أستاذ القانون الدستوري نصر الدين معمري لـ "المساء":
على المجالس الاستشارية لعب دور أكبر لتحقيق التغيير
- 3625
شدد أستاذ القانون الدستوري بجامعة سطيف، نصر الدين معمري، على ضرورة أن تلعب المجالس الاستشارية التي نصت مسودة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور على توسيع مهامها ومجالات تخصصها، دورا هاما في مسار تحقيق التغيير المنشود في المرحلة القادمة، وأن لا تبقى مجرد أجهزة تعد التقارير الدورية التي لا تطبق توصياتها، مبرزا في هذا الصدد أهمية الدور الذي تضطلع به هذه المجالس على غرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وكذا سلطة الشفافية والوقاية من الفساد والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، مقترحا في المقابل حل بعض هذه الهيئات التي ثبت ضعف مردوديتها، في ظل استهلاكها للأموال دون جدوى، "مثلما هو الحال بالنسبة للمجلس الأعلى للشباب".
وأشار الأستاذ معمري في تصريح لـ"المساء" إلى أنه استنادا للدور الذي حددته مسودة الدستور للمجالس الاستشارية، فإن تطبيق التقارير التي تعدها هذه الأخيرة تبقى رهينة إرادة السلطات التنفيذية التي أوجدتها، حيث تعود صلاحية تنصيبها لرئيس الجمهورية، داعيا إلى ضرورة أن تكون هذه المجالس فعالة وأن تضطلع بدورها الرقابي والاستشاري والتوجيهي في المستقبل وتخرج من دائرة الجمود الذي كانت عليه في السابق، لتواكب مرحلة التغيير التي تعيشها الجزائر، من خلال المساهمة كقوة اقتراح وتوجيه وتقويم للسياسات الحكومية وتساعد في تحديد الأولويات الوطنية.
وذكر المتحدث، أن المؤسسات الاستشارية كانت مضمّنة في الفصل الثالث من الباب الثالث من التعديل الدستوري 2016 المتعلق بالمؤسسات الاستشارية (13 مادة)، وأصبحت ضمن الباب الخامس في مسودة التعديل الدستوري (المواد من 217 إلى 229) حيث صبّت كلها في إطار دسترة بعض المجالس واستحداث أخرى جديدة، بمجموع 7 مجالس وهيئات، دون الحديث عن المجلس الأعلى للغة العربية والمجمع الجزائري للغة الأمازيغية والمجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للأمن، التي أضيفت لها 5 مجالس في التعديل الدستوري لسنة 2016، على غرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي استحدث كهيئة جديدة مكلفة بترقية حقوق الانسان في الجزائر خلفا لـ"الجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان" التي حلت محل "المرصد الوطني لحقوق الإنسان".
وفي حين أبرز أهمية المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يضطلع بترقية أي مسألة تتعلق بحقوق الانسان وتقديم ملاحظات بشأنها، مع تقييم النصوص السارية المفعول على ضوء المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، قلل أستاذ القانون الدستوري من أهمية المجلس الأعلى للشباب، الذي نصت عليه المادة 200 من الدستور (224 في المسودة)، مشيرا إلى أن هذا المجلس استحدث في تعديل 2016، لكنه لم يتشكل إلى غاية اليوم رغم مرور 4 سنوات على دسترته و3 سنوات من صدور المرسوم الرئاسي المنظم له.
ومن ضمن الأسباب التي أثارها الأستاذ معمري لتبرير اقتراحه إلغاء المجلس الأعلى لشباب، تلك المرتبطة بالتجربة التاريخية ذات الصلة بهذه الهيئة، حيث أكد أن "التجربة أثبت فشل المجلس الأعلى للشباب في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، بسبب الصراعات بين ممثلي أحزاب الموالاة، لأسباب تتعلق بالتموقع والهيمنة عليه، فضلا عن تركيز أعضائه على البحث عن الامتيازات والمهمات إلى الخارج، الأمر الذي أدى إلى حل هذا المجلس، بناء على تقارير تفيد بتسجيل أعباء مالية كبيرة نجمت عن نفقات غير مؤسسة، إلى جانب محدودية تأثير الهيئة، واقتصار نشاطها على إعداد تقارير سنوية لم ترق لمستوى تطلعات وطموحات الشباب الجزائري ".
أما الهيئة الاستشارية الهامة التي جسدتها مسودة الدستور حسب الأستاذ معمري، فهي السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والتي كانت ضمن الهيئات الاستشارية في تعديل 2016، تحت تسمية "الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته"، وقد أُسّست هذه الهيئة عام 2006 بموجب القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، قبل أن تتم دسترتها عام 2016، وترفع الهيئة إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا عن تقييم نشاطاتها المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته.
وحصر المتحدث النقائص التي تحول دون لعب هذه الهيئة للدور المناط بها في كون "التوصيات يتم اقتراحها عند الاقتضاء"، بحيث يلاحظ بأن غالبية اختصاصاتها ذات طابع استشاري. "فبالرغم من تسميتها بالهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته إلا أن دورها يتعلق أساسا بالوقاية وليس بالمكافحة خاصة وأن المادة 22 من القانون 06/01 تنص على أنه يتعين على الهيئة عندما تتوصل إلى وقائع ذات وصف جزائي أن تحول الملف إلى وزير العدل، الذي يختص بتحريك الدعوى العمومية عند الاقتضاء".
وأضاف محدثنا يقول "على الرغم من أن المسودة اقترحت تحويل الهيئة إلى مؤسسة رقابة، في الباب الرابع، مع تحويل تسميتها إلى السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته (المادتين 215 و216) وهو ما يعتبر تقدما ملحوظا، إلا أنه يجب دعم هذه السلطة الجديدة بصلاحيات واسعة، لأن مصاب البلاد كله جاء من انتشار ظاهرة الفساد الذي لم تنفع معه الهيئات والقوانين، بدليل أن هذه الآفة عمت بشكل رهيب في البلاد.. ولو كانت الهيئات السابقة ناجعة، لما وصلنا إلى ذلك".
ولدى تطرقه للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ذكر الأستاذ نصر الدين معمري بأن فرنسا كانت من أوائل الدول التي عملت على تشكيل هذا المجلس، قبل أن تعمل الكثير من الدول العربية على إنشائه. وأشار إلى أن الجزائر أحدثت لأول مرة هذا المجلس في سنة 1968، حيث يعد من أهم الأجهزة الاستشارية، مضيفا بأن المجلس مارس وظيفته إلى غاية حله سنة 1976، قبل إعادة إنشائه، مرة أخرى سنة 1993، ثم تمت دسترتِه في التعديل الأخير لسنة 2016، باعتباره هيئة استشارية بالنسبة للحكومة،
وظهر أهمية هذا المجلس، حسب أستاذ القانون الدستوري، في كونه يتولى توفير إطار لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعرض اقتراحات وتوصيات على الحكومة، مع إضافة البعد البيئي له في مسودة التعديل.
وبالنسبة للمجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي، فقد استحدث بموجب المادتان 206 و207 في تعديل 2016 قصد التكفل بمهمة مرافقة السلطات العمومية في تحديد السياسات الوطنية في ميدان البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، ويوضع هذا المجلس لدى الوزير الأول، ويتشكل من صفوة الباحثين والشخصيات العلمية والقدرات التقنية ذات الخبرة المؤكدة في مجال البحث العلمي.
وتبقى هذه المجالس الاستشارية هامة، بنظر الأستاذ معمري في حال أخذت الحكومة بتوصياتها واستنارت بها في إعداد السياسات العمومية وتحررت من الوصاية الفوقية، "بحيث تكون التقارير التي تصدرها عاكسة للواقع ومتلقفة لانشغالات المجتمع المدني الفعال لتصبح منبرا لتسجيل الاقتراحات الجادة من أجل تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية واجتماعية وسياسية منسجمة مع مطامح التغيير الذي نادى به حراك 22 فيفري، وحتى لا تبقى مجرد منابر لتثمين السياسات العمومية مثلما كانت عليه في السابق".