رحلة معرفية ثرية بتفاصيلها تناقش جملة أسئلة في المجال
‘’لتواصل والذكاء الاصطناعي” ..دهاء وخبايا
- 1143
أول ما يثيره كتاب ”دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي”، لمؤلفه الدكتور غسان مراد، الباحث في اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، هو تلك الإحاطة النادرة بمختلف جوانب موضوعه، ما يضعه في مرتبة خاصة في قائمة المؤلفات العربية المماثلة، ففي وسط سيل الكلام الكثير حول الطفرة التكنولوجية، بأوجهها المتعددة، نعثر فجأة بين دفتي كتاب واحد، على نظرة شاملة، سلسة، مليئة بالأفكار والمعلومات، التي يجعل منها اجتماعها في مؤلف واحد جديدة كلية وتماماً.
يفطن قارئ الكتاب وسط رحلة المعرفة، التي يقوده فيها د. غسان مراد، أن وسائل التواصل الاجتماعي، هي الوجه اليومي و«الشعبي” لطفرة هائلة التعقيد في التكنولوجيا، مليئة بالمحاذير والألغام، تماماً كما هي واعدة ومبشرة، فهذه الطفرة، بأوجهها الكلية، تضع البشرية أمام تغيرات جذرية، تطال مفاهيم صلبة لم يسبق أن جرت خلخلتها من قبل، ولا سبق أن وضعت أمام احتمالات التفكيك وإعادة التركيب، وعلى رأس هذه المفاهيم، مفهوم ”الإنسان” و«المجتمع” و«المعرفة” و«الحرية”.. إلخ.
ولا يتوقف التأثير المرتقب عند هذا الحد فقط، بل يشمل إعادة الصياغة الشاملة لعناصر الوجود الإنساني بعضها ببعض، مثل علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالمجتمع، وعلاقتهما بالدولة، إلى جانب تغيير وجه السياسة والاقتصاد والتعاملات الحيوية اليومية والأخلاق العامة.
وفي السياق نفسه، يكتشف قارئ الكتاب، أن حالة الانبهار والانكباب العام على وسائل التواصل الاجتماعي، يحجب ويمنع عامة الجمهور من التعامل مع الجوانب الشاملة والأعمق لهذه الطفرة التكنولوجية، حيث الغرق في الوجه المكون من عنصر ”التواصل”، والوظيفة الاجتماعية لهذه الوسائل، يمكنه أن يغرق البشرية في الجهل، عن طريق الإغراق بالمعلومات، وفتح مسارب ومسارات لترويج الأكاذيب والأضاليل، كما بوسعه أن يوقف تفاعل العامة مع الطفرة التكنولوجية عند الاستخدام المسلي لهذه الوسائل.
أوهام كثيرة تبيعها هذه الوسائل، بدءاً من الشعور الزائف بالحرية، والقدرة على الوصول إلى المعلومات، وتكوين المعرفة، وفرص السيطرة الشمولية بالوسائل الافتراضية.
إن الرواج الهائل لوسائل التواصل، لا يعكس في حقيقة الأمر موقعاً حقيقياً لها في قيادة الطفرة التكنولوجية، فهي لا تزال الهامش الشعبوي التجاري، الذي يتسيد في مرحلة انتقالية، إنما يحجب التحديات التي تنشأ بفعل الطفرة التكنولوجية، وهو ما ينتج بدوره حالة من الانبهار التلقائي، التي من شأنها أن تشل الوعي، وتمنعه من تبصر التعقيدات والتحديات الحقيقية. ناهيك عما يثيره ”دهاء شبكات التواصل”، و«الذكاء الاصطناعي”، من تعقيدات لا يبدو أن البشرية تعيها تماماً، أو مستعدة لها بما يكفي.
يطرح الكتاب ويناقش طائفة واسعة من الأسئلة والقضايا، من عناوينها البارزة: ”ماذا تفعل بنا التقنيّات، وماذا نفعل بها؟” و«هل تصبح التقنية الرقميّة جزءاً من التربية على المواطنة؟”، و«هل نجحت التقنيّات الرقميّة في مواجهة التطرّف والكراهية؟”، و«هل تُرْدَم الفجوة المعرفيّة بالخطابات وحدها؟”، و«من يواجه وحش الـ فيسبوك؟”، و«هل نعلّم أطفالنا حقائق العالم الثالث؟”، و«حركة ما بعد الإنسانيّة... إلى أين؟”، و«هل نستطيع يوماً أن نفهم ما يجول في دماغ الإنسان؟”.