مناقشة "تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الثقافة والأدب" بورقلة

هيمنة قد تُهدد القيم الثقافية الأصيلة

هيمنة قد تُهدد القيم الثقافية الأصيلة
  • 543
مريم. ن مريم. ن

احتضنت المكتبة الرئيسة بورقلة، مؤخّرا، بالتنسيق مع جامعة الولاية ودار "فكرة كوم" للنشر وجمعية "واحتكم" للإبداع والثقافة والكتاب، الأيام الأدبية والفكرية والثقافية "ورقلة عاصمة الواحات"، حول "تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الثقافة والأدب". حيث تم طرح مختلف مجالات توظيف هذا الذكاء، من ذلك القدرة على الكتابة والنقد.

تناولت الدورة الثانية للأيام الأدبية التي كانت حول " الذكاء الاصطناعي وإنتاج الثقافة والأدب"، أهمية الجانب التطبيقي في الذكاء الاصطناعي. وجاءت هذه الدورة لتلبي هذا المطلب الهام، وهو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الثقافة والأدب والنقد؛ سواء على مستوى البرمجيات، أو المنصات، أو إعداد المحتويات الثقافية والفنية، أو من جهة الوصول إلى الجمهور. وفي كلّ هذه المستويات هناك حضور كبير للذكاء الاصطناعي، مع دوره المهم في اختصار الزمن، ودقة النتائج، والقدرة على توجيه الجماهير.

وطرح هذا الملتقى جملة من الإشكالات التي ترتبط بمجالات توظيف الذكاء الاصطناعي؛ من ذلك "هل يمكن الذكاءَ الاصطناعي إنتاج نصوص أدبية تضاهي النصوص التي تبدعها قرائح الأدباء ؟« ، و«هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدا للمبدع وللناقد، بموت جديد؛ على غرار موت المؤلف عند رولان بارت، لينهي دوره من جديد، وبطريقة موجعة، تنهي كثيرا من المساحات الحميمية بينه وبين النص ؟«.

وبالمناسبة، قدّم الدكتور عبد الحميد هيمة، مداخلة بعنوان "الذكاء الاصطناعي والموت الجديد للمؤلف" ، طرح فيها إشكالية "هل يمكن الذكاءَ الاصطناعي إنتاج نصوص أدبية؟" . وكانت الإجابة: "نعم، يمكن الذكاءَ الاصطناعي أن ينتج النصوص الأدبية"، بما في ذلك القصص والروايات، والقصائد، والمقالات الأدبية. ويعتمد ذلك، حسبه، على تدريب النماذج على نصوص أدبية سابقة، ومن ثم استخدام هذه المعرفة لتوليد محتوى جديد، مع إشارة هذا التطبيق إلى نقاط القوّة في هذا المجال، وهي "التنوّع والإبداع: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يولد أفكارا مبتكرة وغير مألوفة" . و«التخصيص: يمكن توجيهه لكتابة نصوص بأسلوب أو لهجة معيّنة" . و«الإنتاج السريع: يمكنه إنتاج نصوص في وقت قصير مقارنة بالبشر".

ثم يشير هذا التطبيق إلى التحديات، وهنا بيت القصيد. ويذكر منها العمق العاطفي؛ فقد يفتقر النص إلى عمق المشاعر الذي يميّز الكتابة البشرية، وأيضا "الأصالة" ؛ فأحيانا قد يكون النصّ مستمَدا بشكل كبير، من أعمال سابقة بدلا من أن يكون مبتكَرا بالكامل، يضيف المتحدّث. كذلك "الحسّ الإبداعي"؛ إذ إنّ الذكاء الاصطناعي لا يملك "تجربة إنسانية" ؛ لذا قد يكون محدودا في نقل مشاعر أو تجارب معقّدة.

ويخلص هذا التطبيق إلى أنّ الذكاء الاصطناعي أداة قوية لكتابة النصوص الأدبية، لكنّها ليست بديلا كاملا للإبداع البشري، بل يمكن استخدامها كمساعد لفتح آفاق جديدة في الكتابة. ومن هنا جاء طرح المحاضر هيمة هذه الفرضية التي بنى عليها هذه المداخلة، وهي أنّ الذكاء الاصطناعي هو موت جديد للمؤلّف بعد الموت الذي بشّر به بارت في النظرية البنوية.

وتساءل المحاضر، أيضا، عن المخاطر، والأسئلة الأخلاقية في عالم الآلات.. وهل الإنسانية مرحلة عابرة في تطور الذكاء الاصطناعي؟، مشيرا إلى أنّ الذكاء الاصطناعي بات أمرا واقعا منذ بدأت برامجه التي كانت حلما في الماضي تنتشر؛ حيث غزت برامجه الإنترنت، وأصبحت متاحة عبر متاجر التطبيقات. 

وقد بدأ العديد من الكتّاب وصنّاع المحتوى في استخدام الذكاء الاصطناعي الذي يتيح بيانات ومعلومات وخدمات ترجمة. كما يمكنه ـ وهو المدهش ـ لعب دور الناقد الأدبي؛ فيمكن أحدَهم أن يرسل له قصيدة، فيتلقى رأي الذكاء الاصطناعي فيها. كما يمكن سؤاله عن الشخصيات والأماكن والطرق، بل ويمكنه المشاركة، أيضا، في صياغة المواد المكتوبة، بل والمساهمة في كتابة الروايات، كما جرى مؤخرا في تجارب ظهرت بالفعل على المنصات، ومتاجر بيع الكتب إلكترونيّاً. ورغم كلّ ذلك، يضيف المحاضر، تكثر الأسئلة بخصوص مخاطر الذكاء الاصطناعي المحتملة، وتهديداته للبشرية بـ"الفناء".  

وعن استخدامات الذكاء في مجال الإبداع والأدب، فقد اجتاح برنامج "شات جي بي تي" التوليدي، الذي يتفاعل مع البشر ويستطيع إنتاج كلّ أنواع النصوص عند الطلب، وهذا يسرّع انتشار زمن الاستهلاك، و«المنتج الجوتابل" (أحادي الاستهلاك)، أو أدب "الجوتابل الخالي من كلّ ارتباط عاطفي"، وهذا يقود إلى حضارة الفراغ، والسهولة، والتفاهة ..

وأكّد المحاضر أنّ الذكاء الاصطناعي يمكن الاستفادة منه بشكل عام في جوانب محدّدة؛ مثل البحث، والتصنيف، والنشر التفاعلي، وغيرها من الجوانب التي تعزّز الإبداع وتنشره؛ بمعنى آخر أنّه يمكن أن يساعد في تعزيز الفكرة، لا صناعتها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن الكتابةَ البشرية الأصيلة أن تصمد أمام هذا الطوفان الاصطناعي؟ وكيف نحافظ على الفروق الجوهرية بين إبداع الكاتب البشري وما تنتجه الآلات، خاصة في زمن يشهد ترويجا متزايدا للذكاء الاصطناعي، كبديل يمتلك قابليات ومهارات لا يمتلكها العقل البشري؟.

رأى الدكتور هيمة أنّ هذا السؤال هو أخلاقي بالدرجة الأساس؛ لأنّه يشير ضمنا، إلى أنّ هذه المسألة وما يتعلّق منها بالكتابة عامة والكتابة الإبداعية خاصة، تنذر بتغيّر قيمي سيصيب الثقافة العالمية، والثقافة العربية على وجه الخصوص؛ فالإجابة عنه تتعدى الأبعاد التقنية، لتصل إلى عمق القضايا الأخلاقية التي تفرض نفسها بقوّة؛ فالتطور السريع في أدوات الكتابة الاصطناعية ومعالجة النصوص، يكشف عن إشكالية كبيرة تتعلّق بالقيم الثقافية والأخلاقية، التي تحكم العملية الإبداعية؛ فهذا التحوّل إلى هيمنة الذكاء الاصطناعي قد ينذر بإحداث انقلاب في القيم الثقافية التقليدية.