هنري كوريال في ذكرى رحيله
مناصر وفي لثورة التحرير الوطني

- 1041
برهنت ثورة نوفمبر ١٩٥٤ أنها ليست ثورة عرقية ولا دينية، فهي ثورة تحرر من الاستعمار، ومن هنا احتضنها أوروبيون وأفارقة وآسيويون وفرنسيون وأجناس أخرى، ويجمع هؤلاء على فكرة معاداة الاستعمار من أجل تحرر الشعوب، ولا غرابة إذن إذا وجدنا من أنصار ثورة الجزائر؛ أفارقة مسيحيين «فرانز فانون»، ويهودا شيوعيين «مكسيم رود ينسون» و»هنري كوريال»، وفرنسيين وجوديين؛ سارتر وسيمون دوبوفوار، واخترت هذه المرة أن أخصص موضوعا رئيسيا لشخصية من أصل يهودي ينتمي إلى الحزب الشيوعي المصري، أيد حركة الضباط الأحرار في مصر في انقلابهم ضد فاروق، مما تسبب في طرده سنة ١٩٥٠ من طرف الملك فاروق والتحق بفرنسا ووضع نفسه في خدمة شبكة «فرانسيس جانسون» (١٩٢٢ - ٢٠٠٩) المناصرة لجبهة التحرير، فقد أبلي هنري كوريال بلاء حسنا في الدفاع عن ثورة الجزائر هو وحرمه روزيت، وأسندت إليه جبهة التحرير بعد اكتشاف شبكة «جانسون» من قبل مصالح الأمن الفرنسية.
قيادة شبكة تحمل اسم
هنري كوريال
اتفق كوريال مع المناضل عمر بوداوود رئيس اتحادية جهبة التحرير بفرنسا المعروفة باسم «فديرالية فرنسا»، على تولي قيادة الشبكة وما يسمى بجماعة «حملة حقائب جبهة التحرير»، فقام بالمهمة على أحسن وجه واستطاع من خلال علاقاته برجال البنوك، خاصة أن والده كان مديرا لأحد المصارف الكبرى في القاهرة، فكان يشرف على نقل حوالي ٧ حقائب من اشتراكات العمال الجزائريين وتبرعاتهم إلى أحد البنوك في سويسرا، ليتم نقل هذه الأموال إلى الحكومة المؤقتة في القاهرة وتونس، وقد سبق أن ألقي عليه القبض وسجن مع المناضلين الجزائريين في سجن «فران» جنوب باريس، وذكر أنه كان يصوم مع المناضلين الجزائريين تضامنا معهم، رغم أنه كان شيوعيا ملحدا لا يؤمن بالدين أصلا. تستقل الجزائر ويبقى مناضلا يسعى مع بعض الشخصيات اليهودية المعتدلة إلى الوصول إلى حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي، وقد كلف ياسر عرفات السرطاوي برعاية هذه المفاوضات، لكن الأخير اغتيل وفشل كوريال في مسعاه، ومع ذلك ظل يؤازر سياسة الحل السلمي التي لا يرى بديلا عنها.
اغتيال هنري كوريال
في ٤ مايو ١٩٧٨، حملت إلينا أنباء باريس اغتيال المناضل هنري كوريال في منزله، بالدائرة الخامسة من باريس، وبشارع زولين قرب مسجد باريس، وتساءل الناس يومئذ عمن يقف وراء مقتل هذا الرجل الذي ينتمي إلى أكبر عائلة يهودية بورجوازية، تقطن حيا بورجوازيا مشهورا في الزمالك بقلب القاهرة، وظل اغتياله لغزا محيرا، فاختلفت الآراء حول هذا الأمر، إذ قال البعض بأن عملا كهذا لا يقوم به إلا الموساد الإسرائيلي، بينما قال آخرون إن وراء اغتياله أنصار «الجزائر الفرنسية» بصفته رجلا دافع من أجل استقلال الجزائر، في حين يتهم الآخرون اليمين المتطرف الذي كان يرى فيه رجل موسكو، ومن أنصار الحركات التحررية. وقد خصصت له مكانا في كتاب لي سوف يصدر عن أنصار الثورة الجزائرية في فرنسا.
وها هو أحد اليساريين الفرنسيين المختص في قضايا المغرب العربي، ويدعى روني غاليسو، يخصص له كتابا كاملا يساعدنا على تتبع مسار هذا المناضل الذي آثر الحرية واستقلال الشعوب على العيش في كنف البحبوحة في أرقى حي بالقاهرة. ويذكر شخصيا أنه بسبب استغلال فلاحين مصريين من طرف عائلته، والوضع المزري لطبقة الفلاحين المصريين جعله ينخرط في الحزب الشيوعي المصري الذي كان جل أعضائه من أصول يهودية، وكان صديقي الراحل الكاتب والناقد المصري المعروف، المرحوم محمود أمين العالم من أعضاء الحزب الشيوعي المصري ويعرف جيدا هنري كوريال ويشيد بمواقفه في مصر والجزائر.
وصفه البعض بأنه رجل موسكو في باريس ومؤازر لأنصار جماعة العالم الثالث، ومعروف عند المفكرين والفرنسيين الأحرار بأنه شخصية بازرة في شبكة «فرنسيس جانسون» لدعم جبهة التحرير في فرنسا ومعه مجموعة من الرجال والنساء من أنصاره يؤازرونه ويساعدونه على أداء عمله، والبعض من هؤلاء التحقوا به مباشرة من القاهرة، وهو الذي خلف «ف. جانسون» بعد اكتشاف شبكته، وكانت تربطه علاقات حميمة مع المناضل الراحل المهدي بن بركة الذي اغتاله الحسن الثاني ملك المغرب.
هذا ما يطلعنا عليه روني غاليسو، المثقف والمناضل من جيل الجزائريين، مناهض للعنصرية، مؤرخ الحركات الشيوعية في العالم والمغرب العربي في ظل الاستعمار الفرنسي وما بعد الاستعمار، له تآليف عديدة في الموضوع.
جريمة سياسية
في قلب باريس
حظي هنري كوريال باهتمام كبير من طرف الكتاب والمؤرخين الفرنسيين، فصدرت حوله كتب عديدة وأنتجت بشأنه أفلام وثائقية، واهتز الرأي العام الفرنسي باغتيال رجل لم يرتكب جريمة، بل اغتياله كان جريمة سياسية في فرنسا التي فضلت السكوت عن الجريمة ومرتكبيها منذ ٣٧ سنة خلت، ومؤخرا، اعترف مرتكب الجريمة بفعلته بعد اكتشافه وصدر كتاب كامل يفصل أسباب الجريمة ومن يقف وراءها. كما طالبت عدة شخصيات سياسية فرنسية من حكومتهما كشف الحقيقة التي تدركها، وقد كتب عنه المؤرخ والإعلامي جيل بيرو كتابا كاملا عن سيرته ومسيرته وحياته في القاهرة ونضاله مع جبهة التحرير في باريس عام ١٩٥٧ إلى غاية استقلال الجزائر، ومؤسس جمعية «التضامن من أجل الدفاع عن قضايا العالم الثالث» والعامل في سبيل جمع أنصار السلام في إسرائيل مع الفلسطينيين لإيجاد مخرج سلمي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفعلا جمع بين الطرفين في باريس سنة ١٩٧٦، إلا أنه لم يوفق في مسعاه.
قيادة شبكة تحمل اسم
هنري كوريال
اتفق كوريال مع المناضل عمر بوداوود رئيس اتحادية جهبة التحرير بفرنسا المعروفة باسم «فديرالية فرنسا»، على تولي قيادة الشبكة وما يسمى بجماعة «حملة حقائب جبهة التحرير»، فقام بالمهمة على أحسن وجه واستطاع من خلال علاقاته برجال البنوك، خاصة أن والده كان مديرا لأحد المصارف الكبرى في القاهرة، فكان يشرف على نقل حوالي ٧ حقائب من اشتراكات العمال الجزائريين وتبرعاتهم إلى أحد البنوك في سويسرا، ليتم نقل هذه الأموال إلى الحكومة المؤقتة في القاهرة وتونس، وقد سبق أن ألقي عليه القبض وسجن مع المناضلين الجزائريين في سجن «فران» جنوب باريس، وذكر أنه كان يصوم مع المناضلين الجزائريين تضامنا معهم، رغم أنه كان شيوعيا ملحدا لا يؤمن بالدين أصلا. تستقل الجزائر ويبقى مناضلا يسعى مع بعض الشخصيات اليهودية المعتدلة إلى الوصول إلى حل سلمي للنزاع العربي الإسرائيلي، وقد كلف ياسر عرفات السرطاوي برعاية هذه المفاوضات، لكن الأخير اغتيل وفشل كوريال في مسعاه، ومع ذلك ظل يؤازر سياسة الحل السلمي التي لا يرى بديلا عنها.
اغتيال هنري كوريال
في ٤ مايو ١٩٧٨، حملت إلينا أنباء باريس اغتيال المناضل هنري كوريال في منزله، بالدائرة الخامسة من باريس، وبشارع زولين قرب مسجد باريس، وتساءل الناس يومئذ عمن يقف وراء مقتل هذا الرجل الذي ينتمي إلى أكبر عائلة يهودية بورجوازية، تقطن حيا بورجوازيا مشهورا في الزمالك بقلب القاهرة، وظل اغتياله لغزا محيرا، فاختلفت الآراء حول هذا الأمر، إذ قال البعض بأن عملا كهذا لا يقوم به إلا الموساد الإسرائيلي، بينما قال آخرون إن وراء اغتياله أنصار «الجزائر الفرنسية» بصفته رجلا دافع من أجل استقلال الجزائر، في حين يتهم الآخرون اليمين المتطرف الذي كان يرى فيه رجل موسكو، ومن أنصار الحركات التحررية. وقد خصصت له مكانا في كتاب لي سوف يصدر عن أنصار الثورة الجزائرية في فرنسا.
وها هو أحد اليساريين الفرنسيين المختص في قضايا المغرب العربي، ويدعى روني غاليسو، يخصص له كتابا كاملا يساعدنا على تتبع مسار هذا المناضل الذي آثر الحرية واستقلال الشعوب على العيش في كنف البحبوحة في أرقى حي بالقاهرة. ويذكر شخصيا أنه بسبب استغلال فلاحين مصريين من طرف عائلته، والوضع المزري لطبقة الفلاحين المصريين جعله ينخرط في الحزب الشيوعي المصري الذي كان جل أعضائه من أصول يهودية، وكان صديقي الراحل الكاتب والناقد المصري المعروف، المرحوم محمود أمين العالم من أعضاء الحزب الشيوعي المصري ويعرف جيدا هنري كوريال ويشيد بمواقفه في مصر والجزائر.
وصفه البعض بأنه رجل موسكو في باريس ومؤازر لأنصار جماعة العالم الثالث، ومعروف عند المفكرين والفرنسيين الأحرار بأنه شخصية بازرة في شبكة «فرنسيس جانسون» لدعم جبهة التحرير في فرنسا ومعه مجموعة من الرجال والنساء من أنصاره يؤازرونه ويساعدونه على أداء عمله، والبعض من هؤلاء التحقوا به مباشرة من القاهرة، وهو الذي خلف «ف. جانسون» بعد اكتشاف شبكته، وكانت تربطه علاقات حميمة مع المناضل الراحل المهدي بن بركة الذي اغتاله الحسن الثاني ملك المغرب.
هذا ما يطلعنا عليه روني غاليسو، المثقف والمناضل من جيل الجزائريين، مناهض للعنصرية، مؤرخ الحركات الشيوعية في العالم والمغرب العربي في ظل الاستعمار الفرنسي وما بعد الاستعمار، له تآليف عديدة في الموضوع.
جريمة سياسية
في قلب باريس
حظي هنري كوريال باهتمام كبير من طرف الكتاب والمؤرخين الفرنسيين، فصدرت حوله كتب عديدة وأنتجت بشأنه أفلام وثائقية، واهتز الرأي العام الفرنسي باغتيال رجل لم يرتكب جريمة، بل اغتياله كان جريمة سياسية في فرنسا التي فضلت السكوت عن الجريمة ومرتكبيها منذ ٣٧ سنة خلت، ومؤخرا، اعترف مرتكب الجريمة بفعلته بعد اكتشافه وصدر كتاب كامل يفصل أسباب الجريمة ومن يقف وراءها. كما طالبت عدة شخصيات سياسية فرنسية من حكومتهما كشف الحقيقة التي تدركها، وقد كتب عنه المؤرخ والإعلامي جيل بيرو كتابا كاملا عن سيرته ومسيرته وحياته في القاهرة ونضاله مع جبهة التحرير في باريس عام ١٩٥٧ إلى غاية استقلال الجزائر، ومؤسس جمعية «التضامن من أجل الدفاع عن قضايا العالم الثالث» والعامل في سبيل جمع أنصار السلام في إسرائيل مع الفلسطينيين لإيجاد مخرج سلمي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وفعلا جمع بين الطرفين في باريس سنة ١٩٧٦، إلا أنه لم يوفق في مسعاه.