التسلح خلال الثورة التحريرية

من وسائل محدودة إلى تموين منظم شمل كل الولايات التاريخية

 من وسائل محدودة إلى تموين منظم شمل كل الولايات التاريخية
  • القراءات: 1945
 ق.ث ق.ث
أدى انطلاق ثورة التحرير الوطنية في الفاتح من نوفمبر 1954 بوسائل وإمكانيات محدودة من ناحية الأسلحة، بقيادة جيش التحرير الوطني، إلى إنشاء مصلحة التسلّح والتموين لتجاوز نقص الأسلحة والذخيرة، الإشكالية التي كان يواجهها قادة المناطق، إذ كانوا يعتمدون على أنفسهم في تزويد أفرادهم لتنفيذ العمليات العسكرية ضد العدو.
الوضعية كانت تتميّز باستعمال أسلحة قليلة موروثة عن الحرب العالمية الثانية وأخرى مصنوعة محليا، منها المسدسات والقنابل والألغام وبنادق الصيد الخفيفة والأسلحة البيضاء، وتدعيم ما كان موجودا من عتاد بذلك المتحصّل عليه في المعارك والكمائن ضدّ العدو الفرنسي، انطلاقا من مبدأ «سلاحنا نفتكه من عدوّنا» الذي مكّن أفراد جيش التحرير الوطني من التزوّد السريع بالأسلحة.
غير أنه كان من الضروري إيلاء هذه المسألة اهتماما كبيرا، من خلال إنشاء مصلحة التسلح والتموين وتكليف مندوبية الخارج لجبهة التحري الوطني بشراء الأسلحة وتأمين نقلها بوسائل سرية، وفي إطار هذه المهمة الإستراتيجية، انتقل العربي بن مهيدي إلى الغرب ومصطفى بن بولعيد إلى ليبيا عن طريق تونس لربط الاتصال مع الخارج.
وكانت مصلحة التسلّح والتموين تتولى مهمة إيصال الأسلحة المتحصل عليها بالشراء أو المساعدة عن طريق البحر، كالانطلاق من إسبانيا، ثم ميناء وهران، وكذا عن طريق المراكز البرية إلى الحدود الشرقية والغربية، بما فيها الصحراء، وكانت الإستراتيجية ـ حسب المؤرّخين وشهادات مجاهدين ـ أن يتم جمع الأسلحة وتسليمها للثوار بمختلف الجبهات الداخلية، بحيث لم يكن يقتصر على تلك التي يتم الحصول عليها أو شراؤها من الخارج، بل وضع جيش التحرير تصوّرا في إطار إستراتيجية مؤتمر الصومام الذي أكد على التمويل والتسليح، وهو ما ركّزت عليه الحكومة الجزائرية المؤقتة فيما بعد.
وتقرّر في مؤتمر الصومام أن تتزوّد الولايات الأولى والثانية والثالثة من الحدود الشرقية والولايات الرابعة والخامسة والسادسة من الحدود الغربية، كما أدخلت الأسلحة بطرق أخرى، مثل إخفائها في أغراض القوافل والسكان الذين كانوا يتحرّكون عبر مختلف المناطق الأخرى، كما كانت هناك شبكة ذات صلة بالخارج لإرسال معدات صناعة القنابل إلى الجزائر، حيث تمكّن المجاهدون من الحصول على هذه الآلات الحربية وتفجيرها في المدن في أماكن تواجد المعمرين، مما أدى بالسلطات الفرنسية إلى العمل على اكتشاف بعض شبكات التسلح ومتابعة رؤوسها ومحاولة القبض على مسؤوليها. 
بعد إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر من عام 1958، بدأت الأسلحة تأتي من عدة بلدان، خاصة من الدول الاشتراكية، وأنشأت وزارة خاصة بالتسليح تعمل على الحصول على الأسلحة وإدخالها إلى الجزائر بكل الطرق، وأصبحت هناك علاقات مباشرة بين الحكومة الجزائرية والحكومات الأخرى، فيما يخصّ الحصول على الأسلحة، مما مكن من الاستغناء في أغلب الأحيان عن الأسلحة الآتية من السوق السوداء. 
ويقول السيد دحو ولد قابلية، رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة إبان الثورة، بأن هذا المنهج سمح بإيجاد مصادر تموين جديدة بفضل العقود المبرمة مع الدول فيما يخصّ التسليح، كبلغاريا وروسيا والصين، إذ تمكّنت قيادة الثورة من تحصيل ما يقارب 8200 طن من الأسلحة كانت في متناول أفراد جيش التحرير، إلى غاية فترة ما بعد الاستقلال. 
وتشير مراجع تاريخية أخرى، إلى أنّ الأسلحة كانت بالنسبة للجبهة الشرقية تمر بمرسى مطروح (مصر)، حيث كُلّف عشرات الجزائريين بشحن الأسلحة ونقلها إلى مزرعة في ليبيا، ليتم بعد ذلك نقلها ثانية إلى تونس، فالجزائر أو إدخالها مباشرة عبر الحدود الليبية الجزائرية، أمّا الأسلحة التي تأتي من الجبهة الغربية، فكانت تصل في السفن وتشحن على الحدود الغربية، ثم يتم نقلها عبر الحدود، كما كانت بعض الأسلحة تأتي عن طريق الطائرات على شكل (طرود) وعبر السفن، وبصفة عامة فإنّ نقل العتاد الحربي كان يتم بطريقة سرية حتى عن طريق الوزراء في الحكومة المؤقتة. 
وبعد تشديد الحراسة على الحدود الشرقية والغربية (بناء خطي شال شرقا وموريس غربا)، فإن الجبهة عمدت إلى أساليب أخرى، فأدخلت الأسلحة داخل السيارات والحافلات وبراميل الزيت إلى الجزائر العاصمة ووهران، أما نوعية الأسلحة التي كانت تأتي من الخارج في هذه المرحلة، فهي ذات أنواع مختلفة، بينما يتم إدخال  الأسلحة الثقيلة، مثل مدفعية الميدان، من الحدود الشرقية والغربية. وتجدر الاشارة إلى أنّ جبهة التحرير الوطني أقامت، كما يرويه مجاهدون، لاسيما بمنطقتي وجدة والناظور (المغرب)، مراكز لصناعة الأسلحة وهي تجربة رائدة خاصة في تلك الظروف الصعبة، وكان الهدف من هذه الخطوة في تسليح الثورة «الاستغناء عن جلب الأسلحة من الخارج وما يترتب عنه من مناورات وضغوط سياسية»، إضافة إلى أن شراء الأسلحة كان يكلف أموال ضخمة، وقد تم صنع المسدسات الرشاشة والقنابل اليدوية ومدافع الهاون والذخيرة.
وكانت هذه الأسلحة توكل لرؤساء المراكز الذين كانوا بدورهم يرسلونها إلى الولاية الخامسة، لتصل إلى أفواج جيش التحري الوطني الذين لم يكن لديهم سلاح يعادل قوة عتاد الجيش الفرنسي، إحدى أعتى قوات الحلف الأطلسي آنذاك.