الرئيس تبون في حفل تقليد الرتب لضباط الجيش الوطني الشعبي:
تحيّة لكل من ساهم في تفويت الفرصة على الأعداء
- 688
❊ انحراف أدى إلى انتفاض الشعبِ في حراكه المبارك من أجل التغييرِ الجذرِيِ بمعية جيشه العتيد
❊ مازال أبناؤنا البواسل يستشهدون في ميدان الشرف وهم يطارِدون فلول الإرهاب المقيت
❊ كنّا قبل سنة على شفا الهاوية.. فتحيّة لمن فتحِ الطريق لبناء الدولة الجديدة
"بسمِ اللَّه الرحمنِ الرحيمِ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم
حضرة اللواء رئيس أركان الجيش الوطني لشعبي.
حضرة الفريق بن علي بن علي.
حضرة اللواء قائد الناحية العسكرية الأولى.
المجاهدات والمجاهدون وقُدماء الضباط السامين المتقاعدين.
السيدات والسادة المدعوون الذين شرفونا بالحضورِ، وأخص بالذكر آخر عضو في مجموعة 22، المجاهد عثمان بلوزداد، والعقيد المجاهد الدكتور يوسف الخطيب، قائد الولاية التاريخية الرابعة، أطال الله في عمرِهما.
إنه لمن دواعي الغبطة والاعتزازِ ونحن في غمرة الاستعداد للاحتفال بعيد الاستقلال والشباب أَن أَلتقي بكم في هذا الحفل لتقليد الرتب وإسداء الأوسمة تحفيزا لأصحابِها على المزِيد من العطاء، للحفاظ على عهد الشهداء، وتجديد الوفاء لهم.
وإنه لا يخلو من المغزى أن تعود هذه الاحتفالية لأول مرة منذ عقود إلى هذا المكانِ، قصرِ الشعب، وفي مناسبة تاريخية فاصلة في حياة الأمة، بعد الانحراف الذي أدى إلى انتفاض الشعبِ في حراكه المبارك بكل مكوناته وفئاته من أجل التغييرِ الجذرِيِ بمعية جيشه العتيد، سليل جيشِ التحرِيرِ الوطني وحرصا منّا على ترجمة تلك الصور الرائعة للتلاحمِ العضويِ بين الجيشِ والشعب وانصهارِهما في بوتقة واحدة هي الأصل، اخترنا هذا المكان لهذا الحفل المهيب.
ويطيب لي هنا أن أجدد تقدير الأمة بأسرِها للجيشِ الوطني الشعبِي، سليل جيشِ التحرِير الوطني، لتضحياته الدائمة والمتواصلة من أَجل حماية الوطنِ، إذ مازال أبناؤنا البواسل يستشهدون في ميدان الشرف، وهم يطارِدون فلول الإرهاب المقيت، رحمهم الله ورزق أَهلهم الصبر والسلوان.
إِذا كانت الترقيات تقليدا لمكافأة المستحقين، فهي في هذه السنة بالذات، تكتسي طابعا آخر نابعا من كون الشعب، بفضل وعيه وعزِيمة جيشه وأسلاكه الأمنية، دخل بعد انتخابات 12 ديسمبر الرئاسية، مرحلة جديدة، اطمأن فيها إلى دوامِ نعمة الأمن والاستقرار واسترجاعِ الأَمل في المستقبل، وكنا في مثل هذا اليومِ من السنة الماضية على شفا الهاوية نرى هذه النعمة بعيدة، حتى انتاب بعضنا الخوف على وديعة الآباء والأَجداد... فالتحيّة كل التحيّة لكل من ساهم في تفويت الفرصة على الأعداء، وفتحِ الطريق لبناء الدولة الجديدة الديمقراطية العادلة والقوية بخصائصها الجزائرية.
الفريق المجاهد الراحل قايد صالح هو أحد المرافقين البارزين للتغيير الديمقراطي
وإنه لمن واجبي في هذا المقام، الترحم على روحِ أحد المرافقين البارِزِين للتغيير الديمقراطي الذي نعيشه اليوم، وهو المجاهد من الرعيل الأَول الفريق أَحمد قايد صالح، طيّب الله ثراه.
وأَود في هذه المناسبة أَن أُهنّئ الضباط الذين استحقوا الترفيع تتويجا لما بذلوه وتحمّلوه مع رِفاقهِم للدفعِ بمستوى قواتنا المسلّحة إلى أعلى درجات الاحترافية، والجاهزية لكي تكون قادرة في عالمنا المضطرب على مواجهة أَي خطرٍ يتهدد الأمة، مهما كان مصدره، وستلي هذه الترقيات كوكبة أٌخرى من زميلاتهم وزملائهم في كل المستويات، في نوفمبرِ القادم إن شاء الله.
أَصدق التبرِيكات لكم، وألف شكرٍ وتقدير للمتقاعدين من كل الرتب عرفانا لما قدموه، لاسيما في أَحلك المراحل، وبعدها في التصدي لأخطار تفكك الدولة، و انهيارِ مؤسساتها، وإني متأكد أنكم، أَنتم المغادرون للمؤسسة ستسهرون بلا شك في حياتكم الجديدة على غرس قيم ومبادئ ثورة نوفمبر حتى تستمر حيةً بتعاقب الأجيال.
حضرات السيدات والسادة،
إن احتفالات هذه السنة بعيد الاستقلال ستكون أَيضا لحظةً من اللحظات الحاسمة في تارِيخِ الأمة، فهي تتميز باسترجاعِ رفات مجموعة من شهداء المقاومة الشعبية الأبطال الذين تصدوا للاحتلال الفرنسي الغاشم، في الفترة ما بين 1832 و1865، وأَبى العدو المتوحش إلا أَن يقطع آنذاك رؤوسهم عن أجسامهم الطاهرة نكايةً في الثوارِ، ثم قطع بها البحر حتى لا تكون قبورهم رمزا للمقاومة ، ودليلا على رفض الاحتلال، ظنا منه أن معركةَ الحرية والكرامة والاستقلال ستنتهي بنفيهم ومحو آثارِهم، وغاب عنه أن أرواحهم باقيةٌ في وطنهم وهي الآن معنا في هذه الرِحاب، شاهدة على هذه الوقفة التارِيخية لأَحفادهم.
بعد ساعات، ومع إطلالة الجمعة المباركة، ستحط بإذن اللهِ في مطارِ هواري بومدين الدولي، طائرة عسكرية من قواتنا الجوية قادمةً من فرنسا وعلى متنها رفات 24 مِن قادة المقاومة الشعبية ورِفاقهم من جل مناطق الوطن، مضى على حرمانهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن أكثر من 170 سنة، يتقدمهم الشريف بوبغله، والشيخ أحمد بوزِيان زعيم انتفاضة الزعاطشة، والشريف بوعمار بن قديده، ومختار بن قويدر التطراوي وإِخوانهم، من بينهم جمجمةُ شاب مقاوِمٍ لا يتعدى عمره 18 سنة من قبيلة بني مناصر يدعى محمد بن حاج، وستلتحق بهذه المجموعة الأُولى باقي رفات الشهداء المنفيين أَمواتا، فالدولة عازمةٌ على إتمامِ هذه العملية حتى يلتئم شمل جميعِ شهدائنا فوق الأرض التي أَحبوها وضحوا من أجلها بأعز ما يملكون.
عدم التنازل بأي شكل من الأشكال عن أي جزء من تاريخنا
إن ذلك لفي صميمِ واجباتنا المقدسة في حماية أرواحِ الشهداء، ورموزِ الثورة، وعدمِ التنازل بأي شكل من الأشكال عن أي جزء من تاريخنا، وفي الوقت نفسه، وحتى لا نعيش في الماضي فقط فإن استذكار تاريخنا بكل تفاصيله، بمآسيه وأفراحه بهدف حفظ الذاكرة الوطنية، وتقييمِ حاضرِنا بمحاسنه ونقائصه، سيضمن لأبنائنا وأحفادنا بناء مستقبل زاهر وآمن، بشخصية قوية تحترِم مقومات الأمة وقيمها وأخلاقها.
إن من بين الأبطال العائدين من هم رافقوا في جهاده الأمير والزعيم عبد القادر بن محيي الدين ـ رحمه الله ـ الذي أعيد دفن رفاته في مقبرة العالية بعد الاستقلال، وتضاف أسماؤهم إلى قائمة شهداء انتفاضات لالا فاطمة نسومر وبومعزة والمقراني والشيخ الحداد وثورة أولاد سيدي الشيخ وناصر بن شهرة وبوشوشة وثورة الأوراس ومظاهرات ماي 1945، والمجزرة التي قام بها الاستعمار وكان ثمنها 45000 شهيد إلى أن تحقق حلمهم بثورة نوفمبر العظيمة التي قصمت ظهر قوى الاستعمار الغاصب وأعادت فرض الجزائر دولة مستقلة ذات سيادة في المحافل الدولية ونبراسا للشعوب المناضلة من أجل الحرية والاستقلال، واسترجاع السيادة الوطنية وقوة إقليمية بمواقف واضحة يحسب لها الحساب وهي على ذلك باقية.
وها هم رجال وأبناء ثورة نوفمبر المجيدة يتطلعون بمشاعرهم إلى المنصورين العائدين للترحيب بهم بكل ما يليق بهم من التكريم والإكبار والإجلال مرددين قوله تعالى "ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون"، وها هم يتلهفون شغفا إلى اللقاء بأسلافهم فرحين بأن وفقهم الله إلى إتمام الرسالة وأداء الأمانة، والعلم المفدى يرفرف فوق ربوع البلاد شاهدا على وفاء الخلف لرسالة السلف، ومحفّزا للأجيال الصاعدة على الاستمرار على الدرب حتى تبقى الجزائر مرفوعة الرأس موفورة الكرامة.
أدعو الشباب بكل فئاته للاقتداء بهؤلاء الأبطال والتشبع بالروح الوطنية
وإنها لفرصة أخرى في عيد الشباب أستغلها لتوجيه دعوة ملحة للشباب بكل فئاته للاقتداء بهؤلاء الأبطال والتشبّع بالروح الوطنية والتحلّي بالأخلاق لتحصين وحدة هذه الأمة.
كما يجدر في هذا الجو المهيب أن أعبّر عن تقديري لكل من ساهم في الداخل والخارج في إنجاز هذا المكسب الجديد لذاكرتنا الوطنية التي نتمسك بها كاملة غير منقوصة، وأخص بالذكر خبراءنا المشكورين على ما بذلوه من جهود في السنوات الأخيرة لتحديد هويات الرفات المحفوظة في أقبية غريبة عن وطنها وعادات أهلها تمهيدا لإعادتها إلى أرض الوطن إلى جانب الشهداء الآخرين.
وفي الختام وإذ أجدد تهاني لكم بحصولكم على الرتب والأوسمة وتهاني للشعب بعيد الاستقلال والشباب فإنني أنحني مرة أخرى إجلالا أمام أرواح شهدائنا الأبرار وشهداء الواجب الوطني. كما أقف و قفة عرفان اتجاه تضحيات مجاهدينا الشرفاء الذين ما زالوا على العهد باقين، أطال الله في أعمارهم وأبقاهم ذخرا للوطن.
تحيا الجزائر حرّة سيّدة أبية.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"