المعجم التاريخي للغة العربية.. "المسيرة والتحديات"
منجز حضاري للجزائر فيه باع وصاع
- 375
استضاف المجلس الإسلامي الأعلى، مؤخرا، الدكتور محمد الصافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بإمارة الشارقة لعرض "المعجم التاريخي للغة العربية المسيرة، التحديات.. ماذا بعد المعجم؟"، حيث اعتبر هذا المنجز الحضاري الذي طال انتظاره، أول معجم تاريخي شامل للغة العربية بـ127 مجلد، وقد كان للجزائر النصيب الأوفر من حيث المساهمة.
أشار المحاضر في بداية تدخله، إلى أن العرب كانوا سباقين في صناعة المعاجم، مثل ما كان مع الألمعي والفراهيدي الذي وضع "العين"، معتمدا في بنائه على التقلبات الصوتية، ثم ابن دريد وغيرهم بمعاجم مشهورة، منها "تاج العروس" و"لسان العرب" و"الجمهرة" وغيرها، لكن يبقى النقص، حسبه، عدم وجود معجم يؤرخ للغة الضاد منذ الاستعمال الأول حتى العصر الحديث.
قال المتحدث، إن هذا المعجم الشامل شارك فيه 131 مجمع عربي في مهمة التأريخ للألفاظ، مع الإتيان بنقشها الأول وتعريفه ونظرائه من اللغات السامية، منها الفينيقية والآرامية والأكادية والعبرية، ثم ما قبل عصر الإسلام في الشعر الجاهلي، ثم المرور إلى لغة القرآن الكريم، وكيف استعمل اللفظ وبأي معنى، وأضاف أن الفرق بين المعاجم العامة والمعجم التاريخي، يكمن في أن الأولى تضع معاني ودلالات كل كلمات العربية، في حين أن المعجم التاريخي يرصد تطورات هذه الكلمات من أول استخدام لها في النقوش والمخطوطات القديمة، وصولا إلى العصر الحديث، ويضم المعجم التاريخي ألفاظا من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والشعر العربي، ما يجعله سجلا تاريخيا لألفاظ اللغة العربية ويتيح توثيق معانيها وتطوراتها بمرور الزمن.
استمر العمل في هذا المعجم بأجزائه 127، أكثر من 7 سنوات عمل شاق لذلك، اعتبره المتحدث فتحا عظيما في الصناعة اللغوية، متوقفا عند بعض التحديات منها عظمة وثراء التراث العربي (رسائل وخطب وتراجم وخطب وتوقيعات وقرآن كريم وسنة مشرفة وفلسفة وأدب الرحلات والرواية وصولا للصحافة)، فالعربية ضاربة في الأزل، كما يضيف، مؤكدا أيضا، أنه تم اعتماد خطة معاجم "لاروس" والمعجم البريطاني، وتكييف ذلك مع الموروث العربي، وقد تم التأريخ في هذا المعجم، ابتداء من القرون الأربعة قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، وجمع اللغة العربية وكتب ذاكرتها وسيرتها من خلال العودة إلى النصوص والسياقات التاريخية لدراسة الكلمة، وفق منهج دقيق يؤرخ للجذر ويرتب كل الأسماء والأفعال المشتقة من هذا الجذر، ويرصد الأوزان والمصادر في 14 طريقة لاستنباط الفعل.
وقال المحاضر أيضا، إن التقلبات الصرفية هي من تولد المعاني الكثيرة، فالصرف هو بناء الكلمة وضبط المعاني، وقد تم الترتيب مثلا من الصرف إلى الأسماء، ثم إلى الحقيقة قبل المجاز، ثم الكلمات العاقر التي لا معنى لها، ثم الحروف والأنساق التعبيرية وهكذا، وقد أشار المتحدث إلى أن كلمة "ضرب" مثلا، خصص لها في المعجم 156 صفحة في الجزء 64، إذ أن لها 134 معنى.
بالمناسبة، استحضر المتحدث جهود المستعرب الألماني أوغست فيشر، منذ 80 سنة، وحلمه في تحقيق معجم تاريخي عربي، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية قضى على الحلم، علما أنه جمع العشرات من دواوين الشعر العربي، بعدها تم إحياء الفكرة من خلال الجامعة العربية في القاهرة في 1957، ثم في 1971، لكن المشروع لم ير النور، إلى أن تكفلت به إمارة الشارقة، ليكتمل القطاف في سبتمبر الماضي.
كما حيا المتحدث فريق البحث والتأليف الجزائري، الذي شكل الأغلبية بأكثر من 80 خبيرا وعالما، وتوقف أيضا عند شراء منصة رقمية وكذا القارئ الآلي، وتغطية الأنترنت التي جاءت من ألمانيا، لتقديم الخدمات بأحدث تقنيات التكنولوجيا، مع تطبيق المعجم على الهاتف، وصولا إلى معجم "جي بي تي" التقني ومسايرة الذكاء الاصطناعي.
بعدها، توالت التدخلات ابتداء من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور مبروك زاد الخير، الذي ثمن المجهود ووثقه في أسطر بالمعجم، أما فضيلة الأستاذ مأمون القاسمي الحسيني، فطالب باستنباط معاجم متخصصة من هذا المعجم الجامع، مع التكفل ببعضها من الجامع الأعظم، خاصة ما تعلق منها بالفقه مثلا.