تصوير فيلم "العربي بن مهيدي"

ملحمة وطنية .. بطاقات فنية جزائرية

ملحمة وطنية ..  بطاقات فنية جزائرية
  • 1117
 مريم. ن مريم. ن
شهدت فيلا "سوزوني" مؤخّرا انطلاق تصوير فيلم "العربي بن مهيدي" لبشير درايس، حضره جمع من المجاهدين وأبناء الشهداء الذين وقفوا على تاريخ هذا المكان المظلم الذي تمّ فيه تعذيب واغتيال الكثير من أبناء الشعب الجزائري إبان الثورة، والذي لا يزال إلى اليوم يثير الرعب بجدرانه الموحشة ودهاليزه المظلمة وسلالمه المؤدية إلى طريق الموت، وتمّ بإحدى قاعات الفيلا عرض شريط يصوّر أهم مراحل تحضير هذا الفيلم خاصة بالجزائر وتونس.
أشار السيد درايس إلى أنّ الفيلم يحمل رمزية كبيرة نظرا لأنّه يعرض شخصية من الحجم الثقيل في ذاكرة الشعب الجزائري، فالشهيد بن مهيدي مناضل وسياسي وعسكري ومثقف ومصلح اجتماعي، تولى مسؤوليات عبر مختلف المناطق بالولايات الجزائرية، وبالتالي احتك بالشعب في كلّ مكان لذلك طلب من رفقائه أن يرموا بالثورة للشارع ليتكفّل بها هذا الشعب الذي يعرفه حقّ المعرفة.
تطلّب الفيلم بحثا مستمرا في الذاكرة التي كان لابدّ من جمعها في العديد من المناطق، علما أنّ تراثا بن مهيدي يكاد يكون غائبا في الأرشيف الوطني لذلك تكفّلت العائلة بتوفير هذه المادة التاريخية من خلال الوثائق والعناوين التي قدّمها المجاهد الراحل عبد الكريم حساني، زوج السيدة ظريفة أخت الشهيد ابن مهيدي والتي حضرت بدورها التصوير.
بالنسبة للجزائر، عمل فريق العمل بدءا من كاتب السيناريو، مراد بوربون والباحث المناضل هاشمي ترودني على الاتصال برفقاء الشهيد ليقدّموا شهاداتهم وملاحظاتهم وكان منهم إبراهيم شرقي ومحمد حجار والمجاهدة الكبيرة سفير لافالات الذين تحدثوا بإسهاب عن هذا البطل والدور الريادي الذي أداه.
وتمّ في الشريط المصور عرض مختلف أماكن التصوير التي تمّ اختيارها برا وبحرا وفي الصحراء مع إنجاز بعض الهياكل منها قطار قديم وغيرها، لكن السيد درايس أكّد أنّ الأماكن التاريخية التي شهدت حياة هذا البطل فقدت مع الزمن هويتها الأصلية خاصة بمدينة بسكرة لذلك تحتم اللجوء إلى مدينة التصوير بتونس لإعادة بناء بسكرة القديمة بمعالمها العربية والكولونيالية مع الوقوف على تطبيق هذه الأشغال، لتتدخّل السيدة درّة بوشوشة، مديرة مهرجان قرطاج السينمائي وتثمّن التجربة والتعاون السينمائي خاصة عندما يتعلّق الأمر بشخصية تمثّل هوية ثورية مغاربية. واستعرض الشريط أيضا رحلة البحث في شهادات الفرنسيين والجزائريين الموثقة وبعض كتب التاريخ التي تناولت حياة هذا الزعيم الوطني.
حضر اللقاء بعض الممثلين منهم الفنان خالد بن عيسى الذي أدى دور البطل ابن مهيدي وهو مكبل اليدين، وكذا فتحي نوري وسمير حكيم وغيرهم من الممثلين الذين بلغ عددهم الـ150 اختيروا من مناطق مختلفة من الوطن باعتبار أنّ الشهيد كان متنقلا بين أرجاء الجزائر.
ركّز الفيلم أيضا على فكر الشهيد ربما أكثر من نضاله العسكري، فلقد كان مثقفا وفنانا ومصلحا اجتماعيا ورياضيا وملتزما بوطنيته ودينه ومدافعا عن المرأة، لذلك خصّص مشهد مطوّل يبرز فيه نضاله وهو يطالب بحق المرأة. كما التفت الفيلم أيضا إلى شخصيات ثورية أخرى كاعتراف بدورها الكبير وكان على رأسها المناضل الكبير محمد بلوزداد الذي اكتشف ابن مهيدي عندما زار بسكرة في الأربعينيات، إضافة إلى شخصية ديدوش مراد الذي كان صديقا لابن مهيدي وكذا عباّن رمضان وآخرين.
سيناريو الفيلم والحوار بالعربية كتبه الفنان القدير سليمان بن عيسى ووظّف فيه الدارجة الجزائرية الراقية، إلى جانب تفاصيل أخرى قدّمت بالمناسبة منها المشاركة الأجنبية في الفيلم وعلى رأسها السيد إيقو بيبيتو، مدير التصوير وهو الأشهر في إيطاليا وكذا الفرنسي جون مارك الذي تكفّل باللباس، علما أنّه حاليا أشهر مصمّم لباس في مجال السينما بفرنسا، وكان والده مساندا للثورة ورفض مغادرة الجزائر بعد الاستقلال. أما بالنسبة للتقنيين، فقد تمت الاستعانة بالخبرة الأمريكية بنسبة 1 بالمائة وبالتونسية بـ5 بالمائة والباقية كلها جزائرية منها نجيب أولبصير الذي يعتبر من الطاقات الفنية الشبابية في مجال تقنيات السينما.
في الأخير، أكّد درايس أنّ الفيلم تطلب في أحيان كثيرة مدة 14 ساعة عمل وبالتالي يسعى لأن يكون ذا مستوى عال يجوب العالم مثل ما كان الشأن مع "معركة الجزائر". كما أكّد من جهة أخرى على ضرورة التكوين السينمائي وإنشاء مدينة سينمائية بالجزائر لاستغلالها في أعمال أخرى، للتذكير، فقد تم عرض لقطة من الفيلم في 30 ثانية ورغم أنّ الشهيد دخل فيلا سوزوني معتقلا لكن التصوير لم يتم بها إلاّ بصفة نموذجية فالمشهد الواحد تطلب 100 تقني وهو حجم لا يتحمّله لذلك أعيد بناؤها في الاستوديو.