بعد الجمعة الـ 17 من المسيرات الشعبية
ارتياح لثمار الحراك
- 1786
بحرارة تضاهي حرارة الطقس، وحماسة كبيرة، واصل المواطنون، عبر كل ولايات الوطن، المسيرات السليمة، منتشين بما تم تحقيقه منذ بدء الحراك من نتائج، لم تكن تخطر ببال أحد، حسب الكثير من المتظاهرين الذين يتطلعون إلى تحقيق المزيد من المكاسب السياسية، والتمكين للإرادة الشعبية، من اختيار ممثليها في السلطة، وإبعاد كل الوجوه القديمة التي تسببت في الوضعية الحرجة التي صارت عليها بلادنا، في شتى النواحي، وبدت عزائم المتظاهرين، أمس، مصمّمة على مواصلة الحراك بخطى ثابتة، وبتآزر كبير.
وبالعاصمة لا تزال حشود المتظاهرين في الجمعة السابعة عشرة من الحراك السلمي تطالب برؤوس من سموهم بـ”رؤوس الفساد والفتنة” الذين نهبوا المال العام وخانوا الأمانة، وعاثوا في الأرض استبدادا، وكانت أغلب الشعارات التي حملتها أيدي المتظاهرين، أمس، بالعاصمة، وغيرها من ولايات الوطن، تصبّ في خانة مطالبة جهاز العدالة بمواصلة القبض على رموز النظام، دون استثناء، وردّد بعض المتظاهرين عبارة ”الجزائر أمانة بعتوها يا الخونة”، في إشارة إلى المتسببين في الفساد المالي والاقتصادي، وجاء في لافتة أخرى عبارة ”يا قضاة الجزائر نحن وراءكم.. واصلوا إرسال الباقي”، وهي دلالة على أن الجماهير الغاضبة ماضية في قرارها، حيث تم في البداية رفع شعار ”ينتحاو قاع”، وهو القرار الذي تطوّر وتغير اليوم إلى ”يتحاسبوا قاع”.
وحملت، أمس، حلقات النقاش المنتشرة هنا وهناك في الساحات والطرق بالعاصمة، عديد الأفكار، التي التقت في بعضها وتباينت في بعضها الآخر، فأما تلك التي تقاطعت حولها الآراء، فتخص المكاسب المحققة، والتي تجلت في حالة التحرر والديمقراطية والتعبير عن الأفكار والانتقادات، وإعطاء وجهات النظر في مختلف القضايا التي تهم الوطن، حيث تحدث أحدهم، بحماسة كبيرة، لمن كانوا ملتفين حوله يستمعون له، قائلا: ”لا أحد استطاع كسر جدار الخوف وطابوهات الذل مثل هذا الشعب العظيم”، وراح يصف هذا الإنجاز بـ ”المعجزة”، لكون ما تحقق لحد الآن لم يكن يخطر ببال أحد، وأن إرادة الله لها دخل في هذا الحراك، الذي ضرب فيه الشعب الجزائري أروع الأمثلة في التنظيم والسلمية والوحدة، رغم محاولات زرع بذور الفتنة والتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة.
نقاشات وآراء متباينة حول خيارات التغيير
وأما ما اختلف حوله المتظاهرون، فيتعلق بالخيارين المطروحين لإخراج البلاد من عنق الزجاجة، الأول منه طرح يرى بضرورة تشكيل مجلس تأسيسي يضم كل الأطياف والمشارب السياسية والإيديولوجية، يتولى تسيير المرحلة الانتقالية ويحضر للانتخابات الرئاسية، والثاني يرى أن هذا الخيار قد لا يجنّب الجزائر الوقوع في مطبات سياسية ودبلوماسية، ويصر على خيار الاحتكام إلى الصندوق، والتفكير في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، يكون الشعب فيها هو المراقب رقم واحد، والحريص على حمايتها من أي تزوير.
كما تطرّقت نقاشات المتجمهرين إلى مواضيع تباينت حولها الآراء، وتخص المسيرة السياسية للجزائر، وذكر محاسن ومساوئ كل الرؤساء الذين تداولوا على سدة الحكم، منذ الاستقلال، وكذا أسباب تمكين بعض القيادات العسكرية المندسة والمتواطئة مع الاستعمار الفرنسي، بتعيينها في مناصب حساسة، وهو ما يراه المتحدثون سبب بلاء ووباء وتخلف الجزائر في مختلف المجالات.
ياوورت، مكانس وفلفل حار في أيدي المتظاهرين
من الصور التي تكرّرت في مسيرات، أمس، هو أن بعض المتظاهرين حمل علب الياوورت، في إشارة إلى التذكير بمقولة المتهم أحمد أويحي، الذي قال في تصريح تلفزيوني يوما ما إنه ليس من حق الشعب أن يتناول الياوورت، فيما حمل أحدهم مكنسة، وكان يلوح بها تارة ويمررها في الطريق مرة أخرى، في إشارة إلى ضرورة تطهير البلاد من كل الفاسدين، الذين تفوح منهم رائحة السرقة والنهب والاحتيال، كما عمد أحدهم إلى حمل حبات من الفلفل الحلو والحار، وهي الصورة التي اختلف البعض في تفسيرها، فيما راح بعضهم يحمل قارورات ماء بخاخة لترطيب الأجواء الحارة التي سادت نهار أمس، ولم تخل شوارع وساحات العاصمة من نقاط بيع الأعلام الوطنية، وشعارات الوحدة، وقبعات الألوان الثلاثة، وبيع مستلزمات يحتاجها المتظاهرون، كالماء وبعض الأطعمة.
الأهازيج تدوي الساحات وتزيد في الحماس
وقد تفاعل المتظاهرون المتجمهرون في ساحة البريد المركزي، مع الشبان الذين ردّدوا أغاني جديدة عن الحراك وأهازيج، محتواها أن سبب شقاء المواطنين، الفاسدون في الحكومة، الذين لم يعيروا أي اهتمام، لاسيما لفئة الشباب الذين يمثلون ثلاثة أرباع المجتمع، وفي هذا السياق، حمّل المتظاهرون الحكومة لجوء الشباب إلى الهجرة غير الشرعية ”الحرقة”، والمخاطرة بحياتهم في عرض البحر، وقد حمل بعض المواطنين صور ”الحراقة” الذين لا يزالون في عدّاد المفقودين، مطالبين بأخذ تدابير للعثور عليهم، ومحاسبة المتسببين.
آيت أحمد وبن حمودة حاضران في الحراك
ومن بين صور الشخصيات التاريخية التي رفعها بعض المتظاهرين وعلّقوها على الجدران، صورة المجاهد الراحل حسين آيت أحمد، التي كتبت تحتها عبارة منسوبة إليه تقول ”كل الطرق تؤدي إلى السلام إلا طريق فرنسا..” ولافتة أخرى تضم صورة الأمين العام المغتال بوعلام بن حمودة، وتحته عبارة شهيد الحرية النقابية، وفي أسفلها صورة الأمين الحالي عبد المجيد سيدي السعيد وعبارة خائن الحرية النقابية، وغيرها من الصور التي شدت انتباه المواطنين الذين راحوا يلتقطون صورا لها بشارع ديدوش مراد بوسط العاصمة.
رشيد كعبوب
تواصل المسيرات عبر الوطن
شهدت مختلف ولايات الوطن أمس، مسيرات مماثلة في إطار تواصل الحراك الشعبي في جمعته الـ17.
ففي وهران، خرج السكان حاملين شعارات تزامنت والحركية التي عرفها الأسبوع من إحالات للمسؤولين على العدالة كشعار ”عدالة مستقلة وقوية ونزيهة لا انتقائية ولا انتقامية”، فيما عبر المتظاهرون في سعيدة عن مساندتهم لقرارات العدالة الخاصة بمحاربة كل أنواع الفساد المالي والسياسي، في الوقت الذي رفع فيه المواطنون الذين جابوا الشوارع الكبرى لوسط المدينة شعارات ولافتات تطالب بالتغيير وبتطبيق العقوبات الصارمة ضد الفاسدين.
وبمدينة الشلف، طالب المتظاهرون من خلال اللافتات التي رفعوها ”بالتعجيل بحوار وطني تديره شخصيات توافقية وكفاءات وطنية للمرحلة القادمة، مع إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات الرئاسية بدون رموز النظام السابق”، بينما عبر مواطنو سكيكدة عن فرحتهم العارمة بسجن الوزيرين الأولين وبعض الوزراء السابقين، مطالبين من العدالة المزيد من الصرامة ”إلى غاية تطهير البلاد من المفسدين”، وحيا المتظاهرون الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع ومؤسسة الجيش التي اعتبروها ”الضامن الأساسي للانتقال السلمي والسلس نحو تحقيق كل مطالب الحراك”.
كما خرجت مختلف أطياف المجتمع بولاية عين تموشنت في مسيرة سلمية، رافعة شعارات تؤكد من خلالها دعمها التام لقرارات العدالة ومواصلة النضال السلمي إلى غاية تحقيق التغيير الجذري.
وشهدت ولاية تيارت بعد صلاة الجمعة كعادتها مسيرة ضخمة، رفعت خلالها شعارات مؤيدة للجيش الوطني ومطالبة بمواصلة محاكمة كل المفسدين وتعميم العملية لتشمل كل ولايات الوطن. فيما خرج المئات من مواطني بومرداس أيضا لتجديد العهد مع مسيرته السلمية التي أصبحت بالنسبة للبعض بمثابة ”واجب وطني”، منادين من جديد بضرورة تنحي رموز النظام السابق ومثمنين بالمناسبة بالقرارات الأخيرة التي أصدرتها العدالة في حق بعض من هذه الرموز.
ويواصل مواطنو ولاية بجاية نضالهم السلمي من أجل التغيير ورحيل كل رموز النظام، حيث خرجوا أمس، من أجل المطالبة بالتغيير الجذري للنظام وتجسيد الرغبة الشعبية.
كما خرج عشرات المواطنين في الجمعة السابعة بمدينة أدرار في مسيرة سلمية، رافعين الأعلام الوطنية ولافتات بشعارات مختلفة منها ”الجيش جيشنا” و”الوحدة الوطنية خط أحمر” وكذا الدعوة إلى تغيير كلي لرموز النظام.
ونفس الأجواء، عاشتها مدينة غليزان، حيث خرج المواطنون في مسيرة حاشدة، مطالبين بضرورة فتح ملفات الفساد بالولاية ومحاسبة كل المفسدين. كما دعا المتظاهرون إلى ضرورة تغليب المصلحة العامة للبلاد والعمل على إيجاد مخرج سلس للأزمة السياسية التي تعرفها، من خلال تطبيق المادة السابعة والثامنة من الدستور. كما خرج المئات من المتظاهرين، في الجمعة السابعة عشر على التوالي، في وقفة حاشدة وسلمية بساحة الشهيد عباس لغرور بخنشلة، رافعين نفس الشعارات التي تم رفعها في الجمعات الماضية، والمنادية بضرورة رحيل كل رموز النظام السابق مع التأكيد على وحدة الجيش والشعب.
المراسلون