"بن يوسف بن خدة مسار ومواقف" بجامعة المدية

نفض الغبار عن شخصية وقّعت تاريخ الجزائر الحديث

نفض الغبار عن شخصية وقّعت تاريخ الجزائر الحديث
  • القراءات: 2081
مريم. ن مريم. ن
تحتضن جامعة "يحيى فارس" بالمدية، بالتعاون مع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومخبر الدراسات التاريخية والمتوسطية عبر العصور اليوم، وعلى مدار يومين أشغال الملتقى الأوّل "بن يوسف بن خدة، مسار ومواقف 1920-2003"، ويدخل ذلك في إطار إحياء الذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية، ويلتزم الملتقى في أشغاله بالمنهج العلمي الأكاديمي بعيدا عن التزييف ضمن مدرسة تاريخية جزائرية متملصة من كلّ التشويه الذي أسّست له المدرسة الكولونيالية.
يعمل المشاركون في الملتقى وهم خبراء ودكاترة من عدّة جامعات جزائرية، على إعطاء الأولوية لدراسة تاريخنا الوطني بشكل علمي بنّاء، إذ آن الأوان أكثر من أي وقت مضى لدراسة تاريخ الحركة الوطنية والثورة الجزائرية وتاريخ رجالاتها ومهندسيها دراسة علمية أكاديمية وفق المدرسة التاريخية الجزائرية، بمنهج بعيد عن التزييف والتحريف وتشويه الحقائق التاريخية، والعمل على تخليص التاريخ من الاستعمار على حدّ تعبير الشريف الساحلي، وذلك بالرّد على المدرسة التاريخية الفرنسية الاستعمارية، وتفنيد مزاعمها المشكّكة في تضحيات الشعب الجزائري، وبطولات زعمائه الذين ضحوا بكلّ غال ونفيس من أجل أن تحيا الجزائر حرّة مستقلة.
ولعلّ من أبرز الذين ساهموا في صناعة أحداث الحركة الوطنية والثورة التحريرية، وما زال الغموض يكتنف مسارهم النضالي ومسيرتهم الثورية لدى قطاع عريض من جيل الاستقلال،  المثقف والمجاهد بن يوسف بن خدة (1920- 2003م)، فرغم إسهاماته الكبيرة في تاريخ الحركة الوطنية ومسؤولياته الثقيلة أثناء الثورة التحريرية، وآرائه ومواقفه الرصينة والحاسمة إزاء قضايا مصيرية في تاريخ الجزائر المعاصر أظهرت مدى حنكته السياسية، ورغم سجلّه الحافل ومواقفه الوطنية الخالصة، إلاّ أنّه لم ينل حقه من البحث والدراسة، وظلّ ضمن المغيبين في التاريخ الوطني ومنه، وتطرح إشكالية الملتقى بعض التساؤلات منها ما تعلّق بدور البيئة المحلية في صقل شخصية بن خدة، السياسية وفي توجّهاته النضالية ومرجعياته الفكرية، وما هو الدور الذي لعبه في الحركة الوطنية؟ وموقفه من بعض القضايا المفصلية في تاريخ الجزائر؟ وكيف نظر للتاريخ الجزائري عامة وتاريخ الثورة التحريرية بصفة خاصة من خلال كتاباته التاريخية ومؤلفاته.
يهدف الملتقى إلى التعريف بشخصية بن يوسف بن خدة، التي تركت أثرا بالغاً في الحركة الوطنية وثورة أوّل نوفمبر وحتى في الجزائر المستقلة، إذ كان مثالاً يحتذى به في الوطنية الصادقة والانضباط وحسن السيرة طوال مساره النضالي، وكذا إبراز دور الرجل وقدرته على القيادة والتأطير والتنظيم بدون أية خلفيات إيديولوجية أو رغبة في السلطة، ليكون بذلك نبراسا يقتدي به جيل الاستقلال.
من الأهداف أيضا دراسة وتحليل محطات تاريخية حاسمة في الحركة الوطنية الجزائرية والثورة التحريرية وحتى فترة الاستقلال، كان شاهدا ومعاصرا لها وإبراز بعض مواقفه الوطنية والسياسية، وأرائه التاريخية حول قضايا التاريخ والفكر والسياسة في الجزائر، لا سيما وأنه يعدّ من روّاد المؤرّخين الجزائريين بعد الاستقلال.
للإشارة، من بين محاور الملتقى نجد "المرجعيات والخلفيات في الفكر الثوري عند بن يوسف بن خدة"، "مواقف بن يوسف بن خدة وأدواره في الحركة الوطنية 1937-1954"، "مسؤوليات وإسهامات بن يوسف بن خدة في الثورة التحريرية"، "بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة الجزائرية المؤقتة"، و«بن خدة مؤرّخاً، قراءة في كتاباته ومؤلفاته"، وتندرج هذه المحاور ضمن جلسات علمية   دكاترة مختصون وينشّطها الضيوف المشاركون بمحاضرات تتناول العديد من المواضيع والأبحاث التي لها علاقة بموضوع الملتقى.
للتذكير، فإنّ الراحل بن يوسف بن خدة من مواليد 23 فيفري 1920 بالبرواقية، بعد أن أتمّ دراسته الابتدائية، انتقل إلى البليدة ومنها إلى العاصمة ليكمل دراسته الجامعية وتحصّل على درجة الدكتوراه في الصيدلة.
كان بن يوسف بن خدة، على اتّصال دائم بمناضلي نجم شمال إفريقيا (فرع البليدة)، ومن متتبعي جريدة "الأمة" لسان حال نجم شمال إفريقيا، وفي عام 1943 ألقي عليه القبض بتهمة الدعاية ضدّ التجنيد وبعد 8 أشهر أطلق سراحه، ليجنّد إجباريا في الجيش الفرنسي، وفي سنة 1946 عمل ضمن لجنة تحرير جريدة "الأمة" الجزائرية، شارك في مؤتمر حركة انتصار الحريات الديمقراطية‏ ما بين 15 و16 فيفري 1947، حيث انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ثم أمينا عاما.
اعتقل من قبل السلطات الفرنسية على إثر اندلاع الثورة ولم يطلق سراحه إلاّ في أفريل 1955، لينضم بعدها إلى الثورة ويلتحق بعبان رمضان، بعد مؤتمر الصومام عيّن عضوا أساسيا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية وفي لجنة التنسيق والتنفيذ، على إثر اعتقال الشهيد العربي بن مهيدي في فبراير 1957، غادر بن يوسف بن خدة، الجزائر متوجّها إلى تونس رفقة كريم بلقاسم، ومنها إلى القاهرة، وأبعد بن خدة من عضوية لجنة التنسيق والتنفيذ رفقة سعد دحلب، إلاّ أنه احتفظ بعضويته في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ولم يتوقّف نشاطه عند هذا بل كان يقوم بعدّة مهام من بينها ترأسه لوفد جبهة التحرير الوطني إلى كلّ من بلغراد ولندن في إطار التعريف بالقضية الجزائرية في المحافل الدولية، عيّن وزيرا للشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية شهر سبتمبر 1958، وفي 28 أوت 1961 عين رئيسا للحكومة المؤقتة خلفا لفرحات عباس، وانسحب بن خدة من الحياة السياسية في سبتمبر 1962، ليتفرّغ بعدها لمهنته كصيدلي إلى أن توفي يوم 04 فيفري 2003.