"تسـريد الصحراء.. نوافذ أدبية جديدة"

عن الفضاء الصحراوي في الرواية الجزائرية

عن الفضاء الصحراوي في الرواية الجزائرية
  • 167
مريم. ن مريم. ن

احتضنت قاعة المحاضرات الكبرى " آسيا جبار" بصالون الجزائر الدولي للكتاب، أوّل أمس، ندوة بعنوان "تسريد الصحراء.. نوافذ أدبية جديدة"، تناولت فيها الفضاء الصحراوي في الرواية، وكيف تم من خلاله احتواء قضايا فلسفية واجتماعية وثقافية تاريخية، صحّحت النظرة الظالمة للصحراء؛ كونها جرداء، في حين أنها مخزون ثقافي وسوسيولوجي لا ينضب. أكّد المشاركون في الندوة أن الصحراء مهد الشعر والقوافي، طرقت باب الرواية، ودخلته عبر مصراعيه، لتضيف خصوصية أخرى من خلال أدب الصحراء للرواية الجزائرية.

الاعتماد على العجائبية والأساطير والأسرار الدفينة

أشار منشط اللقاء الروائي حاج أحمد الصديق الزيواني، إلى أن الرواية في الفضاء الصحراوي تعتمد على الأساطير، وأسرارها الدفينة، موضّحا أنّ الأدب الجزائري تناول الصحراء، متكئا على الموروث؛ لاستغلاله في النضال ضدّ المستعمر، وبلغة موليير؛ كمحمد ولد الشيخ في رواية "مريم بنت النخيل" في حقبة الثلاثينيات. ثم توالت الأعمال منها "تيميمون" لبوجدرة، ثم "حبيبتي رقان" و«أعوذ بالله" للسعيد بوطاجين، وأيضا الحبيب السايح في "تمسيغت" . وبعده ربيعة جلطي  وغيرهم، معلنين زمن الرواية الصحراوية بعد أن كانت بيئة شعرية بامتياز.

ركن للذاكرة التاريخية والنضال

أشارت الروائية جميلة طلباوي إلى أنّ الصحراء تلقفتها إبداعيا؛ فهي ابنة بيئتها، مشبهة أبناء المنطقة بزهرة الرمال التي لا تذبل، لتصل إلى روايتها "الخابية" ، التي تتخذ من البناء المعماري الصحراوي موضوعها، لتجوب الرواية عبر أزقة القصر، وبنايات الطوب التي طبعت الصحراء، لتعيد تلك التصاميم العتيقة للصحراء بعد أن ضاقت المنطقة بالمدن والعمارات التي لا تناسب أهل الصحراء، ونمط عيشهم، لتروي مبادرة المهندس فاتح ببناء القصور لبعثها من جديد، لكن يكتشف أن الناس تعوّدت على البناء العصري رغم حنينها للماضي الذي أسهبت الكاتبة في سرده، منه مظاهر البيئة الصحراوية كالعادات والتقاليد وغيرها.

ومن رواياتها التي ذكرتها في هذه الندوة "واد الحناء" ، واصفة هذه النبتة بصديقة المرأة، لكنها لا تعطي لونها الجميل إلا عندما تُسحق، وكذلك الإنسان لا يُخرج ما فيه إلا بعد تجارب يعيشها في حياته. ومن رواياتها أيضا "في قلب الإسباني" . وتحمل فكرة التعايش. أما "الغار.. تغريبة القندوسي" فتتناول تراجيديا منجم الفحم بمنطقة القنادسة إبان الاحتلال. والمنطقة هي الأولى التي اشتعل فيها أول مصباح في إفريقيا بفضل الفحم الحجري، واشتعل معه أهل القنادسة ظلما، وبؤسا وعبودية. ومن الروايات التي تحدثت عنها صاحبتها جميلة طلباوي رواية "كنزة" ، وهي بمثابة وثيقة تاريخية تشخص بشاعة الاستعمار الفرنسي قبل الثورة التحريرية، وأثناءها في منطقة الساورة، وفي وادي الناموس، وبني ونيف والقنادسة.

لا سردية صحراوية دون بيئة محلية

تجربة أخرى من أدرار رواها صاحبها الروائي عبد القادر المجبري، فرغم قِصر تجربته الإبداعية لكنه أثبت نفسه في السرد، ولاقى إقبالا في "تغريدات تواتية" ، وفي "سكتت قصور الطين عن الكلام المباح". 

وقال الروائي إنّ سردية الصحراء تختلف عن سردية المدينة والريف، وأن البعض سرد الصحراء كمكان قار مثل توات الكبرى؛ حيث لم يكن الرجل التواتي رحالا؛ إذ ملك الفوقارة، ومعها الماء العذب. وبنى فيها القصور، والواحات الغنّاء. وفي هذه السردية تم التحدّث عن المختلف من عادات، وسبق معرفي، والعجائبي، ومن يكتب عن ذلك ابن الصحراء. بدأ باستحضار سرديات الجدات والعمات والخالات، ثم استعمل قاموس المنطقة اللغوي  بمختلف مفرداته المحلية. وذكر المتحدث أن البعض من غير أبناء الصحراء كتبوا أيضا، منهم بوجدرة، لكنه كان يعود في نصه إلى المدينة، وكذلك عز الدين ميهوبي الذي سرد الصحراء كفضاء فارغ أثثه، مثلا، بالغزال الراوي وغيره. أما الكاتب الذي هو ابن الصحراء فتجاوز العجائبية إلى الهوية، ومنها تفكيك رموز سيفار، وتطويع الطبيعة القاسية إلى عنف رمزي فنطازي، يحمل الدهشة، ثم إعادة تشكيل الهامش؛ من أجل نسق معرفي للنص.

وحضر الندوة القاص خيري بلخير كصوت سردي فرض نفسه، قام بالمناسبة بسرد كتابات عن صحراء الجزائر (منها الأجنبية)، بعضها شبّه الصحراء بالمتاهة، لكنها لم تبلغ في الماضي السردية الصحراوية كما بلغها الزيواني مثلا، وهو معبأ بحمولة معرفية وثقافية، معتبرا الكتابة حفرا ونحتا؛ كي يكون النص خالدا لا مجال فيه للهامش والمركز. والنص اليوم، كما يؤكد، هو من يدافع عن نفسه بنفسه.

أما الناقد الدكتور أحمد بوعافية فتحدث عن السرديات المتعددة، في خطاباتها تحمل زخما من الموروثات الثقافية والتاريخية، تساهم في إحياء تراث الصحراء الجزائرية (فوقارة وقصور وعجائبية وألغاز  ونقل معارف الأولين للأجيال …). أما التجديد والتحديث في متون السرد فيحصل عن طريق الأحداث والخطاب والشخصيات، علما أن سردية الخطاب انفتحت أحيانا، على المناهج الغربية، لكن المتحدث اشترط أن يكون ناقد السردية الصحراوية صحراويا من داخل هذا الفضاء، يعرف خصوصيته، وأقاليمه، مدركا ومتمكنا من الخلفية المحلية الثقافية والاجتماعية.

من يكتب عن الصحراء لا بد أن يكون من صلبها

تميزت الجلسة الثانية للندوة بتدخل الكاتب ميلود ولد الصديق، الذي قال إنّ من يكتب على السردية الصحراوية عليه أن يحب الصحراء لكي تعطيه سرها؛ فهي ليست مكانا فارغا، بل مكان روحي، ومن لم يدخلها بصدق تاه فيها. وأضاف أنه باحث أكاديمي من جامعة سعيدة، يلتزم بالمنهج العلمي في الدراسة والتدريس، لكنه حر في سرديته الصحراوية. وقال: "أدعو لترميم القصور؛ لأنّها الذاكرة. وفي روايتي "ابن القرية" كتبت الصحراء باعتباري ابنها. وفي نفس الوقت أجد الكتابة عن الصحراء سطحية ومحدودة قد لا تتعدى الفوقارة، والأهليل، والقصور، لكن السكان والعلاقات الإنسانية تكاد لا تُذكر"..

وتناول المتحدّث أهمية المكان في السردية الصحراوية؛ منها القصر في توات مثلا (تموحت)، وهو فضاء متحرك به الكثير من القيم والعادات. وفي كلّ قصر أغامات؛ أي قلاع صغيرة. وهناك واحات وفوقارات ومناسبات يومية ومواسم وأهازيج وفضاء النسوة (ساقية بومهدي) للسمر بين النساء، علما أنّ المجتمع الزناتي للمرأة فيه سلطة معنوية مهمة، وتكنى بـ«فانا" ؛ أي فاطمة، وبالتالي فإنّ الصحراء ليست فلكلورا فقط، بل هي تاريخ وحضارة.وتناول الأستاذ عبد الله لبويز الثقافة الحسانية في السردية الصحراوية وما فيها من كنوز، غير أن 3 آلاف كلمة من هذه اللغة القريبة جدا من العربية، أصبحت غير متداولة، في حين أكد الأستاذ يوسف أوقاسم أنّ التاسيلي يختلف عن توات. ففي الأولى تتقاطع الرمال مع الجبال. وتراثها لم يفعل كما يلزم، ذاكرا ديوانه "تاسيليات" وصف فيها مدينته جانت المتحضرة ليكسر الصورة النمطية التي ترى أن الصحراء هي جمال وأفاع. وبنى الرواية على المحلية؛ منها جلسات الكبار في البساتين ليلا للسمر، لتتضمن حكايات وأساطير بها العديد من الكلمات التارقية.