رئيس الدولة في خطاب للأمة عشية رمضان:

الحوار الذكي والبناء هو سبيل بناء التوافق وتنظيم الرئاسيات في آجالها

الحوار الذكي والبناء هو سبيل بناء التوافق وتنظيم الرئاسيات في آجالها
  • 762
و. أ و. أ

أكد رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح أمس، أن ”الحوار الذكي والبناء” هو السبيل ”الأوحد” لبناء توافق ”مجد وواسع”، يسمح بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحددة.

وفي خطاب للأمة بمناسبة حلول شهر رمضان، أكد رئيس الدولة أن ”الحوار الذكي والبناء ذي النية الصادقة، يبقى السبيل الأوحد لبناء توافق مجد وواسع يسمح بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحددة، والتي من شأنها أن تُخرج بلادنا بشكل نهائي ودائم من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي”، مضيفا أنه ”لرئيس الجمهورية المنتخب بنزاهة، الشرعية اللازمة وكل الصلاحيات الكفيلة بتجسيد التطلعات العميقة إلى التغيير والاستجابة لكل المطالب الشعبية الشرعية.

وبعد أن أشار إلى أن ”تغليب هذه الخطوة العقلانية والسليمة إنما هو تغليب للمصلحة العليا للأمة التي تعتبر القاسم المشترك لكل الأطراف على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة”، اعتبر أنه ”من البديهي أن ترتيبات تنظيم ومراقبة هذه الانتخابات وكذا الإشراف عليها في كل مراحل التحضير والسير وحتى الترتيبات النهائية، يتوجب أن تكون في صلب هذا الحوار وأن تحظى بتوافقٍ واسع”.

وأكد في نفس السياق أن ”الدولة المصممة على إعطاء الكلمة للشعب ليختار بكل سيادة وحرية وشفافية من يفوضه لبناء نظام حكمٍ جديد”، كما أنها ”حريصة على إحداث القطيعة وإجراء التغيير التدريجي الذي يريده الشعب إلى غاية تحقيق المطالب المشروعة، بما يكفل الانتقال السلِس لمقاليد الحكم وإدارة الشأن العام”.

ودعا في هذا الإطار كل الفاعلين الوطنيين، مكونات الطبقة السياسية، المجتمع  المدني، إلى ”التعبئة لأجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الوطني، لأنه وحده الكفيل بوضع بلدنا على مسار مستقبل آمن ومزدهر وبإفشال المخاطر والمخططات المعادية الرامية إلى الدفع به نحو الفراغ الدستوري وغياب الدولة، ومن ثم جره إلى دوامة الفوضى واللااستقرار”.

وبالمناسبة، حيا رئيس الدولة ”الجهود التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي البار، سليل جيش التحرير الوطني المجيد، للحفاظ على الطابع الدستوري للدولة واستمراريتها وضمان أمن واستقرار الوطن، خصوصا قيادته، نظير وضوح التزامها ووقوفها بجانب شعبنا في هذه المرحلة المصيرية من تاريخه وعزمها على التصدي للتصرفات العدائية ضد وطننا ووحدته الترابية، فضلا عن المحاولات الرامية إلى المساس بالأمن الوطني وتهديد اللحمة الوطنية”. 

وبعد أن أشاد بـ«الوعي والنضج الذي أبانه الشعب الجزائري للتعبير عن طموحاته المشروعة بشكل حضاري أبهر العالم كله”، أكد السيد بن صالح أنه (الشعب) ”وجد من الدولة التفاعل الإيجابي والسريع مع مطالبه، وها هو مسعى التغيير يحقق كل يوم تقدما لا يمكن إنكاره ولقد حظيت أهداف هذا المسار بتوافق واسع لدى كل أطياف المجتمع والمؤسسات”. 

وأشار في هذا الصدد إلى أن ”مكافحة الفساد وتبديد المال العام التي كانت في صلب المطالب الشعبية التي عرفت تسارعا يؤكده إحكام قبضة العدالة على ملفات ثقيلة، بعزم وبمنهجية، سيكون لها الأثر المحمود على الاقتصاد الوطني الذي سيتخلص من مغبات الممارسات التي لطالما أعاقت سيره”. 

وخلص إلى القول أن ”المصلحة العليا للوطن تبقى، في هذه الأثناء، تملي علينا المحافظة على الدولة واحترام المؤسسات وصون أمن واستقرار البلاد مهما كانت الظروف”، داعيا الشعب إلى ”التحلي باليقظة وعلى أبنائه الأوفياء أن يكونوا متيقظين للأخطار وأن يبقوا على استعداد لمجابهة النوايا الخبيثة والتصرفات العدائية لبعض الأطراف التي تحاول زرع بذور الفتنة والمساس بمؤسسات الدولة وبمصداقية جهودها الرامية إلى التوصل لمخرج للأزمة عن طريق الحوار والتشاور، باعتباره السبيل الوحيد الذي من شأنه ضمان خروج سلمي منها”.


النص الكامل لخطاب رئيس الدولة

وجه رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، أمس خطابا للأمة بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم، فيما يلي نصه الكامل: 

«بـسمِ الله الرحمـن الرحيم

والصلاة والسلام على أشـرف الـمرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين

أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل،

يحتفي الشعب الجزائري على غرار ِالأمةِ الإسلامية باستقبال شهر رمضان، شهر القـرآن، شهر الصيام والقيام، وهو الـمحطة الإيمانية التي تتــوقُ إليها أرواحنا وقلوبنا لنجدد فيها عهد الإيماني ونتصالح مع أنفسنا بالذكر وتلاوة القرآن، مهتدين بقول الله عز وجل ”شهرُ رمضان الذي أنزل فيه القرآن هُدى للناسِ وبيناتٍ من الهدى والفرقان”.

إنهُ الشهر الكريم الذي يترفعُ فيه الـمؤمنون عن الرغبات الفانية، للسمو إلى مدارج الروح العالية، تشبها بعالم الـملائكة الكرام، مستمسكون بقيم العمل  والصبر والتعبد، وكلها قيم متأصلة في شعبنا الأبي الأصيل، الـمتشبث بأخلاقه  ومبادئه النبيلة، الـمفعمة بالصـور الرائعة الـمجسدة للتضامن والتكافل 

والرحمة.

أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل،

يحل شهر رمضان المُعظَّم هذه السنة وبلادنا تَمُر بظروف دقيقة، تبوأ خلالها الشعب الجزائري منبر التاريخ مستردًا روح المبادرة ومبديًا عزمهُ على بناء مستقبل أفضل تتوقُ إليه جميع مكونات مجتمعنا.

إنها محطة نوعية جديدة، سِمتها السكينة والسلمية، أَبَانَ من خلالها شعبُنا الأبي على مستوى عال من الوعي والنضجي معبرًا عن مطالب وطموحات مشروعة بشكل  حضاري أبهر العالم كله. ولقد أخذَ شعبُنا الكلمةَ ليعبر صَادِحًا بلسان رجل واحد عن تطلعاته في التغيير، وهو يعكس حقيقةً جديدةً في الممارسة الديمقراطية في بلدنا، فاتحًا في نفس الوقت آفاقًا واعدةً في سبيل تحقيق قفزة نوعية نحو الديمقراطية والتنمية والرخاء. 

لقد تلقفت صوت الشعبِ آذانٌ صاغية، ووجد من الدولة التفاعل الإيجابي والسريع مع مطالبه، والتفهُم لتطلعاته وطموحاته، وها هو مسعى التغيير يحقق كل يوم تقدمًا لا يمكن إنكاره. ولقد حظِيت أهداف هذا المسار بتوافق واسع لدى كل أطياف المجتمع والمؤسسات. هذه الأخيرة مهتمةٌ أيما اهتمام بهذا المسار، وهي  تسعى بحرص كبير إلى مرافقة شعبنا في هذه المرحلة المصيرية. 

إن مكافحة الفساد وتبديد المال العام التي كانت في صلب المطالب الشعبية، عرفت تسارعا يؤكده إحكام قبضة العدالة على ملفات ثقيلة، بعزم وبطريقة منهجية

ومستديمة، سيكون لها الأثر المحمود على الاقتصاد الوطني، الذي سيتخلصّصُ بفضل ذلك من مغبات الممارسات التي لطالما أعاقت سيره. 

ومهما يكني تبقى المصلحة العليا للوطني في هذه الأثناء، تملي علينا المحافظة على الدولة، واحترام المؤسسات وصوْن أمن واستقرار البلاد مهما كانت الظروف. 

إن هذه المسؤولية التي تقعُ أولا على عاتق مؤسسات الدولة، هي كذلك مسؤولية  الجميع. ذلك أن التهديدات التي تتربص ببلدنا اليومي ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها من أول وهلة. بل هي متعددة الأشكال، ذات مصدر خارجي مع امتدادات داخلية، وفضلا عن كونها مؤذية فهي غاية في التعقيد. فإضعاف وزعزعة استقرار الجزائر يشكلُ بالنسبة لبعض الأطراف خيارا استراتيجيا. وإن نكران هذه الحقيقة أو محاولة التقليل من خطرها ليست إلا سذاجة في أحسن الأحوال، إن لم تكن تواطؤا في أَسوَئِها.

لذا، فإن شعبنا مدعو اليوم إلى التحلي بأقصى درجات اليقظة، كما يتعين على أبنائه الأوفياء أن يكونوا متيقظين للأخطار وأن يبقوا على استعداد لمجابهة النوايا الخبيثة والتصرفات العدائية لبعض الأطراف التي تحاول زرع بذور الفتنة والمساس بمؤسسات الدولة وبمصداقية جهودها الرامية إلى التوصل لمخرج للأزمة، عن طريق الحوار والتشاور، باعتباره السبيل الوحيد الذي من شأنه ضمانُ خروج سلمي  منها.

ويبقى الحوار الذكي والبناء ذي النية الصادقة، هو السبيل الأوحد لبناء توافق مجدٍ وواسعي يسمحُ بتوفير الشروط الملائمة لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحددة، والتي من شأنها أن تُخرج بلادنا بشكل نهائي ودائم من عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي.

وسيكون لرئيس الجمهورية المنتخب بنزاهة، الشرعية اللازمة وكل الصلاحيات الكفيلة بتجسيد التطلعات العميقة إلى التغيير والاستجابة لكل المطالب الشعبية الشرعية.

إن تغليب هذه الخطوة العقلانية والسليمة، إنما هو تغليب للمصلحة العليا للأمة التي تُعتبر القاسم المشترك لكل الأطراف، على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.

ومن البديهي أن ترتيبات تنظيم ومراقبة هذه الانتخابات، وكذا الإشراف عليها في كل مراحل التحضير والسير وحتى الترتيبات النهائية، يتوجب أن تكون في صُلب هذا  الحوار وأن تحظى بتوافقٍ واسع.

وإن الدولة لمصممةٌ على إعطاء الكلمة للشعب ليختار بكل سيادة وحرية وشفافية من يفوضُه لبناء نظام حكمٍ جديد، كما أنها حريصة على إحداث القطيعة وإجراء التغيير التدريجي الذي يريده الشعب إلى غاية تحقيق المطالب المشروعة، بما يكفل الانتقال السلِس لمقاليد الحكم وإدارة الشأن العام.

من هذا المنظور، فإني أدعو كل الفاعلين الوطنيين، وكل مكونات الطبقة السياسية، والفعاليات التي تُهيكل المجتمع المدني، وكل من كان لسان حال طيفٍ ما في المجتمع أو نخبه، في الداخل والخارجي لاسيما النساء والشباب، أقول  أدعوهم جميعا إلى التعبئة لأجل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الوطني، لأنه وحده الكفيل بوضع بلدنا على مسار مستقبل آمن ومزدهر؛ بل إنه وحده الكفيل بإفشال 

المخاطر والمخطَّطات المعادية الرامية إلى الدفع به نحو الفراغ الدستوري وغياب الدولة، ومن ثَم جرِه إلى دوامة الفوضى واللااستقرار.

لذا، فإني أحيي الجهود التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي الباري سليل جيش التحرير الوطني المجيد، للحفاظ على الطابع الدستوري للدولة واستمراريتها،  وضمان أمن واستقرار الوطن. وأخص بالتحية والتقدير قيادته نظير وضوح التزامها ووقوفها بجانب شعبنا في هذه المرحلة المصيرية من تاريخه، وعزمها على التصدي  للتصرفات العدائية ضد وطننا ووحدته الترابية، فضلا عن المحاولات الرامية إلى المساس بالأمن الوطني وتهديد اللحمة الوطنية. 

من جهتي، وأنا من بين الذين دعتهم الضرورة إلى أداء دور في هذا المشهد من تاريخ وطننا المجيد، فإني أتعهد مرة أخرى ببذل قصارى جهودي في العمل، وكلي وعي  ومسؤولية؛ انطلاقا من قناعتي الراسخة أن الجزائريات والجزائريين قادرون على حل مشاكلهم عبر الحوار والتشاور، وأن هذا الشعب العظيم الذي صنع المعجزات  بالأمس، لقادر اليوم على تجاوز الصعاب وبناء المستقبل الأفضل الذي يتطلع إليه؛ مستقبلٌ هو أهل له وهو في متناوله.

إن شعبنا اليوم يعرف حقا ويدرك فعلا مصيره، ويكمُنُ إسهامنا فقط في مرافقته لتحقيق ما يصبو إليه؛ لولوج عهد جديد يُمكنه من تحسين ظروفه ورفع مكانتِه بين الأمم.

أيتها المواطنات الفضليات أيها الـمواطنون الأفاضل،

ما دمنا نسير على هدى من أنفسنا في خدمة شعبنا وأمتنا بما يرضي الـمولى عز وجل، سنفلح إن شاء الله في تحقيق ما يصبو إليه شعبنا من حياة كريمة في ظل العـدل، والتآخي، والتعايش السلمي.

وإنني في هذه المناسبة أتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الجزائر ويديم  أمنها واستقرارها ويزيد في ازدهارها، ويبارك في بناتها وأبنائها، وأن يوفقنا جميعًا لما نسعى إليه جاهدين في خدمة الوطن الغالي، كما ضحى من أجله الآباء  والأجداد.

لقد اخترت هذه المناسبة لأخاطبكم، داعيًا فيها أبناء وطني وبناته إلى التشبث بتقاليدهم الرمضانية العريقة، وترقية قيم التراحُم والتآزر والتواصل وتثمينها، كما أدعوكم إلى التخلي عن كافة العادات والسلوكيات السلبية التي تتنافى وقيم شعبنا الأصلية وأخلاقياته الفاضلة وعاداته الحميدة.

هنيئا لشعبنا بقـدوم شهر رمضان المعظم، شهر الـمغفرة والرحمة والثواب.

وفقنا الله وإياكم جميعا لـما يحبه ويرضاه. والسـلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.