مجاهد وزغيدي في قراءة متجددة لذكرى 20 أوت 55 ـ 56

دعوة إلى إنقاذ الذاكرة من محاولات التهميش والطمس

دعوة إلى إنقاذ الذاكرة من محاولات التهميش والطمس
  • 818

أكد الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، أن ذاكرتنا التاريخية لم يتم الدفاع عنها كما يليق بها، مشيرا إلى ضرورة تحمّل كل طرف مسؤوليته قبل أن يحاسَب الآخرون. وعبّر عن اقتناعه بأن الفرنسيين مازالوا مسكونين بفكرة الاستعمار، وأن التصدي لها يتم عبر معرفة الحقيقة والدفاع عنها بالتعاون مع كل أشراف العالم. واعتبر أستاذ التاريخ لحسن زغيدي، من جانبه، أنه لا يمكن حماية الدولة والحفاظ على استمراريتها والحفاظ على الوحدة الوطنية، إلا بغرس الثقافة التاريخية في الأجيال، متأسفا لكون أبناء الجزائر يحملون حاليا ذاكرة بلا تاريخ.

حملت تدخلات الخبيرين أمس بمنتدى جريدة الشعب في ذكرى يوم المجاهد الذي يحيي هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، حملت تأسفا كبيرا لواقع تدريس وتوريث الذاكرة التاريخية لبلادنا، بسبب ما يشوبه من إقصاء وإرادة في محو هذه الذاكرة من الأجيال الصاعدة.

في هذا الصدد، اعتبر الأستاذ زغيدي أن عدم اعتماد النص التاريخي في المنظومة التربوية هو تقصير في حق التاريخ الوطني، من باب أن تكوين المواطن الوطني يتم بالذاكرة. وقال إن تدريس التاريخ في مختلف أطوار التعليم يتميز بـ التعتيم و«الحشو وبإقصاء غير مباشر لتاريخ الثورة التي يتم تدريسها في السنوات النهائية في آخر البرنامج الدراسي، وهو ما يعني ـ كما لفت إليه ـ أنه من المستحيل دراسته حتى ولو لم يشهد الموسم الدراسي أي يوم إضراب، كما قال.

زغيدي: رزنامة العطل المدرسية اغتيال للتاريخ

وذهب أبعد من ذلك في انتقاد مكانة التاريخ في المنظومة التربوية، عندما قال بأن رزنامة العطل المدرسية تخبرنا بأن هناك إرادة في اغتيال التاريخ. وأوضح أن كل العطل تبرمَج في فترة إحياء الأعياد الوطنية، ولاسيما الفاتح نوفمبر و19 مارس و5 جويلية، وهو ما يعني ـ كما قال ـ عدم إحياء هذه المناسبات التاريخية الهامة في المدارس والجامعات. 

لذا دعا بشدة إلى إعادة النظر في تواريخ العطل، وإلا فإننا سنؤكد مقولة كوشنير، الذي أشار إلى أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا لن تتحسن إلا بعد ذهاب جيل الثورة، ولاسيما ـ كما أضاف ـ أننا نعيش مرحلة تشكيك في كل شيء وإرادة في محاسبة من جاهدوا في سبيل استقلال الجزائر رغم أن الدستور يحمي رموز الثورة.

وطالت انتقادات الأستاذ زغيدي المجال الإعلامي، حيث تأسف لعدم إنشاء قناة تاريخية جزائرية، مستغربا عدم تحقيق هذا المشروع الذي طُرح منذ 1994. وقال إن هناك قناة تاريخية بكل اللغات، وأن الجزائر تُعد صانعة للتاريخ؛ فكيف لا تملك قناة تاريخية؟ معتبرا أن الندوات التي ينظمها مشعل الشهيد وحدها، يمكنها أن تغطي الحجم الساعي للقناة لمدة سنة كاملة. وجدد دعوته لإنشائها بمناسبة إحياء ذكرى 20 أوت.

مجاهد: 20 أوت كان نقطة اللارجعة

هذا التاريخ، كما أشار إليه السيد مجاهد، يمثل تجسيدا لمجموعة من النضالات التي قادها الجزائريون منذ السنوات الأولى لتكوّن الحركة الوطنية، فهو تجسيد لكفاح مؤتمر عمال شمال إفريقيا، وخلاصة نضال نجم شمال إفريقيا، الذي أسسه حاج علي عبد القادر. كما ألح على التذكير به، وهو كذلك ـ كما أضاف  ـ نتاج نضال المنظمة الخاصة.

أحداث 20 أوت 1955 هي كذلك التي استطاعت تحقيق مقولة الشهيد العربي بن مهيدي القائل: اُلقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب، بدون إغفال بعدها المغاربي.

وهي لكل هذا ـ كما أكد - أول صدمة تلقاها المستعمر بعد هزيمة ديان بيان فو، لأنها قطعت الطريق أمام أوهام أن الجزائر فرنسية، حيث كانت نقطة اللارجعة في الحركة الوطنية نقطةَ تحوّل ومنعطف أساس، كانت لها ارتدادات داخلية، إذ كانت نقطة تحوّل للمترددين والمتخلفين عن ركب الثورة، فضلا عن أنها سمحت بعملية فرز لمن هو مع أو ضد الثورة. أما الارتدادات الخارجية فتمثلت في زعزعة الإمبراطورية الأمبرالية وبداية نهايتها. فـ 20 أوت ـ كما أضاف الخبير ـ برهن أن التنظيم هو الذي يعطي لأناس عاديين القدرة على تحقيق أشياء خارقة للعادة.

وبخصوص مؤتمر الصومام وما تضمّنته الوثيقة الصادرة عنه لاسيما ما تعلق بطبيعة الدولة التي يصبو إليها، أكد الأستاذ زغيدي أن المؤتمر تم التحضير له من طرف كل قادة النواحي، وأنهم كلهم أخذوا نسخا من الوثيقة التي خرج بها، والتي نُشرت كاملة في جريدتي المجاهد والمقاومة.

مؤتمر الصومام كان ضد دولة ملكية أو لاهوتية

وشدد على القول إن الدولة المنشودة من طرف المؤتمر لم تكن ملكية ولا لاهوتية وإنما جمهورية ديمقراطية اجتماعية، مذكرا بأن فرنسا حاولت إعطاء صبغة دينية للثورة بتصويرها وكأنها ثورة ضد الصليب والغرب، بينما الثورة الجزائرية كانت حاملة لـ مبادئ إنسانية، وهو ما أدى إلى انضمام عدد من الجزائريين ذوي الأصول الفرنسية من التيار اليساري والليبرالي إليها، ومنهم قس الجزائر. وقال إن وثيقة الصومام وجهت لوما إلى يهود الجزائر، بسبب موقفهم المعادي للثورة. وأوضح أن الدولة التي نادى بها المؤتمر هي دولة ديمقراطية لا تقصي أحدا.

وبخصوص تهميش بعض الشخصيات التاريخية في ذاكرتنا الوطنية ولاسيما من ذوي الأصول الأجنبية، اعتبر الخبير الاستراتيجي عبد العزيز مجاهد أن الأمر لا يتعلق فقط بأجانب أو جزائريين من أصل فرنسي أو أوروبي، وإنما طال كذلك شخصيات ؛ من مجاهدين وشهداء، وأن ذلك مشكل خاص بالجزائريين في حد ذاتهم، ويرجع أحيانا إلى عدم قبول الرأي الآخر.

 

 

 

حنان حيمر