المخرج أحمد رزاق "المساء":
هذه اقتراحاتي للنهوض بالمسرح الجزائري
![هذه اقتراحاتي للنهوض بالمسرح الجزائري](/dz/media/k2/items/cache/517b86bed47719a6c4ecd78c463108c5_XL.jpg?t=20240130_204731)
- 857
![حاورته: دليلة مالك](/dz/components/com_k2/images/placeholder/user.png)
❊ أدعو وزيرة الثقافة والفنون إلى كسر حواجز الإدارة
❊ "أرض الخير" أضخم عرض مسرحي موجَّه للأطفال في الجزائر
يعتقد المخرج المسرحي أحمد رزاق، أن وزارة الثقافة والفنون هي المسؤولة عن تراجع حالة المسرح. وقد قدّم في هذا الحوار مع "المساء" ، اقتراحات لعودة أبي الفنون إلى سكته الصحيحة، وفقا لتصوره. كما تحدّث عن واقع المهرجانات، وأهميتها، وعن العراقيل التي واجهت مسيرته المهنية. وقد كشف عن جديده، المتمثل في إخراج أكبر عرض مسرحي موجّه للأطفال، سيكون جاهزا في اليوم العالمي للطفولة، إلى جانب مواضيع أخرى.
❊ شاركت في الدورة 14 للمهرجان العربي للمسرح في العراق. ما رأيك في مستوى العروض المشاركة في منافسة جائزة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي؟
❊ المهرجان مهم جدا. لست مخولا لأقدّم تقييما عن هذه الدورة، لكن يمكن القول إن المهرجان الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح، يتمتع بأشياء جميلة جدا، ومحكمة. لكن العروض كانت في مستويات متفاوتة؛ هناك عروض جيدة وممتعة، وأخرى ينقصها الكثير من الأمور التقنية والمسرحية، طغت عليها السينوغرافيا، أو الديكور، أو الإضاءة، أو الموسيقى، فصارت مسرحيات بدون روح، وبدون نصّ، وبدون حكاية؛ هي أشياء مرئية غير مفهومة.
الكثير من الجمهور أصابه الملل في ربع الساعة الأول من بعض العروض، وهذا أمر مؤسف للمسرح العربي؛ لأن المسرح قبل أن يكون "مسرح مهرجانات" ، هو "مسرح جمهور" ، وهدف كل مسرحي هو كسب الجمهور. لكن هذا لا يعني أن ننحدر إلى مستوى ما، بل من الضروري أن يكون هناك روابط وعلاقة بين خشبة العرض والجمهور.
المسرح خُلق للجمهور وليس للمهرجانات
❊ كونك مسرحيا بدأ مسيرته في 1992 وفي رصيدك 45 مسرحية، والكثير منها عرفت شهرة واسعة، كيف تشخّص الحالة الصحية للمسرح الجزائري اليوم؟
❊ المسرح الجزائري مريض منذ سنوات، لا يملك قاعدة، ولا المعايير الأساسية التي تنطلق منها كل المسارح؛ لأن المسرح الجزائري أصبح ينتج مسرحيات من أجل المشاركة في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، ثم تعود هذه العروض إلى سباتها، وقاعات المسارح مغلقة؛ ذلك أنها تشتغل، فقط، للمهرجان، وللواجهة.
صحيح أن هناك إنتاجا، لكن أين هو؟ أين هو مبرمج؟ هل وصل إلى الجمهور أم لا؟ تسويقه؟ إيراداته الفنية والمالية؟ ليس هناك شيء مما ذكرته؛ إنه مجرد واجهة فقط.
وزارة الثقافة تموّل الأعمال المسرحية لكنها لا تقف عند مستواها
❊ هل تعتقد أن وزارة الثقافة مسؤولة عن تراجع حالة المسرح الجزائري؟
❊ طبعا؛ لأن الأمر يتعلق بقوانين وسياسات. وزارة الثقافة مسؤولة عن تمويل الأعمال المسرحية، ولا بد أن تكون مسؤولة أيضا، عن مستواها وجودتها. هناك أعمال مسرحية فاشلة، لكن الوزارة الوصية لا تقرّ بذلك. ومن الخطأ أن تعتقد أن ذلك يعكس فشلها.
على الوزارة أن تكون واضحة في قضية التمويل. وقبل ذلك يجب أن تكون للوزارة ميزانية ضخمة. اليوم هي أفقر وزارة في الجزائر. والمسرح أكثر قطاع ثقافي يعاني من نقص في ميزانيته... الميزانيات التي تقدَّم للمسارح أضعف من ميزانيات مكتبات جوارية.
والمسرح يحتاج إلى تمويل أكبر؛ ذلك أن إنتاجا فنيا مسرحيا يحتاج لذلك، وليس ذلك الموجَّه للعمال. ومن غير الممكن دخول سوق الفن في الجزائر بهذه العقلية. وقد طفا حديث عن مسألة البحث عن التمويل الخاص، لكنه من غير الممكن إن لم تكن هناك إرادة سياسية، مثلما هي الحال بالنسبة لتمويل فرق كرة القدم.
الميزانية المخصّصة للمسرح هي الأضعف
❊ ما الذي تقترحه على الوزارة الوصية ليعود المسرح إلى مكانته؟
❊ أول ما يجب أن تقوم به وزارة الثقافة لتعيد المسرح الجزائري إلى سكته الصحيحة، التواصل المباشر مع المبدعين. أدعو وزيرة الثقافة والفنون الحالية إلى كسر حواجز الإدارة؛ لأن في غالب الأحيان، الإدارة تُغيّر أو تميّع مطالب الفنانين. وحبذا لو نخفف من القوانين، ولجان قراءة النصوص.
أتصوّر أنه من الأحسن أن تنزل الوزيرة إلى الميدان مباشرة، وتتعامل مع المبدعين بشكل مباشر أيضا. والعمل على تخفيف الإجراءات الإدارية والقانونية من أجل قبول النصوص المسرحية، وتقديم الدعم المالي، واستقبال أعمال المبدعين. يجب أن تكون سلاسة في التعامل مع المسرحيين، وفي إنتاج أعمالهم، والترويج لها.
كما يجب أن تكون هناك ليونة في اختيار الأعمال، وفي المواضيع التي نريد معالجتها، والأشكال التي نريد أن نشتغلها، وأن نفكر في الجمهور الذي نريده أن يعود إلى القاعة. على الدولة أن تختار سياستها الثقافية مباشرة؛ بمعنى أن تحدد نوعا مسرحيا بذاته. حاليا هناك الكثير من الكولسة؛ حتى ينجح عمل ما، وحتى يحظى بدعم الإنتاج، وحتى يمثل في مسرحية ما؛ لذلك يجب أن نخرج من هذه الحال، ونذهب إلى ما تريده الدولة من مسرح.
يجب إعادة النظر في الميزانية الموجّهة للإنتاج. والمشكل أن الوصاية أنشأت مسارح جديدة وبنايات جديدة؛ ما معنى، مثلا، أن يطالب مسرحيون بإنشاء مسرح جهوي في ولاية معيّنة، ومعروف أنها تتمتع بدار ثقافة، تضم قاعة مسرح يمكن أن يعاد، فقط، تهيئتها، ونخلق تمويلا للفرق الموجودة فيها، وبالتالي نخلق مسرحا جهويا بدون الحاجة إلى مبنى؛ فالمسرح ممارسة قبل أيّ شيء.
ويمكن خلق فرق جهوية من كل الولايات بهذه الطريقة، لا مسارح وبنايات وإدارات؛ ذلك أنها أظهرت فشلها في التسيير. وبالنظر إلى التجارب العربية والعالمية، المسرح عندهم نجح بفضل الفرق. وحتى المسرح الجزائري في وقت سابق، نجح بهذه الطريقة؛ في صورة فرقة كاتب ياسين، وفرقة رويشد، وفرقة عبد القادر علولة، وغيرهم.
من غير المعقول أن يشارك الهواة في مهرجان المسرح المحترف
❊ ما رأيك في المهرجانات المسرحية المنظمة في الجزائر؟
❊ أعتقد أنه لا يمكن المهرجانات أن تكون تحت سلطة الوصاية كاملة؛ يجب أن تسيّرها جمعيات أو محافظة، وهو المعمول به الآن. لكن أتساءل ما الهدف من هذه المهرجانات؟
إذا لم يكن لها هدف ثقافي وسياحي وخاصة هدف تجاري، فالمهرجان يتّسع أفقه في المداخيل المالية، لكل المدينة، وليس للمؤسسة المسرحية أو الثقافية فقط؛ فالمهرجان يجلب الأموال للمدينة كلها، وكل الناس يشتغلون بمناسبة المهرجان، ويتضاعف مدخولها. المهرجانات في العالم تعمل لصالح المدينة؛ مثلا المطاعم والفنادق وسيارات الأجرة والتجار، كلّها تشتغل مع ضيوف المهرجان.
ومن المؤسف أن يكون مهرجان مسرح المحترف يضم عروضا من مسرح الهواة، وهذا خلط كبير! دعوا مسرح الهواة بكل إمكانياته للهواة، ودعوا مسرح المحترف للمحترفين. يجب خلق مهرجان للجمعيات الهواة، يكون للمسرح الحرّ أو المستقل، ولا ينبغي الجمع بين المسرح الهاوي والمحترف؛ فالهاوي لكل من يهوى وليس الذي لا يعرف. والمحترف ليس الذي يعرف بالضرورة، بل الذي يأخذ مقابلا ماليا لعمله، وبالتالي أصبح هناك خلط كبير في المفاهيم؛ لما يشارك في المهرجان الوطني للمسرح المحترف، جمعيتان هاويتان والجمعية أو التعاونية الفائزة من مهرجان مسرح الهواة.
وحتى مهرجان المسرح الدولي يجب أن يكون مكانه في الجزائر العاصمة؛ لأنها واجهة الدولة. ويمكن أن يتحول المهرجان الوطني إلى مهرجان متجوّل بين الولايات، مثل ما كان سابقا؛ لأنه بإمكان الولاة المساهمة في هذا المهرجان، وتستفيد من هذه التظاهرة. ولا بد من الانفتاح على مواضيع أخرى للمهرجانات؛ على غرار تأسيس مهرجان للمسرح العربي، والمسرح الإفريقي وغيرهما.
المهرجان الدولي يجب أن يكون في الجزائر العاصمة؛ لأنها واجهة الدولة
❊ هل عرفت مسيرتك مضايقات على المستوى الفني أو الإداري؟
❊ صراحة، كل حياتي المهنية مضايقات؛ حتى صرت أعمل، في وقت ما، باسم مستعار. وقد تعرضت العديد من أعمالي للتوقف؛ بسبب وزير ثقافة أسبق، بطرق إدارية معيّنة.
المعروف في الجزائر أن المتوَّج في المهرجان الوطني للمسرح المحترف يحظى بمشاركات دولية لتمثيل البلاد، لكني حُرمت من ذلك رغم أنني صاحب 6 تتويجات. وكل سفرياتي لتظاهرات خارج الوطن كانت بدعوة لشخصي. ولم أمثل الجزائر أبدا باسم الوزارة أو أي جهة رسمية، شخص منبوذ. ويرجع ذلك، حسب ما أعتقد، إلى طريقة كتابتي، والمسرح الذي أقدمه.
بالمناسبة، أريد أن أوضح أنني أنتقد كل الأنظمة، وكل ما هو خارج عن الإنسانية وليس النظام في بلدنا فقط.
نقد مسؤول ما لا يعني، بالضرورة، أنه مسؤول جزائري. والنقد بالنسبة لأوضاع معيّنة قد يحدث في أي مكان من العالم في الوطن العربي أو في الجزائر.. الكثير من المسؤولين يخافون من ضياع مناصبهم ومزاياهم في الدولة بسبب هذا النقد؛ لذلك يقومون بقمعك بدون شعور، وبدون مبرّر.
على الدولة أن تختار المسرح الذي تريده
❊ لماذا المخرج أحمد رزاق ليس له منصب قار في مؤسسات المسرح الجزائري؟
❊ في الحقيقة أفضّل العمل بشكل مستقل. صحيح أنني مع فكرة أن الفنان يكون مستقلا في عمله، لكن في الآونة الأخيرة أضحى الفنان المستقل من غير عمل. بالنسبة لي، العمل الحر لا يمنع من إمضاء عقود مع المسارح الحكومية، لكن أحيانا نجد أنفسنا بدون عمل لسنتين أو ثلاث، وهو ما سيصبح عائقا كبيرا. ونجد حتى الفنانين الذين يشتغلون في المسارح وعندهم مرتبات، يشتغلون معنا في الجمعيات. أعتقد أنّ من الأحسن أن يكون هناك مرتب من الناحية الاجتماعية. أما إذا تحدّثنا بصفة فنية، فمن الأحسن أن أكون حرّا.
أفضّل أن أكون مستقلا في عملي
❊ هل تشتغل حاليا على مشروع جديد؟
❊❊ حاليا، أنا بصدد التحضير لمشروع مسرحي جديد، أردت أن يكون أكبر عمل موجّه للأطفال؛ لأن هذا النوع من المسرح قد انحرف عن طريقه، وتشوبه خطورة كبيرة، خاصة أن العديد من المسرحيين والمسؤولين يستسهلونه. وفي الواقع المسرح الموجّه للأطفال أمر حساس جدا، ويجب أن يكون متقنا، وبإشراك مختصين في علم النفس، وفي علم الاجتماع؛ ذلك أن الطفل بمثابة الصفحة البيضاء؛ كلّ ما تلقنه إياه سوف يكبر عليه، ويتّصف به.
العمل الذي اقترحه جاء من فكرة أن المسرحيات الكبيرة على غرار الملحمية، دائما كانت موجهة للكبار، ولا مرة فكرنا في عمل موجّه للصغار. والعرض الذي اشتغل عليه ضخم، وسيكون له صدى وطني واسع، وربما خارجه أيضا.
واقترحت المشروع على وزيرة الثقافة صورية مولوجي، ورحّبت به. وأعمل مع مصالحها على إنجازه بمساهمة عدد من المؤسسات الوطنية؛ لأن الوزارة لا يمكنها أن تقدم ميزانية كبيرة لمسرحية واحدة؛ لديها نفقات وميزانيات في إنتاجات مسرحية أخرى، لكنها قدّمت الشيء الضروري واللازم.
وأتمنى أن يكون العمل وعنوانه "أرض الخير" جاهزا في 1 جوان بمناسبة اليوم العالمي للطفولة؛ فالجزائر، اليوم، تلتفت إلى أطفالها وأجيالها القادمة. وموضوع العرض المسرحي هو درس في كل ثقافات العالم؛ وكأنّه عرض علمي ثقافي، عبارة عن رحلة إلى كل الفنون والثقافات الموجودة في العالم. ومن خلاله نعطي الطفلَ الجزائري جرعة من المعلومات في قالب فني متميز، مثله مثل كل أطفال العالم. وسيضم العمل حوالي 200 شخص ما بين ممثلين وفنيين وتقنيين، وفيه نوع من الالتزام نحو أبنائنا.
الفضاء المسرحي يجب أن يتغير وفقا لبيئتنا الثقافية والتاريخية والجغرافية
❊ عرفتُ أنك تفكر في نشر كتاب عن المسرح سيكون مخصصا للسينوغرافيا، حدّثنا عن المشروع؟
❊ بالنسبة للكتاب، أعترف بأنني كاتب سيئ. لديّ رواية كتبتها منذ عشرة أعوام موضوعة على مكتبي تنقصها نهاية، ولم أقتنع بالنهاية.
أما الكتاب الخاص بالسينوغرافيا، فصراحة فكرت في الفضاء المسرحي ككل وليس السينوغرافيا الذي تغيّر منذ قرون في أوروبا وأمريكا وآسيا، ولم يتغيّر في الدول العربية والإفريقية؛ إذ مازلنا نشتغل ضمن العلبة الإيطالية، التي حتى في إيطاليا تغيّرت!..
نحن مازلنا في نمط القاعة التي تركها المحتل، ولم نفكر أبدا في إنشاء قاعة تتماشى مع البيئة الجغرافية والتاريخية والهوية الثقافية للبلاد؛ لأن المسرح المغاربي والعربي والإفريقي قد يحتاج إلى نوع آخر من قاعات العرض، وشكل آخر من التواصل، ومن الفضاء المسرحي.