الدكتور الزغيدي ضيف "منتدى الكتاب"

معالم من انتصارات الديبلوماسية الجزائرية

معالم من انتصارات الديبلوماسية الجزائرية
الدكتور محمد لحسن الزغيدي
  • 333
مريم. ن مريم. ن

نزل الدكتور محمد لحسن الزغيدي، أوّل أمس، ضيفا على "منتدى الكتاب" بالمكتبة الوطنية بالحامة؛ حيث نشّط محاضرة بعنوان "البعد الدولي للثورة الجزائرية"، استعرض فيها المرجعية التاريخية والنضالية للديبلوماسية الجزائرية، التي التزمت الجزائر بها وبمبادئها إلى اليوم.

ذكر المحاضر أنّ هذه الديبلوماسية قفزت من إطارها المحلي إلى العالمي، مؤكدا أنها وليدة تراكمات عملية لدولة أصيلة سايرت التاريخ. وقال إنّ الديبلوماسية الجزائرية ليست وليدة الفترة الاستعمارية، بل ارتبط وجودها وظهورها بالدولة الجزائرية.
وتوقّف المحاضر عند الموقع الاستراتيجي للجزائر؛ ما جعلها لا تعيش الاستقرار الدائم عبر التاريخ بفعل الطامعين فيها؛ فهذا الموقع، حسبه، أهَّلها لأن يكون لها الدور الفاعل، والسطوة.
كما استعرض المتدخّل العلاقات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقّعتها الدولة الجزائرية منذ 1607، منها 80 اتفاقية ومعاهدة أمضيت مع دول أوروبية كثيرة، من ذلك اتفاقيتها أيضا، مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي دفعت 20 مليون دولار (بقيمة اليوم) مع المجوهرات والهدايا، مقابل اعتراف الجزائر بها، وهو الموقف الذي لم تفعله الولايات المتحدة مع دول أخرى.

وبعد الاحتلال تأسّست دولة الأمير عبد القادر. وبدورها كان لها علاقات ديبلوماسية مع عدّة دول، منها الولايات المتحدة وبريطانيا عدوتا فرنسا في تلك الفترة. ثم استمر هذا النشاط الديبلوماسي حتى عندما كان الأمير أسيرا في فرنسا، ثم مقيما بدمشق. وتناول المحاضر، بعدها، تاريخ الديبلوماسية الجزائرية في سجل الحركة الوطنية، مؤكّدا أنها بدأت سنة 1919مع مؤتمر الصلح حيث أرسل الأمير خالد عريضة للمؤتمر خاصة بحق تقرير المصير.
في سياق حديثه، توقّف الدكتور زغيدي عند تاريخ هجرة الجزائريين لفرنسا، مؤكّدا أنّها سبقت الاحتلال في 1830. وتعود إلى القرنين 17 و18م، حين كانت هجرة النخبة؛ من تجار وطلبة خاصة إلى باريس، واستمرت حتى سنة 1834، وهو الأمر الذي تخفيه المصادر الفرنسية؛ كي لا تعطي شرعية تاريخية للهجرة الجزائرية مع استعراض، أيضا، نظام القناصة الفرنسي سنة 1842، الذي حارب فيلقه في أوروبا، بجنود أغلبهم جزائريون، وذلك لمدة 33 عاما.

وفي بداية القرن 20 وضعت فرنسا قوانين تعجيزية لكبح هجرة الجزائريين، علما أنّ عدد المجنَّدين الجزائريين الذين قُتلوا خلال الحرب العالمية الأولى، 80 ألفا، ليفصل المحاضر في تاريخ الحركة العمالية التي قادها الجزائريون، وصولا إلى ظهور نجم شمال إفريقيا، الذي كان أوّل نشاطه ديبلوماسيا؛ من خلال تجمّع بروكسل العالمي في 1929 برئاسة مصالي الحاج، لتتوالى بعدها أنشطته الديبلوماسية في تجمّعات دولية أخرى، منها مؤتمر القدس سنة 1920، الذي مُنع فيه الجزائريون من المشاركة، لكن تمكّنت الجزائر من الحضور بفضل العلاّمة الراحل الطفيش.
وعند استعراض مطالب في بروكسل، قال المحاضر إنّ بيان 1 نوفمبر استمد منها الكثير. ومن هنا يتبيّن دور الحركة الوطنية بشقّيها الثوري والإصلاحي، في هذه الديبلوماسية، وقدرتها على الوصول إلى المؤسّسات الدولية؛ لطرح القضية الجزائرية، منها عصبة الأمم المتحدة، وغيرها من المؤسسات.

وتوقَّف المحاضر عند بعض الأحداث، منها احتفال فرنسا بمئوية احتلالها الجزائر، وكيف كان الردّ عليها بتأسيس جمعية العلماء المسلمين، ثم أحداث مجازر 8 ماي 1945، وما خلّفته من تداعيات وصدى دولي.
وفي سياق حديثه، قال الدكتور الزغيدي إنّ فرنسا التي تتشدّق بالقوّة والسطوة، احتلتها ألمانيا بكلّ أريحية، علما أنّ تأخير احتلالها بـ5 أسابيع؛ أي حتى جويلية سنة 1940، بفضل لواء المغاربة الذي تكوّن من 80 ٪ من الجزائريين، الذين دافعوا عن نساء وأطفال فرنسا، وهو الأمر الذي تخفيه المصادر الفرنسية، ثم تفضيل الحلفاء النزول في الجزائر، والتخلي عن الدار البيضاء؛ اعترافا بقيمة وأهمية الجزائر.

وتتوالى الأحداث انطلاقا من بيان الحلف الأطلسي، ونشاط الديبلوماسية الجزائرية بعد أحداث 8 ماي 1945، ليتم تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة برئاسة الشاذلي المكي. ويستمر النشاط أكثر فعالية مع حركة انتصار الحريات الديموقراطية ومبادئها 21 التي وُظّفت في ثورة التحرير، علما أنّ نفس تلك المبادئ، كما أكّد المحاضر، لاتزال فاعلة إلى اليوم، ومنتهَجة من الديبلوماسية الجزائرية.
واعتمدت الثورة على 4 قادة ممثلين لها في الخارج، زيادة على كون بيان 1 نوفمبر وثيقة ديبلوماسية في حدّ ذاته. وهنا أسهب المتحدّث في عرض جولات وصولات الديبلوماسية الجزائرية إبان الثورة، والتي دحرت الدعاية الفرنسية، خاصة في أروقة الأمم المتحدة، ليتم الحديث بعدها، عن الديبلوماسية في قرارات مؤتمر الصومام، وخلال مفاوضات إيفيان.

وتمكنت حنكة الديبلوماسي الجزائري حينها، من قراءة المستقبل، وقطع الطريق عن بعض المخطّطات الفرنسية، وهو الأمر الذي لم تتفطّن له دول أخرى مجاورة، لاتزال تدفع ثمن ذلك إلى اليوم. واستطاعت الديبلوماسية الجزائرية أن تكون مرجعا ودافعا لصدور بعض المواثيق الأممية، كما كانت الحال سنة 1960 (حق الشعوب في نيل حريتها). وشهدت المناقشة سجالا ثريا، شارك فيه الدكتور عمار طالبي، الذي أكد على أن هذا الجانب من تاريخنا، لايزال يحتاج البحث.