برنامج المركز الثقافي الجزائري بباريس لشهر مارس

مواعيد معطَّرة بأريج الذاكرة

مواعيد معطَّرة بأريج الذاكرة
  • القراءات: 671
مريم. ن مريم. ن
سطر المركز الثقافي الجزائري بباريس برنامجا خاصا بشهر مارس، يتضمن عروضا فنية متميزة، تنبعث منها رائحة الأصالة والتاريخ لتقديمها أكثر للجمهور في إطار معرفي وفني راق، يؤطره الاحتراف والإبداع المبنيّ على التكوين والبحث.
يقترح المركز، مساء الثلاثاء 10 مارس القادم، فيلما وثائقيا بعنوان "في ظل حرب" للمخرج صالح الهادي، والذي يستعرض حادثة تحويل طائرة قادة جبهة التحرير الوطني من المغرب باتجاه الجزائر بدل تونس، في 22 أكتوبر سنة 1956. وضمت الطائرة وفدا متكونا من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد خيثر ومحمد بوضياف، وكان معهم البروفيسور مصطفى لشرف المكلف بمهمة في تونس خاصة بالثورة.
يروي الفيلم كيف أن هؤلاء القادة كانوا تحت مراقبة أمنية مشددة في القاهرة بتكليف من الزعيم عبد الناصر، لحمايتهم وصد تحركات الاستخبارات الفرنسية هناك التي كانت تتبعهم.
وبالمغرب تم تحويل رحلة "دي سي" المتوجهة إلى تونس نحو الجزائر العاصمة. ويُعتبر ذلك أول قرصنة في تاريخ الطيران المدني، أثار استهجان واستنكار العواصم العالمية.
ويروي الفيلم تفاصيل عن الحادث، وكيف أنه أحبط مشروع بناء اتحاد شمال إفريقيا، وكذا الدور الذي لعبه رئيس الحكومة الفرنسي حينها روني كوتي، لإحباط الاتصالات بين الجبهة وفرنسا، علما أن اقتراحات فرنسا حينها لم تكن في مستوى نضال الشعب الجزائري، والتي كان منها، مثلا، الحكم الذاتي لمدة عشر سنوات، والتسيير المشترك لبعض الوزارات السيادية كالدفاع والشؤون الخارجية والمالية.
ويعرض الفيلم كيف أن هؤلاء بقوا في السجن حتى الاستقلال بعيدا عن ساحات المعارك. ورغم ذلك لم ينقطعوا عن رفائهم في السلاح. يُظهر الفيلم أيضا كيف حرص ديغول على حماية هؤلاء عند سجنهم بفرنسا كي لا تمتد إليهم يد المنظمة الإرهابية "لو آس"، ليتم نقلهم إلى جزيرة "أكس" بـ "فور لييدو"، وهكذا استمروا في مسيرة الكفاح ضد فرنسا.
من مارس 59 حتى ماي 61 حُبس القادة بالسجن الصحي بفرنسا، وفيه بدأت مفاوضاتهم مع ممثلي الإليزيه، ليحوَّلوا مجددا إلى قصر توركون، ثم قصر ألسوي، ليحرَّروا مباشرة بعد إمضاء اتفاقيات إفيان، في 18 مارس 1962.
ويبرز هؤلاء الأبطال في لقطات تمثيلية كمفاوضين أشاوس، ومدى تعاملهم مع العالم الخارجي، ومن هم محاموهم، والدور الذي لعبوه مع الاستعانة بالتسجيلات والشهادات الحية التي تعيد بناء تلك الذاكرة، التي شهدت تمكن أحد هؤلاء من أن يكون أول رئيس للجزائر المستقلة.
النشاط الثاني الذي يقترحه المركز هو معرض للخط العربي من إمضاء الفنان عبد الكريم بن بلقاسم، وذلك من 5 إلى غاية 27 مارس 2015، ويتعلق الأمر بفنان عصامي يتعاطى هذا الفن منذ 50 عاما، ويواظب على تعلّم وإبداع المزيد.
الفنان بن بلقاسم تعلّم تاريخ الكتابة والخط وهوية هذا الفن ومدى تطوره، وساهم بإبداعه في كل أسلوب من خلال الأشكال والقوالب ودرجة التأثير.
ابن سوق أهراس تعلّم في طفولته بالمدرسة القرآنية بالكتاتيب، وهناك اكتشف اللغة والكتابة والصمغ واللوحة التي كانت علاقته بها حميمية جدا، لتتحول بعدها إلى لوحة فنية.
بعد دخوله المدرسة الابتدائية تأثر بالخط الجميل على الكراريس وعلى السبورة الموقَّع من طرف أساتذته المشارقة، فدخل بوجدانه الصغير بلاد العراق وسوريا ومصر، وتعزز هذا التواصل مع المشرق بعدها؛ باعتباره مهد هذا الفن الأصيل، وكان هذا الطفل يقلّد أساتذته في الكتابة والحركات إلى أن أصبح أستاذا للغة العربية بسوق أهراس. ولجمال خطه وبراعته أصبح خطّاطا للمدينة، يرسم شعارات التظاهرات الثقافية والرياضية والجداريات ولافتات المحلات وغيرها، لتأتيه أول مشاركة فنية له أثناء انطلاق فعاليات الصالون الوطني للفن التشكيلي بسوق أهراس سنة 1980.
فرصة ثانية استغلها الفنان بن بلقاسم حين أدى واجب الخدمة الوطنية بقسنطينة لمدة سنتين؛ إذ عمل بجامعة الأمير عبد القادر، وفيه (أثناء تشييده) احتك بالخطاطين والنحّاتين المصريين، وكان يصفهم بالسحرة لمهارتهم الفائقة. كما دعّم الفنان جانب تكوينه، فدرس في فرنسا، علّم التلوين وطبّقه في فن الخط، الذي غالبا ما يعكس الفكر الراقي، المتمثل في الحكم والأشعار وتراث بعض الفلاسفة، منهم ابن مقلة وغيره، وتبرز من خلال ذلك قدرته على إعادة بناء الكلمة. 
وبالنسبة للعروض الموسيقية فإنها لن تخرج عن نطاق الأصالة والتاريخ، من خلال سهرة أندلسية يحتضنها المركز في 28 مارس تحمل شعار "الغناء الأندلسي في لقاء مع الفادو والفلامينكو"، وهو من توقيع الفنان أحمد لارينونا، وبمشاركة المغنية البرتغالية الملقبة بالأميرة جونيفر رينو، والإسبانية إينما بلاغير.
يقدّم الحفل الموسيقى العربية الأندلسية في علاقتها بالفلامينكو والفادو، إضافة إلى عرض راقص للفلامينكو، علما أن جمع هذه الأنواع الموسيقية هو نوع من الحوار المستمر والمشترك الذي يحمل بين جنباته تاريخ وأمجاد الأندلس، التي شكلت هذا التراث المشترك، الذي وُلد على نفس الأرض بالجزيرة الإيبيرية.
الفنان أحمد يعمل ويبحث في هذا التراث منذ سنة 1971، ويستغل كل معارفه واكتشافاته لاستعراض العلاقة الوطيدة بين الأندلسي العربي والفلامينكو والفادو، وليؤكد أن هذه الأنواع تحمل روحا ونغمات مشتركة، وبالتالي فإن العرض سيحمل الكثير من المشاعر والانفعالات، ويضمن سفرا ممتعا لعالم هذا الفن الغني بالتاريخ والأصالة.