مدير مرصد التسلح بفرنسا:
على باريس الكف عن صمتها بخصوص دفن نفاياتها النووية في الجزائر
- 697
قال باتريس بوفري، مدير "مرصد التسلح" بفرنسا، إنه يتعين على بلاده "أن تبادر إلى حل مشكلة النفايات النووية التي تركتها في بداية الستينيات في الجزائر، ولا أحد يعلم مكان وجودها كونها سر عسكري"، داعيا السلطات الفرنسية إلى وضع حد لصمتها تجاه هذه القضية والتعاون مع السلطات الجزائرية لتطهير مناطق التجارب النووية من نفاياتها، التي ما زالت أضرارها الخطيرة على البيئة وعلى البشر قائمة إلى اليوم".
وأكد بوفري في حديث أجرته معه القناة الإذاعية الفرنسية "إذاعة فرنسا الدولية" أمس، أن "فرنسا عندما أوقفت تجاربها النووية في الجزائر سنة 1966، تركت النفايات المترتبة عن تجاربها النووية الـ17 هناك دون تنظيف لإزالة خطرها على السكان المناطق التي أجريت فيها.
وأضاف مدير "مرصد التسلح"، أن باريس أبقت على مكان أو أماكن دفن النفايات النووية تحت الأرض والوثائق المتعلقة بها "سرا من الأسرار العسكرية" إلى يومنا هذا مما جعل المعلومات حول أماكن إخفائها في الصحراء الجزائرية منعدمة.
وإلى جانب دعوة مدير "مرصد التسلح" من أجل تسوية هذا الملف المعلق منذ أكثر من نصف قرن، انضمت إلى هذه الدعوة منظمة "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية" التي سبق لها أن وجهت العديد من النداءات بهذا الشأن للسلطات الفرنسية، لكنها بقيت دون رد إلى حد الآن.
وسبق لـ570 منظمة غير حكومية عالمية تمثل 105 دول أن أطلقت قبل شهر نداء باسم "الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية" "إيكان" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2017، طالبت من خلاله السلطات الفرنسية باستخراج النفايات النووية المترتبة عن تفجيراتها النووية في الصحراء الجزائرية.
وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما طالبت المجتمع الدولي بـ"ممارسة ضغوط" على فرنسا لإرغامها على استخراج نفاياتها النووية من الجزائر، محذرة في ذلك من آثارها الكارثية التي مازالت تهدد صحة وحياة السكان في مناطق تجريب تلك القنابل.
وكانت "ايكان" أصدرت تقريرا مفصلا بعنوان "تحت الرمال.. نشاط إشعاعي، نفايات التجارب النووية الفرنسية في الجزائر"، أكد من خلاله أن "الماضي النووي لفرنسا لا ينبغي أن يظل مدفونا تحت الرمال، وقد حان الوقت للكشف عن النفايات الناتجة عن التجارب النووية التي أجرتها فرنسا بين عامي 1960 و 1966 في الصحراء الجزائرية ، لضمان الأمن والسلامة الصحية للأجيال الحالية والمستقبلية" .
وأشارت إلى أن "الكشف عن هذه النفايات واستخراجها من الجزائر سيسمح بالحفاظ على البيئة ويفتح عهدا جديدا من العلاقات بين الجزائر وفرنسا"، مضيفة أن "الدراسة ترسم أول جرد لما تم إبقاؤه عمدا من نفايات غير مشعة ومواد ملوثة بالنشاط الإشعاعي جراء التفجيرات النووية ودفنها تحت الرمال، من مفك براغي بسيط ملوث بالنشاط الإشعاعي إلى حطام الطائرات والدبابات".
وقامت فرنسا خلال الفترة الممتدة بين عامي 1960 و1966 بـ57 تجربة نووية وانفجارا، منها أربعة تفجيرات جوية في منطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض في عين إيكر و35 تجربة إضافية في الحمودية في منطقة رقان و5 تجارب على البلوتونيوم في منطقة عين إيكر، الواقعة على بعد 30 كيلومترا من الجبل، الذي أجريت فيه التجارب تحت الأرض.
ونفذ الانفجار الأول في منطقة رقان في 13 فيفري 1960 بقوة تتراوح بين 60 ألف و70 ألف طن من مادة "تي. أن. تي". ووفقا للخبراء فإن هذه القنبلة كانت أقوى بخمس مرات من القنبلة التي أطلقت الولايات المتحدة في مدينة هيروشيما وع نهاية الحرب العالمية الثانية.
ووصل الأمر بالاحتلال الفرنسي إلى تثيبت 150 سجينا جزائريا في أوتاد خشبية كفئران تجارب، لتحليل تأثير الإشعاعات النووية على أجسادهم في تفجير "رقان"، فيما أشار مؤرخون من البلدين إلى أن الجزائريين الذين استخدمتهم فرنسا "كفئران تجارب" في اختباراتها النووية بلغ نحو 42 ألف شخصا.
ومازال سكان مناطق الصحراء يعانون من الإشعاعات النووية لهذه التجارب، حيث كشف باحثون جزائريون في الفيزياء النووية عن وجود صلات بين حالات الإجهاض والتشوهات وأمراض السرطان وأمراض أخرى نادرة أصيب بها سكان المناطق الواقعة في أقصى الجنوب.
ويرى متتبعون أنه على الرغم من سعي باريس لتنظيف وإصلاح ما أفسدته تجاربها النووية في بولينيزيا الفرنسية، الواقعة في المحيط الهادئ بحكم أنها مازالت جزءا من فرنسا، إلا أن ذلك لم يشفع لها أمام المجتمع المدني، بالنظر إلى الأخطار التي تمثلها هذه الجرائم على صحة البيئة والانسان .
ولحد الآن لم تفعل باريس شيئا في الحالة الجزائرية، رغم وجود بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تساهم في حل هذه المعضلة، من بينها الـ "إرادة الحقيقية لدى ماكرون"، على حد قول باتريس بوفري، "لتعزيز العلاقات" مع الجزائر وتجاوز الحواجز المرتبطة بالماضي الاستعماري لبلاده والتقدم إلى الأمام.