المؤرخ عمار بلخوجة ضيف "أربعاء الكلمة" :
ليس لنا حق في نسيان ذاكرة أبطالنا

- 221

استقبل موعد أربعاء الكلمة بفضاء بشير منتوري، مؤخرا، الباحث والمؤرخ عمار بلخوجة، لعرض بعض كتبه بمناسبة إحياء اليوم الوطني للشهيد، الذي يراه الضيف عهداً والتزاماً نحو الشهداء، مؤكدا أن النسيان هو قاتل أيّ أمة، وداعيا إلى ترسيخ التاريخ، وتقديمه للجيل الجديد؛ كي لا تضيع منه هويته وكيانه، فيصبح فريسة لعدوّ الأمس واليوم.
استعرض الدكتور بلخوجة في تدخله، نماذج وأسماء بعض شهداء الثورة الأبطال، الذين من الواجب في كل مرة، إحياء أمجادهم.
وذكرَ، في البداية، الشهيدة زهية خرف الله التي حُكم عليها بالإعدام. وعندما اقترح عليها محاميها كتابة رسالة باسمها للرئيس الفرنسي حينها، رفضت، وقالت إنها ليست بحاجة إلى عفوه؛ فهي على حق، وتدافع عن قضية بلدها وشعبها العادلة.
نماذج لأبطال صنعوا النصر
عن يوم الشهيد قال الضيف بلخوجة إنه يمثل ذكرى كفاح شعبنا؛ " لو ضرب أحدهم الأرض بفأس سيخرج دم الشهداء منها في كل شبر من هذه الأرض الطاهرة "، منوها بالكثير من الشهداء الأبطال الذين بقوا مغمورين، لكنهم انتصروا.
ومن النماذج التي قدمها المناضل الكبير، محمد بلوزداد، الذي وصفه بالشهيد الذي سبق الثورة.
« صحيح أنه لم يمت بالرصاص ولا في المعارك، بل مات من فرط الجهد البدني والعقلي، والظروف الصعبة التي تكبَّدها من أجل الجزائر؛ فهذا الشاب ابن حي بلكور الشعبي، كان ذا شأن في تاريخ الحركة الوطنية. وكان عقلا مدبرا، فعُيِّن رئيسا للمنظمة الخاصة بعد مؤتمر 1947 التي حضّرت للثورة المسلحة. ومات ـ رحمه الله ـ سنة 1952 بعد أن ترك إنجازاته وأفكاره ". أصابه الوهن من التشرد والسهر والعمل - كما قال المتحدث - ثم فتك به السل. وعند موته تمنى أن يسمع مجددا صوت المؤذن في حيه "بلكور" ، الذي يحمل الآن اسمه بفخر.
الشهيد الآخر الذي تحدّث عنه الدكتور بلخوجة هو ديدوش مراد، الذي كان - حسبه - خارقاً للعادة. وكان يأخذ من خزينة والده الميسور، ليعطي المال لحزب الشعب، متمنيا أن يرى الثورة تندلع يوما ما. ثم كان من مفجريها الأوائل وصولا إلى مؤتمر الصومام، ليسقط في ساحة الشرف أثناء معركة في جانفي 1957. وكان طلب من رفقائه الذين يعيشون حتى الاستقلال، أن يدافعوا عن ذاكرة الشهداء، وبالتالي قال المتحدث إن هذا عهد بيننا وبين شهدائنا، يجب الالتزام به من جيل لآخر.
المرأة الشهيدة لم تنل حقها من التأريخ
تحدّث الدكتور بلخوجة، أيضا، عن الشهداء داخل السجون قبل وأثناء الثورة التحريرية؛ من ذلك سجن الحراش وسركاجي، في حين أن مساجين آخرين فقدوا عقولهم من فرط التعذيب الوحشي. كما توقف عند الشهيدات، بعضهن طال أسماءهن النسيان، وهو أمر وصفه بالخطير، وأشد من العذاب؛ فهو يهدد كيان المجتمع ووجوده، ليذكر مثلا الشهيدة فاطمة الزهراء رقي ابنة مدينة قالمة، التي عاشت أحداث 8 ماي 1945. وقُتل أخواها حفيظ ومحمد، فراحت تحتج عند الضابط الفرنسي، فاعتقلها في 18 ماي من نفس السنة، وأعطاها للمليشيات المسلحة، فحلقوا شعرها، وعذبوها، واغتصبوها جماعيا. وعندما أرادوا حجب عينيها بوشاح كي لا تشاهد رمي الرصاص عليها رفضت. وكانت هذه الفتاة مثقفة ومعلمة باللغتين، ومناضلة في حزب أحباب البيان والحرية سنة 1944، ليعلق المتحدث: "ليس لنا الحق في النسيان" . وذكر، أيضا، الشهيدة عذاي باية المعروفة بزوليخة بمدينة شرشال، وكانت مسؤولة عن شبكة سرية لجيش التحرير، عمل تحت إمرتها رجال يقدرون شجاعتها. وسقطت شهيدة. وقبلها زوجها وابنها بعد أن عُذبت. وتركت أبناءها الآخرين ليدخل أصغرهم مدرسة أشبال الثورة التي دخلها أبناء الشهداء بعد الاستقلال، ويصبح إطارا بالجيش الوطني الشعبي.
وهناك أيضا الشهيدة لعريبي تومية أو مريم الكحلة بالولاية 4 التي كانت ضمن كتائب جيش التحرير. قبض عليها المظليون واغتصبوها جماعيا. وجاء اسمها في الكتابات الفرنسية، زيادة على ذكره المناضلة زهور زراري التي قام العدو بنزع ملابسها أمام زملائها، ثم تبوّلوا عليها وعذبوها، ليؤكد أن المرأة الجزائرية لم تنل بعد حقها من التأريخ لبطولاتها.
فلسطين مأساة لا بد أن تستقر في الذاكرة
كما تناول الضيف في كتابيه عن فلسطين وهما "فلسطين: إسرائيل بين الجريمة واللاعقاب"، و«جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية"، الأحداث منذ وعد بلفور، ونكبة 48 إلى غاية اليوم. وربط المتحدث ما يعانيه الشعب الفلسطيني وما عاناه الجزائريون إبان فترة الاستعمار الفرنسي، ومن ذلك كسر ذراع بعض الأطفال في انتفاضة 87، حسب شهادات الراحل الدكتور جورج حبش؛ من ذلك فتى كسر الجنود ذراعه. ثم أخذوه إلى بيت أمه التي كانت تقلي البطاطا، لتوضع يده في زيت القلي. وهو نفس الحادث الذي جرى في إضراب 8 أيام بالجزائر، عندما أُحرقت يد تاجر "الخفاف" بوضعها في الزيت الساخن. قال له العسكر الفرنسيون كيف وأنت تونسي تقوم بالإضراب وتتضامن مع الجزائريين؛ فما علاقتك بالجزائر؟!
وعن فلسطين قال الدكتور بلخوجة إنه اهتم بالقضية بعد هزيمة 67 في حرب 6 أيام. وتساءل حينها كشاب في 30 من العمر: لماذا انهزم العرب؟ وتبين أن الفرق كان في العدة والعتاد ووقوف الغرب مع اليهود، مستعرضا المجازر التي ارتكبت وصولا إلى حرب غزة. وقال إن كتابه عن "جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية" اطلعت عليه سيدة فلسطينية تعيش في فرنسا، فذهلت حين قراءته. وأخذته معها لعرضه في الأوساط الفرنسية، ليقول إنها لم تكن تعرف ما كان منذ عقود من جرائم. وهنا - حسبه - تكمن خطورة النسيان، وتلاشي الذاكرة الجماعية.
كما استعرض كتابه "توضيحات" الذي صدر منذ 5 سنوات، والذي رد فيه على المشككين والمحرفين لتاريخنا الوطني، ومنهم بعض أشباه المؤرخين والروائيين وغيرهم.
وتميزت المناقشة بالثراء. واتفق فيها الجميع على ضرورة ترقية مادة التاريخ في المنظومة التربوية.