الماس وبومهدي في "كريشاندو" بالبليدة
قط يناقش تناقضات البشر والغرفة 36 لمرضى "سرطان الروح"
- 599
في مدرسة الفنون "كريشاندو" بالبليدة، يتساءل قط عن تناقضات البشر في كتاب "القط صاحب الأذن المقطوعة" الصادر عن "موفم" للكاتبة راضية الماس، وغرفة تحمل رقم 36 تجمع مصائر أناس تعرضوا لسرطان الروح "الانهيار العصبي" في رواية فاتح بومهدي بعنوان "غرفة 36" الصادرة عن دار "الإبريز"، حيث استضافت السيدة نادية بورحلة الكاتبين فاتح بومهدي وراضية الماس، للحديث عن إصداريهما.
استلهمت راضية الماس قصة مولودها الأدبي الأول من حادثة جلب ابنتها قطا متضررا من قسوة البشر، إلى بيت، فكانت بداية قصتها التي قد تبدو موجهة للأطفال في شكل قصة “القط صاحب الحذاء"، لكنها، في الحقيقة، تهم المراهقين، على أن تقدم راضية في المستقبل، نفس القصة، لكن بشكل مبسط، ليتمكن الأطفال من مطالعتها وفهم دهاليزها. ألبست الماس مولودها هذا لباسا فلسفيا. وجعلت من القط الشخصية المحورية لكتابها، فقد خاض القط رفقة ابنتها فلة، مغامرات كثيرة. وطرح تساؤلات عديدة، في مقدمتها "من أكون؟ قط؟ إنسان؟ أم مخلوق آخر؟". وسيعيش القط "ديامون" (الماس) حتما، واقعا مؤلما، سيقبل به، لأنه يرفض الوهم، وهْم معاملته بشكل جيد طيلة حياته.. نعم هو الوهم بعينه. وبالمقابل، عرف القط في كنف عائلة فلة، حياة ثرية بالأحداث، فقد ولج المدرسة من بابها الواسع. وتمرن على رياضة تايكواندو، وتلذذ بسماع الموسيقى، وقصد مستشفى، لكنه شعر بالخوف ليس من الحياة ولا من مطبّاتها، بل خاف أن يؤمن بالوهم، فما أمرَّ أن يعيش المخلوق في وهْم وإن كان مغطوسا في العسل!
وطوال أحداث الحكاية يتوقف القط كذا مرة، ليتساءل عن طبع هذا الإنسان الذي مناه الله بعقل، إلا أنه يستعمله إلا نادرا. ورزقه الله بقلب، إلا أنه مغطى برداء القسوة، ليتساءل مجددا: "هل حينما يختفي الخير يبرز الشر بقوة؟ وهل بعدما يتستر النور، تطغى الظلمة بشدة؟". وهذا القط العجيب لا ينكفئ عن طرح الأسئلة في ظل نقاشاته مع فلة، وكذا في حل مشكلات لا يحلها إلا صاحب حنكة وحكمة كبيرتين، لكنه حينما يعود إلى أهله من عالم القطط يجد نفسه مختلفا عنهم، فيشعر بضيق شديد رغم أنه تطور بشكل جيد، لأنه نما في وسط إيجابي. وبالمقابل، شرع فاتح بومهدي في الحديث عن عنوان روايته الثانية "غرفة 36"، فقال إن القارئ قد يعتقد أنها لغرفة في فندق أو زنزانة سجن، إلا أنها، في الحقيقة، لغرفة في مشفى "دريد حسين" المختص في الأمراض العقلية، الذي شد أنظاره مرارا حينما كان يمر عليه، كان ذاك في صغره. ورغم ذلك فقد كان مشدوها إلى علم النفس، وقريبه الأمراض العقلية، ليدفع به المطاف إلى الاهتمام في كبره، بكيفية تفكير الإنسان، وطبيعة ودافع تصرفاته. واختار المتحدث في روايته الثانية، أربع شخصيات التقت في نقطة واحدة، وهي "التراكمات" التي تسببت في إصابة ثلاثتهم بسرطان الروح المسمى بـ "الانهيار العصبي". ووجدوا أنفسهم في مشفى الأمراض العقلية. والبداية بأصيل الراوي، ومرورا بتسعديت المرأة المطلقة، وكذا بمالك ابن رجل أصولي وامراة صامتة، جميعهم حاولوا الانتحار، في حين أن جوهر المرأة المتقدمة في السن مقارنة بالبقية ومجهولة الوالدين، لم تفعل ذلك.
جوهر التي قتلت زوجها الذي كان يعنّفها منذ ليلة عرسها حتى إنه اغتصبها، فقد كان نرجسيا إلى حد الانحراف، قررت حينما بلغت من العمر الثلاثين، حذف الملح من الطعام الذي كانت تطهوه لزوجها. وفي عمر الواحد والثلاثين خلعت حياته، لتدخل السجن وتقضي 15 سنة فيه. وهناك وجدت حريتها المسلوبة. وحينما خرجت منه اشتغلت ممرضة في مشفى “دريد حسين”، وطيّبت خاطر من شعروا بأن أرواحهم استُنزفت عن آخرها. وفي هذا قال الكاتب إن كل هذه الشخصيات تشكل جزءا منه، خاصة أنه منذ أربع سنوات، تعرّض لانهيار عصبي، نتج عنه هذا الكتاب، الذي طرح فيه عدة أسئلة. وأجاب عن بعضها، علاوة على كون الكتابة علاجا نفسيا بجدارة.