التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء الجزائر

جرائم ضد الإنسانية مع سبق الإصرار والترصّد

جرائم ضد الإنسانية مع سبق الإصرار والترصّد
  • 155
كريمة. ت كريمة. ت

يحيي الشعب الجزائري غدا الذكرى 65 لأولى التفجيرات النووية التي أجرتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجنوب الجزائري، والتي ستبقى على مرّ التاريخ جرائم ضد الإنسانية ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد ويترتب عنها قيام مسؤولية قانونية عن جريمة غير قابلة للتقادم. 

يعرف ملف جريمة العار التي ارتكبتها الدولة الفرنسية قبل 6 عقود تطوّرات هامة، حيث تم مؤخرا إدراج مطلب الجزائر المتعلق بتحميل فرنسا مسؤولياتها في إزالة المخلفات الكارثية للتفجيرات النووية بشكل واضح وصريح ضمن التشريعات البيئية الوطنية لتعزيز حقوق الأجيال الحالية والقادمة، من خلال نصّ قانوني متعلق بتسيير ومراقبة النفايات وإزالتها، صادق عليه مجلس الأمة شهر جانفي الماضي.

فالجزائريون هم "أصحاب حقّ لن يسقط ويطالبون بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار"، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في خطابه للأمة أمام البرلمان بغرفتيه في ديسمبر الماضي، حيث قال إن "الاستعمار ترك بالجزائر أمراضا يعاني منها أهلنا في الجنوب إلى غاية اليوم". 

كما جدّد رئيس الجمهورية، في حوار أجراه مؤخرا مع جريدة "لوبينيون" الفرنسية، التأكيد على أن معالجة المخلفات المتعلقة بالتفجيرات النووية وباستخدام الأسلحة الكيميائية من طرف فرنسا، مسألة ضرورية لاستئناف التعاون الثنائي، داعيا إلى تسوية نهائية للخلافات المتعلقة بهذا الملف. وأشار إلى أن ملف تنظيف مواقع التفجيرات النووية "ضروري وواجب إنساني وأخلاقي وسياسي وعسكري"، مشيرا إلى هذه العملية ينبغي أن تتم مع السلطات الفرنسية التي عليها أن تكشف بدقة عن المناطق التي أجرت فيها هذه التفجيرات.

ولتدارك المخاطر التي تشكّلها مخلفات التفجيرات النووية، تم في 2021 إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية، حيث أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات. في تلك الفترة، ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أن ما سمته "التجارب" تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين ايكر (تمنراست) في الوقت الذي كانت هذه المناطق تأوي قرابة 20 ألف مواطن مدني.

وبتاريخ 13 فيفري 1960، قامت فرنسا بتفجير أول قنبلة ذرية، في عملية تحمل اسم "اليربوع الأزرق" في سماء رقان، ما تسبّب في كارثة طبيعية وبشرية، ويعادل هذا التفجير الذي تتراوح قوته بين 60 ألف و70 ألف طن من المتفجرات 5 أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان، حسب الخبراء.

ويؤكد المؤرّخون أن فرنسا الاستعمارية قامت خلال الفترة الممتدة ما بين 1960 و1966 بـ57 تجربة نووية وانفجارا شملت 4 تفجيرات جوية بمنطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض بعين إيكر، بالإضافة إلى 35 تفجيرا إضافي بالحمودية و5 تفجيرات على البلوتونيوم بعين إيكر. ولايزال سكان هذه المناطق يعانون الى اليوم من مخلفات التفجيرات، حيث يتم تسجيل سنويا عدة حالات سرطان وتشوّهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة، مع أضرار كبيرة تهدّد السلامة البيئية والإقليمية.

ولم يتم إلى اليوم تسليم السلطات الجزائرية خرائط ومخططات تبيّن أماكن دفن العتاد المستعمل أثناء هذه التفجيرات بالرغم من النداءات والمبادرات الكثيرة التي قامت بها عدة جمعيات للمطالبة بالتكفّل بالضحايا وتطهير مواقع النفايات الإشعاعية واسترجاع الأرشيف الصحي والتقني. ورغم أن هذا الطلب كان ضمن التقرير الذي رفعه المؤرّخ الفرنسي بنجامين ستورا إلى الرئيس الفرنسي ماكرون في 2021، إلا أن فرنسا الرسمية ما زالت تصمّ آذانها تجاه هذا المطلب الذي يعد عصبا محوريا في علاقتها مع الجزائر.