العرض الشرفي لفيلم "لطفي" لأحمد راشدي

ملحمة إنسانية بمسحة ثورية

ملحمة إنسانية بمسحة ثورية
  • 1084
 مريم / ن  مريم / ن
قدم المخرج أحمد راشدي أمس بقاعة الموقار العرض الشرفي لفيلمه الجديد "لطفي" بحضور طاقم عمله وذلك عبر ما يقارب الثلاث ساعات، رصدت مسيرة هذا الشهيد الشاب الذي قبّل تراب الجزائر والرصاص ينخر جسمه وفضل أن يستشهد بمنطقة بشار كي يبرهن على أنها أرض جزائرية مسقية بالدم.
بداية الفيلم حماسية وممطرة، ترصد شتاء تلمسان البارد الذي لا يأبه به لطفي وثلة من أصحابه (رحمون وجيلالي) ليجوبوا الشوارع والحارات ليلا بعجلاتهم ويتحايلون على دوريات المراقبة من أجل إلصاق بيان أول نوفمبر على الجدران والمباني، وهنا يتعمد المخرج إبراز معالم المدينة الأثرية وخصوصياتها الثقافية، يلاحق لطفي (اسمه الحقيقي بن علي بودغن) ويستدعى لقسم الشرطة في اليوم الموالي لكن أمره لم يكشف، في تلك الليلة الماطرة يدخل البيت بعد أن قلق والداه عليه لكنه يفضل الالتحاق بحجرته وسماع الراديو والاستمتاع بصديقه الحميم، لطفي المنفلوطي الذي كان يقرأ كتابه "العبرات".
تتوالى المشاهد التي تصور الوعي السياسي عند البطل والكثيرين من الشباب أمثاله خاصة بثانوية تلمسان من ذلك مثلا الجدال المستمر مع أستاذ التاريخ الفرنسي الذي يتهرب من أجوبة الطلبة كلما فتحوا موضوع تاريخ الجزائر، وكانوا دوما يفحمونه بالقول: "تقول إن التواجد العربي الإسلامي بالأندلس استعمار وتعد على بلد أجنبي فما هو تفسيرك لاستعمار فرنسا للجزائر" وكان رده دوما "لن أجاريكم وأذهب معكم بعيدا".
تمسك الشرطة بأحد زملاء لطفي ليدلي باسمه تحت التعذيب الوحشي لكنه يسرع مجروحا لإخباره كي يهرب ويكون ذلك مباشرة من الثانوية إلى الجبل بتدبير من القائمين على الثورة، وهنا يبرز الفيلم الرحلة الشاقة لشاب ألف العيش في المدينة وتبدو عليه الوسامة والرقة التي تخلى عنها ليدخل حياة والخشونة والتقشف.
يلتحق بجيش التحرير ليطلب السلاح لكنه يتلقى ردا غريبا من أحد القادة وكأنه تدريب واختبار له فيقول "إذا أردت السلاح فاذهب إلى "القودرون" وهو الطريق المعبد الذي تمر عليه دوريات العساكر الفرنسيين تنصب لها الكمائن ليؤخذ منها السلاح واللباس وهنا دخل لطفي المعركة بصدر مكشوف وبمسحة طفيفة تبرز قلة خبرته العسكرية، حيث يدخل وسط الرصاص ليحصل على السلاح ثم يدخل للحصول على الرصاص دون حذر أو تخطيط، وأمام هذه الشجاعة والتفاني في التضحية كسب ثقة القيادة وكسب خبرة عسكرية كبيرة، ناهيك عن أخلاقه والتزامه الذي حبّبه للمناضلين والجنود من أبناء كل مناطق الوطن.
أمام الضغط على القرى، باشر الشهيد عمليات حرب المدن بتلمسان ووهران وهنا يسهب المخرج في تصوير قنبلة القرى على رؤوس سكانها والمجازر الرهيبة التي حصلت في مشاهد قاسية كتلك التي حصلت إثر عملية "الببغاء" بأقصى الغرب الجزائري وكان الشهيد يحرص على التدخل لإجلاء القرويين إلى درجة أنه في إحدى المرات لبس وجنوده لباس العساكر الفرنسيين للتمويه.
يبرز الفيلم أيضا تضحيات أبناء تلمسان منهم الشهيد الطبيب بن زرجب الذي اهتزت له المنطقة وقامت بمظاهرات عارمة استشهد فيها الكثير لتنتقم له الثورة بعدها على يد لطفي.
انتقلت بعدها العمليات إلى منطقة آفلو التي شهدت معارك ضارية بين جيش التحرير وقوات العدو وهنا يوظف المخرج صورة المرأة الجزائرية الجندية التي تقاتل مع الرجل وتصيب وتصاب مثله وكان لحضور المقاتلة نفيسة بصمتها في الفيلم، كما تبرز في هذه المعارك حنكة لطفي في التخطيط الحربي التي فرضته الآنية وسرعة التحرك وقلة العدة والعتاد.
يعرض الفيلم نشاط الشهيد الديبلوماسي وقناعاته السياسية والثورية ابتداء من استقباله للزعيمين سعد دحلب وعبّان رمضان من لجنة التنفيذ والتنسيق لتكليفه بإدارة المنطقة الخامسة ثم نشاطه مع الراحل بوالصوف بوجدة، ثم تكلفه بإشعال نار الحرب بجنوبنا الكبير من خلال المنطقة الثامنة ومحاربة الخائن بولونيس، ثم التقائه بحبيبه ومثله الشهيد العربي بن مهيدي وحوارهما الراقي عن أهداف الثورة الجزائرية.
لا يتوقف الشهيد عن القتال والتخطيط فها هو يكوّن كومندوس به عناصر نسوية ليعبر الحدود الغربية الشائكة لجلب السلاح وهنا تظهر شخصية طانطانو المرحة التي لا تهاب الموت وتتكفل بعمليات تقطيع الأسلاك وما تخلفه من سقوط للجنود وقد أصيب فيها لطفي.
يكلف لطفي من طرف القيادة بالذهاب لإسبانيا لشراء السلاح فيسجن هناك مع رفيقه أكثر من 137 يوما وعند عودته يعين قائدا للولاية الخامسة وعقيدا في الجيش ويغير اسمه الثوري من إبراهيم إلى لطفي نسبة للمنفلوطي.
من الجوانب الإنسانية في الفيلم لقاؤه بالمناضلة فطيمة مشيش ابنة تلمسان والطالبة بثانويتها والتي تزوجها بعد أن اشترطت أن يكون مهرها الاستقلال وأنجب منها ولدا. 
خصص المخرج حيزا لنشاط لطفي بالقاهرة خاصة مع فرحات عباس وزياراته للزعيم عبد الناصر وجداله المستمر مع مسؤوليه وانزعاجه ببقائه خارج جبهة الداخل خاصة بعد المداخلة التي قدمها في مؤتمر طرابلس سنة 1960 حيث وقف مطالبا بحضور المرأة في قيادة الثورة باعتبارها شريكة الرجل في السلاح ومطالبته بالرجوع إلى الوطن وبدا وكأنه يودع رفقاؤه. وبعد تضحيات ومشاق، استطاع أن يدخل الجزائر جنوبا عبر بشار وفضّل الاستشهاد بها كي تبقى جزائرية لكن المراقبة الفرنسية فاجأته في جبل بشار ليستشهد رفقة 5 من رفقائه المقربين منهم الرائد فرّاج.
ركز الفيلم على المعارك باعتبارها مجال مقاومة الشهيد ولم يغفل جوانب أخرى في مساره وحمل حوارا مؤثرا خاصة في المواقف الإنسانية وقد صفق الحضور مرارا قبل انتهاء الفيلم.