ندوة "الرواية الجزائرية، توجهات"
مسارات طبعت أجيال الكتاب بتجارب فنية وإنسانية
- 108
قدم المشاركون في ندوة "الرواية الجزائرية، توجهات" المقامة، مؤخرا، بالقاعة الكبرى بـ"سيلا 2024"، قراءة كرونولوجية وتحليلية لمسارات الرواية الجزائرية منذ بداياتها في القرن الماضي، وحتى الألفية الجديدة، بكل توجهاتها وزخمها ومنتوجها الذي لا يفتأ يتوسع ويثرى يوما بعد يوم، مستعرضين خصوصية كل مرحلة وكل جيل.
أشار الأستاذ السعيد بن زرقة، إلى أن الرواية الجزائرية جاءت متمردة ومتحررة من الأشكال الفنية، مؤكدا أن مسار تحولاتها، أملته عليها الظروف السياسية والتاريخية، لتنتقل من حال إلى حال. كما أكد أن الرواية الجزائرية حصدت الكثير من الجوائز، منها العربية، كجائزة "كتارا" وجائزة "نجيب محفوظ" و"الطيب صالح" و"علي معاشي" و"آسيا جبار"، كما أن دور نشر عربية وأجنبية تبنت روائيين جزائريين.
قال المتدخل، إن البداية كانت في القرن 19، مع الكاتب محمد بن إبراهيم، ثم امتد الزمن إلى رضا حوحو مع "أم القرى"، لتأتي بعدها مرحلة التأسيس مع مجموعة من الأسماء، منها كاتب ياسين ومحمد ديب، عرعار والطاهر وطار وبوجدرة وغيرهم، وكان ذلك ضمن اتجاه واقعي ملتزم، شغل بالثورة والنضال وببناء الدولة الوطنية. في الثمانينيات، يضيف المتحدث، ظهرت أسماء أخرى، تجاوزت الأسماء المؤسسة، وخففت من الحمل الذي حمله الرواد، من خلال روايات الزاوي وبقطاش وواسيني وغيرهم، ثم جاء جيل آخر، من أسمائه حميد عبد القادر وبشير مفتي، مع الاتجاه نحو رواية السير والتجارب الذاتية عن طريق البوح والاعتراف، ما قضى على هوية الرواية، لتنقل هاجس الفرد وليس الجماعة، تأثرا بكتابات كافكا، خاصة في "التيه".
أوضح المتحدث أيضا، أنه كان عضوا في لجان قراءة ومسابقات وجوائز، ورأى أن أغلب المشاركات كانت من هامش المدن، ومن تأليف الإناث، وأن أغلب اختصاصات المشاركين كانت علمية، وليست أدبية (طب، هندسة، إلكترونيك، مالية وغيرها)، ومن أبرز الدور التي توجه إليها هؤلاء، هناك "الخيال" و"الشغف" و"المثقف الماهر" وغيرها، وبروايات تصل حتى إلى 400 صفحة، وبمحتوى غريب وعناوين أغرب غير مألوفة، ذكر منها مثلا؛ "أكابيلا"، "دولان"، "شيزو""أوميرتا" وغيرها، وتتناول مواضيع مختلفة، منها العاطفية والاجتماعية والخيال العلمي والبوليسية والحرقة والأمراض، منها الحرب البيولوجية والتاريخ المحلي، وغيرها من ذلك أحداث غير مرتبطة بالجزائر. تحدث المحاضر أيضا، عن أدب الشباب والإقامات الجامعية، الذي سقط في فخ الاستنساخ من الجيل الفارط، وهو ما اعتبره "إعادة تسخين فقط"، داعيا إلى فتح ورشات كتابة والاهتمام بالنقد.
الرواية الجزائرية تفتقر للتصنيف
أما الدكتورة أمينة بلعلى، فتناولت مسألة التصنيف في الرواية، من خلال الروائيين، موضحة أنه رغم مرور 100 عام على الرواية الجزائرية، لكنها تفتقر للتصنيف، كونها لم يؤرخ لها، متسائلة عن ما إذا كان الاهتمام والكتابة نفسها عند الأجيال، من ذلك مثلا، تناول الثورة التحريرية، متسائلة عن المتغيرات الاجتماعية التي طرأت، وأيضا ماذا عن الرواية النسوية، موضحة أن هناك قطيعة بين الأجيال، علما أن عدد الروائيين تكاثر، وقد أحصت في مخبرها 1700 رواية، لكن دون أن يرافقها نقد، مشبهة كل ذلك بالنصوص، وأنها ليست روايات، وأشارت إلى أن مرحلة ما بعد العشرية السوداء، شهدت انفجارا روائيا، مع فتح تساؤلات وإشكاليات كبرى، وإعادة النظر في الكثير من الأمور، منها الدين والسياسة والتاريخ والقيم.
رواية بالفرنسية تحمل بذور الثورة والتغيير
تحدثت الأستاذة لينا عبد العزيز، عن الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، مستعرضة جيل كتاب فترة الاحتلال، الذين سجلوا الرعب الذي عاشه شعبنا، ورغم أن هذه الرواية بلغة المحتل، لكنها بهوية جديدة وتفضح المحتل وتحمل بذورا ثورية. ووصلت المتحدثة إلى مرحلة الأدب الاستعجالي في التسعينيات، وظهور بعض الاتجاهات، منها مسألة الراهن، زيادة على تعدد الكتابات والاتجاهات والحساسيات عند نفس الجيل، كما تجاوز الكتاب مجرد الشهادة على هذا الراهن، إلى فتح تساؤلات وإشكاليات ونقد أو إدانة، بعيدا عن أي تموقع أو أحكام سياسية، أو تقديم حلول، بل من أجل هذا المجتمع، مستشهدة بقول أحد هؤلاء الروائيين (سليم باشي) "الرواية ليست أنا، وأنا لست التضحية"، عكس الجيل الأول الذي تتجلى عنده فكرة "الشاهد كنت هناك وهو أنا".
تطرقت المتحدثة أيضا، لجيل الروائيين الذين خرجوا من صلب الممارسة الإعلامية، منهم مثلا، مصطفى بن فوضيل، مستعرضة أيضا الدور الذي لعبته دور النشر في تقديم الرواية، خاصة التي تحمل رؤية الشباب. كما تناولت أمورا أخرى، منها الرواية الواقعية مع مايسة باي وياسمينة خضرا.
الرواية الأمازيغية ما زالت أمامها تحديات
طرح الأستاذ قاسي السعدي في محاضرته "الرواية الأمازيغية من الإرهاصات إلى المسابقات"، لمحة عامة عن الرواية المكتوبة بالأمازيغية، في سياقها الأنثروبولوجي، ثم السوسيولوجي، فالنقدي، مؤكدا أن المستعمرين أرخوا لها وكتبوا عنها، عندما كانت في إطارها الشفوي ضمن الثقافة الشعبية الموجود في الزوايا، وفي القبائل والعشائر، حيث كانت تروى قصص الأنبياء والحكم والأمثال والأشعار وغيرها، موضحا أن الجنرالات (منهم هانوتو) والآباء البيض (ليتورنو) جمعوا المدونات الشعبية، منها نظام "تاجمعت"، ثم جاء دور الباحث بن سديرة الذي جمع أشعار جرجرة لبوليفة، ثم بعدها مولود معمري وهوري باسي.
اعتبر المحاضر "الوالي يوذرار" لبلعيد آث علي سنة 1946، هو الجامع للمدونة الأمازيغية القبائلية، كتبها بأسلوبه الخاص، ليجد نفسه بعدها أمام رواية ساخرة، معروضة اليوم بـ"سيلا 2024" بالفرنسية والعربية. وبعد الاستقلال، ظهرت مرحلة الجمعيات، والنضال استمر مع معمري حتى الثمانينيات، ثم مرحلة ما بعد الدسترة وجائزة رئيس الجمهورية للأدب الأمازيغي. كما طرح المتحدث رهانات وتعدد إرهاصات هذه الرواية، منها لغة أو حروف كتابتها، وكذا الترجمة والنشر والتكنولوجيا والنقد.
الصحراء ملاذ الرواية الجزائرية الآمن
أما عبد القادر ضيف الله، فأكد أننا تجاوزنا الإطار الغربي الكلاسيكي للرواية، من خلال العودة بالرواية للتاريخ والتراث والحكاية الشعبية، مستحضرا تجربة كتاب الجنوب الواعدة، حيث اهتم كتابها بالفضاء الصحراوي الحر، مذكرا بروايته "تيزنروفت"، أما الناقد محمد تحريشي، فبين الفرق بين التوجه والاتجاه، فالأول هو الموقف من الأشياء، وهو الفكر والتوجه الإيديولوجي، أما الثاني فهو التيار الأدبي، كما تناول مسألة التجريب في الكتابة بطرق جديدة، تكسر الأطر التقليدية بتقاطع الأصوات والأزمنة.