يرد دوما "لكن ليس لها أخلاق كبني البشر"، بالتالي كان يقاوم ويرفض أن يتحول كغيره إلى هايشة مهما كانت الظروف والدوافع وظل مصرا على رأيه حتى الأخير رغم أن نفسيته اهتزت وأصبحت كوابيس الهوايش تطارده في منامه (من خلال عرض كوريغرافي) وأصبح منغمسا أكثر في شرب الخمر حتى لا يتحول إلى هايشة.
للإشارة، فإن المسرحية من اقتباس وإخراج محمد شرشال وتمثيل كوكبة من الأسماء، منها طارق بوعرعارة ووائل بوزيدة وعديلة سوالم وعبد الكريم بن خرف الله وغيرهم والمسرحية مقتبسة من نص "وحيد القرن" لروجين يونسكو، وسيتواصل عرضها إلى غاية يوم السبت المقبل.
انطلق العرض في ظلام دامس على أنغام موسيقى مرعبة لتظهر بعد ذلك تحت أضواء باهتة وحوش ذات لون أسود قاتم تشبه في حركاتها الغوريلا، تتنقل في فوضى بين أرجاء الركح، ثم يعطى المجال للموسيقى مجددا لتبرز من خلالها التناقضات بين العصري والتقليدي والرعب والوطنية وغيرها.
تبرز الأضواء الكاشفة ديكور المشهد الأول من المسرحية، والذي هو عبارة عن مقهى تقليدي بنادل مرح يرتدي الزي التقليدي وبجانب هذا المقهى "سوبيرات" مكتوب عليها عبارة "مواد غير فاسدة"، وفي هذا الديكور الجميل ذو الألوان الجذابة يظهر بشير الإنسان المسالم والمتفاني في عمله ليلتقي بصديقه المتعجرف والمثقف جعفر الذي لا يكف عن انتقاده، خاصة فيما يتعلق بمظهره، ليحث في الأخير بشير على الانخراط في الحياة الثقافية ويخرج من رقابة العمل الذي لا يرحم، وأثناء هذه الدردشة في المقهى تظهر "الهايشة" بدويها وصراخها المرعب الذي يسمع في كل أرجاء المدينة، وفي هذه الأثناء تصاب فتاة حسناء بالهلع الشديد، علما أنها تشد الرجال الحضور بأناقتها ونعومتها وهي دوما بصحبة كلبها "الكانيش الأبيض".
في المقابل، يحضر أيضا السيد فيلسوف الذي يدعى أيضا "المنطقي" من خلال أفكاره العقيمة وجدله البيزنطي الذي لا يأتي أكله وهو يخاطب رفيقه شبه الأمّي ليفسر له علم المنطق، وفي هذا المشهد يبدو الحوار مشتركا بين الفيلسوف ورفيقه وبين بشير وجعفر، كأنه جدل ثنائي بين منطق الفلسفة ومنطق الحياة.
بشير يعشق حمامة زميلته في العمل لكنه لا يجرؤ على مصارحتها لخجله وعندما تمر من أمام المقهى يحاول هو الاختفاء، ويفضل ملازمة صديقه جعفر الذي يحثه على استغلال الحياة بكل ما فيها عوض الانعزال.
يحاول جعفر غرس بعض القيم والسلوكات الإيجابية عند بشير على الرغم من أنه غير ملتزم بها، مثل شرب الخمر مثلا، فهو يشربه وينهى بشير عنه كذلك الحال بالنسبة لأمور أخرى.
تعود الهايشة من جديد مسببة الهلع وهنا تعتدي على كلب الحسناء الجميلة وتقتله فتنهار صاحبته ويشاركها الجميع حزنها، وهنا تتصاعد وتيرة الحوار الجماعي في غاية التناغم، مما يبرز قوة النص والسيناريو، بعدها يتحول حوار الصديقين بشير وجعفر إلى شجار، حيث يقوم الأخير بسب الأول بمظهره وسلوكه دون سبب معين في حين وكعادته يكتفي "المنطقي" بتعليقاته الباردة والعقيمة، ولأن الهايشة لم تظهر علنا يجري نقاش حول ما إذا كانت تحمل "قرونا" أم لا عوض مناقشة خطورتها على المدينة.
يتغير الديكور في المشهد الثاني ليظهر مبنى بطوابق هو عبارة عن الإدارة التي يعمل فيها بشير وهي مكتظة بالموظفين والموظفات الذين تحولوا كلهم بفعل الروتين إلى شبه روبوتات وهنا يقدم عرض كوليغرافي بموسيقى تقنية معبرة يظهر فيها الممثلون بحركاتهم الآلية والسريعة يجسدون قساوة العمل.
في العمل، يعود النقاش عن الهايشة وأخبارها وبأنها مجرد إشاعة إلى أن تدخل، وهنا تظهر أيضا بعض الممارسات الدنيئة منها سلوك المسؤول بوفرططو الذي يدّعي التدين والورع لكنه متحجر الفكر ويحاول دوما التحرش بحمامة الموظفة، في هذه الأثناء تدخل الممثلة نضال لتبكي وتشتكي أحوال زوجها العجمي الذي تغير وأثناء مواساتها تحوم حول مبنى الإدارة هايشة أخرى ومعها هوايش آخرون يدمرون سلالم المبنى ويحاصر الموظفون ليتم إجلاءهم من طرف الحماية المدنية، وأثناء ذلك تسقط زوجة العجمي فتفترسها الهايشة التي هي في الحقيقة العجمي.
يتغير الديكور مجددا ليبدو كبناية سكنية في طابقها الأرضي يسكن جعفر الذي يزوره بشير ليعتذر منه، فيجده مريضا، وفي حالة هستيريا وبعد طول نقاش وصراع معه يتحول جعفر إلى هايشة حاله في ذلك كحال عشرات الناس الذين تحولوا إلى هوايش وراحوا يجوبون الشوارع ويزرعون الهلع والشر.
في هذه الأثناء، يدور نقاش حاد بين المحامي وبشير خاص بهذه الظاهرة الخطيرة التي يعتبرها المحامي نتيجة طبيعية لما يعانيه البشر، كما أن الهوايش حيوانات لها الحق في الحياة وظاهرتها عادية لكن بشير كان يرد دوما "لكن ليس لها أخلاق كبني البشر"، بالتالي كان يقاوم ويرفض أن يتحول كغيره إلى هايشة مهما كانت الظروف والدوافع وظل مصرا على رأيه حتى الأخير رغم أن نفسيته اهتزت وأصبحت كوابيس الهوايش تطارده في منامه (من خلال عرض كوريغرافي) وأصبح منغمسا أكثر في شرب الخمر حتى لا يتحول إلى هايشة.
للإشارة، فإن المسرحية من اقتباس وإخراج محمد شرشال وتمثيل كوكبة من الأسماء، منها طارق بوعرعارة ووائل بوزيدة وعديلة سوالم وعبد الكريم بن خرف الله وغيرهم والمسرحية مقتبسة من نص "وحيد القرن" لروجين يونسكو، وسيتواصل عرضها إلى غاية يوم السبت المقبل.