تلامس أعماق النفس البشرية

"مفارقة" في عنابة

"مفارقة" في عنابة
  • 189
سميرة عوام سميرة عوام

قدّمت مسرحية “مفارقة” عن نص وإخراج حليم زدام تجربة فنية متميزة على خشبة المسرح الجهوي “عزالدين مجوبي” في عنابة، أول أمس، ولاقى العرض الذي نظّم في إطار التبادل الثقافي بين المسارح ترحيبًا كبيرًا من الجمهور. 

جلب العمل المسرحي معه طابعًا دراميًا عميقًا يعكس التناقضات التي يعيشها الإنسان في علاقاته مع نفسه ومع العالم من حوله. مع تناوله لمواضيع فلسفية معقدة، استطاعت "مفارقة" أن تثير التساؤلات حول الهوية والحقيقة والواقع، مشدّدة على العلاقات الإنسانية المتشابكة التي تنشأ من التوترات الداخلية والخارجية للشخصيات.

المسرحية قدّمت مزيجًا بين التراجيديا والسخرية، وهو ما منح العرض بعدًا فكريًا مثيرًا من خلال تسليط الضوء على التناقضات بين ما يبدو حقيقيًا وما هو في الواقع. كانت الشخصيات عبارة عن مرآة لأبعاد النفس البشرية المتنوّعة، حيث كشفت عن الصراع الداخلي والمشاعر المتضاربة، ما جعل العرض محفّزًا للتفكير العميق حول قضايا معاصرة تمسّ جوهر الإنسان.

من ناحية أخرى، نجح المخرج حليم زدام في إبراز هذه الأفكار بطريقة فنية مبدعة، حيث عمل على دمج جميع العناصر المسرحية بذكاء. السينوغرافيا التي قام بتصميمها سهيل بوخضرة أضافت أبعادًا بصرية غنية، بينما ساهمت الكوريغرافيا التي أدارها صلاح الدين خالدي في إيصال مشاعر الشخصيات بشكل ملموس عبر الحركة. كما كانت الموسيقى التي وضعها عبد القادر صوفي بمثابة الإطار الصوتي الذي غلف العرض وأضفى عليه طابعًا دراميًا يعزز من حالة التوتر والتعقيد النفسي الذي كانت تعيشه الشخصيات.

أما الأداء التمثيلي، فقد جاء متميزًّا حيث قدّم كلّ من هشام قرقاح وفاتن قصار وميساء بن عيسى وحميد بوحرود عبد الباسط فطوش وصهيب عبيد أدوارًا نابضة بالحياة، محقّقين تفاعلًا حقيقيًا مع الجمهور. أظهر هؤلاء الفنانون قدرة فائقة في تجسيد الأبعاد المعقّدة لشخصياتهم، مُحمّلين كلّ حركة وكلّ كلمة بمشاعر متناقضة تُحاكي الواقع اليومي، ما جعلهم قادرين على جذب الانتباه على مدار العرض.  تظلّ مسرحية “مفارقة” حاضرة بكلّ أداءاتها، حيث جمعت بين الفلسفة والفن في عرض متكامل يجسد التوترات الإنسانية المعقدة بطريقة فنية لامعة.