أصبح مطلبا مشتركا بين الحكومة والبرلمانيين

تقييد «الحصانة» لفرض الأخلاق ومنع الانفلات

تقييد «الحصانة» لفرض الأخلاق ومنع الانفلات
  • 764
 محمد / ب محمد / ب

برزت الدعوة إلى مراجعة مبدأ الحصانة البرلمانية كأحد المطالب الملحة التي ميزت انطلاق العهدة التشريعية الجديدة، سواء من قبل الحكومة، ممثلة في وزير العدل حافظ الأختام، أو من قبل نواب المعارضة السياسية التي لم تتوان في الإعلان عن مطالبتها بمراجعة هذا الإجراء، من أجل التصدي لحالات الإفلات من العقاب وأخلقة العمل السياسي والبرلماني، بشكل عام.

وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، كان أول المطالبين بضرورة مراجعة الحصانة البرلمانية، التي تعتبر إجراء دستوريا نصت عليه المواد 126، 127 و128، حيث جاء في المادة الأولى أن «الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية. ولا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا. وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم أية دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من كلام، أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية».

تشير المادة 127 إلى أنه «لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب أو عضو مجلس الأمة بسبب جناية أو جنحة إلا بتنازل صريح منه، أو بإذن، حسب الحالة، من المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة الذي يقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية أعضائه». في حين تنص المادة 128، على أنه «في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية، يمكن توقيفه، ويخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني، أو مكتب مجلس الأمة، حسب الحالة، فورا»، وتضيف نفس المادة «يمكن المكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة، على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 127 أعلاه».

مقابل هذا التعريف الذي يضعه الدستور للحصانة البرلمانية وما تتيحه من امتيازات للبرلماني، لابد أن نشير إلى العدد المتزايد في التهم (حتى لا نقول القضايا) الموجهة لبعض النواب، وكان آخر هذه التهم تلك المرتبطة بنائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، تم ضبطه في حالة تلبس بتعاطي الرشوة أثناء عملية إعداد قوائم المترشحين لتشريعيات الرابع ماي الجاري.

تنامي حالات وقوع ممثلي الشعب في فضائح ومخالفات لا يعلم عددها الحقيقي إلا المصالح الأمنية والقضائية، وتمكن المتورطين فيها من الإفلات من تبعاتها، بفضل تمتعهم بالحصانة البرلمانية، هو الذي دفع الوزير الطيب لوح إلى التشديد في ندوة صحفية نشطه في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى ضرورة مراجعة مسألة الحصانة البرلمانية، من خلال فتح نقاش يسمح بالتوصل إلى توازن تشريعي يضمن للنائب التمتع بالحصانة، دون تقييد صلاحيات القضاء في النظر في التجاوزات التي قد يرتكبها هذا النائب.

كلام وزير العدل حافظ الأختام لم يأت من العدم حسب بعض المحللين، الذين ربطوا بين حديث الوزير ومرحلة إعداد قوائم الترشيحات للتشريعيات، التي شابتها طبقا لما نشرته العديد من المصادر خروقات وفضائح، تورطت فيها أطراف في عديد المستويات، بما فيها برلمانيين، ولذلك فإن الوزير الذي يملك من المعطيات المتعلقة بمثل هذه القضايا مما لا يملكه غيره، يكون قد انتهز أول فرصة مع وسائل الإعلام ليعلن صراحة على وجوب العمل مثل الدول التي وجدت حلا لإشكالية إفلات أصحاب الحصانة من المتابعات، معتبرا في سياق متصل عدم حرمان القانون للمتابع قضائيا من الترشح لعهدة نيابية واستفادته من الحصانة في حال فوزه بمقعد في البرلمان، «مسألة من ضمن أخرى تقتضي فتح نقاش واسع لحلها».

وإذ لفت ممثل الحكومة إلى أن القانون الجزائري يقر بإجراء رفع الحصانة عن ممثلي الشعب في حال وقعوا في المحرمات، إلا أنه اعترف بأن تنفيذ تدابير رفع الحصانة «تبقى طويلة ومعقدة».

مطلب وزير العدل الذي تم تثبيته في حكومة الوزير الأول الجديد عبد المجيد تبون، لقي ترحيبا ومباركة من قبل العديد من الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، سواء منها المحسوبة على جناح الموالاة أو تلك التي تنضوي تحت لواء المعارضة، حيث أبدت الامينة العامة لحزب العمال تأييدها لفتح نقاش حول مسألة الحصانة، معتبرة هذا الإجراء «انحرافا خطيرا يقنن اللاعقاب». 

كما اتضح من خلال الاستطلاع الذي أجرته «المساء» لآراء النواب في افتتاح العهدة التشريعية الأسبوع الماضي، أن أحزاب الموالاة على غرار الأفلان والارندي، ليست ضد مراجعة مفهوم الحصانة البرلمانية، بل بالعكس تدعو إلى ضبط حدود التمتع بها في أسوار البرلمان، ولم يتوان العض أيضا في المطالبة بإقرار أحكام تسمح برفع الحصانة حتى داخل أسوار البرلمان، عندما يتعلق الامر بحالات القدف والسب والشتم واهانة نائب آخر أو أحد ممثلي الحكومة، مثلما حدث في العهدة السابقة، حيث تعرض العديد من النواب للتعنيف ولم يسلم بعض الوزراء من الشتم والاهانة العلنية..

من جهتها، أبدت أحزاب المعارضة السياسية استعدادا تاما لمرافقة المبادرات التي تم الإعلان عنها بهدف أخلقة العمل السياسي داخل الهيئة التشريعية، ومن هذه المبادرات تلك التي أعلن نواب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن طرحها خلال هذه العهدة، من أجل حمل المجلس الشعبي الوطني إلى مراجعة الحصانة البرلمانية. ولم يتأخر نواب كل من تحالف حركة مجتمع السلم وتحالف اتحاد النهضة والعدالة والبناء وكذا حزب العمال عن إعلان دعمهم لكل المبادرات التي تطرح داخل البرلمان، في هذا المسعى وتهدف إلى تهذيب العمل السياسي وأخلقته، ووضع حد لحالة الانفلات الذي يعرفه العمل التشريعي في الفترة الأخيرة، لا سيما في ظل تنامي المخاوف من تأثير أصحاب المال على العمل السياسي والتشريعي داخل قبة البرلمان، بعد أن جادت التشريعيات الاخيرة على عدد معتبر منهم، وتمكن أزيد من 100 رجال الأعمال من الوصول إلى قصر زيغود يوسف، وهو هذا في وقت كثر فيه الحديث عن لجوء بعض رجال المال إلى دفع أموال خيالية من أجل شراء مقعد، يمكنهم من الحصانة البرلمانية التي يستغلها البعض من اجل بسط النفوذ والانفلات من العقاب.