الخبير الطاقوي مهماه بوزيان في تحليل لخلفيات اتفاق "أوبك+":

الاتفاق غير مسبوق وصفارة الإنذار من قلب صناعة النفط الأمريكية

الاتفاق غير مسبوق وصفارة الإنذار من قلب صناعة النفط الأمريكية
  • 680
حنان. ح حنان. ح

وصف الخبير الطاقوي مهماه بوزيان الاتفاق الذي خرج به اجتماع "أوبك+" الخميس الماضي، بـ"غير المسبوق تاريخيا في أسواق الطاقة"، موضحا بأنه لا أحد كان يمكنه توقع التوصل إلى مثل هذا الاتفاق القاضي بتخفيض 10 ملايين برميل يوميا، بعد أيام من حرب الأسعار التي شنتها السعودية وروسيا بقرارهما وقف تنفيذ الاتفاق السابق، وإغراق السوق بكميات هامة من النفط. لكنه اعتبر بالمقابل أن الأمر كان مخططا له لمصلحة كبار المنتجين الذين يعملون بمنطق الرأسمالية والتجار المرابين.

وفي تحليله لهذا الحدث الطاقوي الهام، قال الخبير لـ "المساء"، إنه منذ أسبوع كان التوصل إلى مثل هذا الاتفاق ضربا من الخيال، أو "من أدبيات الخيال" مثلما قال، مضيفا "منذ أسبوع فقط كان البعض من كبار المنتجين يرفضون كلّ مسعى للاجتماع ويمانعون أصلا الإنخراط في أي عمل تشاوري أو توجه للتعاون أو التوافق، وبشكل علني. بل وذهب الأمر بالبعض منهم إلى رفض دعوة الجزائر، بصفتها رئيسا لأوبك خلال هذه السنة، إلى الإلتئام في اجتماع طارئ على مستوى اللجنة الإقتصادية للمنظمة، والضغط على بقية الأعضاء بُغية عدم التجاوب معها إيجابيا. وهي الدعوة التي تحدثت عنها عديد الهيئات الدولية والوكالات العالمية المرجعية على غرار بلومبيرغ والإشارة إليها تحت إسم (رسالة الجزائر)".

هذا التحول في المواقف بـ180 درجة، يطرح تساؤلات كثيرة حول الأسباب، وهو ما استفسرنا عليه لدى محدثنا، الذي أشار إلى أن التساؤل مشروع، لاسيما بعد أن أنذرت الأزمة بوصول سعر برميل النفط إلى "صفر دولار" وهو ما كان متوقعا وليس مجرد سيناريو لفيلم خيال، باعتبار أن تخمة العرض كانت ستجعل النفط "منبوذا".

وفي هذا الصدد قال "يحق لكل متتبع ومنتبه لصيرورة الأحداث، التساؤل حول ماهية العنصر المفاجئ الذي غيّر منحى التوجه العام. وعن طبيعة القوة القاهرة التي جعلت من الجميع يهرعون إلى التوافق الواسع والسخي وغير المسبوق وعن طواعية. الأمر الذي جعل البعض، من خارج (أوبك+) مثلا، يتعهد بتقديم دعمه حتى لا ينهار الإتفاق، وجعل من المكسيك تثني على السخاء الأمريكي لتحمل فارق الـ250 ألف برميل عنها، حيث أن الرئيس ترامب تعهد بهذا الخفض، علاوة على ما ستقوم به الولايات المتحدة باسمها، من أجل المكسيك، على سبيل التعويض عن رفضها  الإلتزام بـحصتها بمقدار 400 ألف برميل، وتسببت بـبخلها هذا في جعل الإتفاق معلقاً، حيث أضحى مشروطاً بإلتحاقها وإلتزامها، مما حدا بالرئيس الأمريكي التطوع بتخفيض ألاف البراميل بدلا عنها، لزحزحة الموقف، ومضي الإتفاق قدُما".

بالنسبة للخبير الطاقوي، فإن هذا راجع إلى جملة من العوامل، معتبرا أن "صفارة الإنذار جاءت من قلب الصناعة النفطية الأمريكية". وأوضح قائلا "الجميع يدرك جيدا بأن أي انهيار في بنيان هذا الاقتصاد ستسري صدوعه في كامل بنية الاقتصاد العالمي، وسيتولد مفعول حجر الدومينو، وستتساقط الأحجار تباعاً، هذا مثير للرعب حقا، ليس فقط في وسط الأمريكيين، إنما على مستوى اقتصاديات مختلف الدول المنتجة أو المستهلكة للنفط".

وبخصوص المملكة العربية السعودية التي ترأس مجموعة دول العشرين، فإن الخبير مهماه بوزيان، يرى أنها "تريد تفادي مقصلة انتقام الكونغرس الأمريكي منها، والظهور في هيئة الدولة القائدة التي تستحق رئاسة هذه المجموعة خلال هذه السنة".

أما روسيا فتطمح - حسب محدثنا- إلى "الإندماج أكثر ضمن المجموعة الدولية، بما يتيح لها التمدد في مناطق الظل التي يبرز فيها ضعف القيادة الأمريكية التي أصبحت تعاني بشدة، وأيضا فتح ثلمة في جدار العقوبات المفروضة على شركاتها النفطية، خاصة من خلال تواصلها المباشر مع الرئيس دونالد ترامب، وإصرارها على إبداء موافقات مشروطة دوما، تقضي بضرورة رفع العقوبات عنها، وأن يكون ذلك بندا توافق عليه الإدارة الأمريكية وتلتزم به في أي اتفاق مستقبلي، وحتى وإن لم يستجب لذلك حاليا، فهو يبقى مكسبا لصالح روسيا من خلال ظهورها في موقف المتنازل لصالح المجموعة الدولية، وهذا سيزيد من عزلة الإدارة الأمريكية وإضعافا لها".

وإذ أشاد الخبير بهذا الإتفاق التاريخي،وبمستوى التخفيض، "الذي كان في حكم الخيال والمستحيل قبل أسابيع، حيث سيتم القيام بتخفيض تراكمي بمقدار 4,5 مليار برميل على مدى 24 شهر قادم"، فإنه اعتبر أنه من الواجب  النظر إلى أهمية التخفيض "من زاوية منع انهيار سعر برميل النفط، وما سيترتب عنه من تحلل بنية السوق، والوصول إلى حالة التفسخ الكلي، بفعل الكميات الهائلة من النفط المنتجة، والتي أصبحت هياكل التخزين البرية والبحرية والعائمة لا تستوعبها، قبل استهداف رفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة، لأن رفع الأسعار إلى متوسط مستوى السنة الماضية 2019، يتطلب رفع حواجز الإغلاق وتجاوز وضعية الحجر على حياة الناس وحركتهم نهائيا، مع تمكن المجموعة الدولية من تطويق جائحة كورونا، وعودة حركة النقل الحضري والبري والجوي إلى مستوياتها القريبة من الطبيعية، وتعافي الساكنة عالميا، ثم تكاتف جهود المجموعة الدولية، بشكل مماثل، في شكل ميثاق اقتصادي أممي تضامني عالمي، لإنعاش الإقتصاد وإخراجه من حالة الإنكماش الممتد بعيدا عن الإيديولوجيات الاقتصادية المتهالكة".

ما يعني بأن تحسن سعر برميل النفط وتسلقه صعودا إلى مستويات السنة الماضية، هو بحاجة إلى "إمدادات شاملة ضد فيروس كوفيد-19 وإسناد صحي"، من خلال تمكن المجموعة الدولية من تطويق كلي وشامل لجائحة كورونا، وليس فقط إلى تخفيضات للإنتاج بهذا الحجم، ولأن تسريع الأثر المرغوب يحتاج إلى تخفيض أعمق وأكثر حجماً مما جرى التوافق حوله، على الأقل لا ينبغي أن تكون أقل من 16 مليون برميل يوميا،وفقا لمحدثنا، الذي اعتبر رغم ذلك أن الاتفاق نجح في "وضع عناصر مرجعية توافقية بين الجميع".

وبالنسبة للخبير، فإن الأمر "كان مخطط له"، و"كان يقتضي إيصال السدادة إلى حالة الضغط القصوى، ليبدأ توزيع الكؤوس على الكبار، فالسعودية وروسيا ستربحان من خلال الرفع من مستوى الإنتاج واعتماده كمرجعية تسقيف، ثم ابتزاز الآخرين للقيام بتخفيضات كبيرة جدا، والرجل الأمريكي، سيربح من خلال المضاربة، فهو قد قام بملء خزاناته بالنفط الرخيص، الذي اشتراه بـ22 دولارا للبرميل، في انتظار صعود النفط إلى مستوى الـ 46 دولارا ليعيد بيعه، ويجني فارق السعر والمقدر بـ24 دولارا، والذي سيتقاسمه مع شركائه من المستثمرين في بنى التخزين وسلاسل الإمدادات، ولذلك فهو لن يقبل بوصول خزاناته النفطية الممتلئة إلى انفجار، وهو سيكون الرابح الأكبر، أكثر من المنتجين الذي يكابدون المخاطرة العالية وخسائرها، أعتقد هذا هو منطق الرأسمالية التي تعيش على حياة الدورة المالية للتَّجار الْمُرَابين"، يختم محدثنا.