إحدى أبشع الجرائم التي حاول التستر عليها وتضليل وقائعها بالشلف
"محرقة صبيح" جريمة ضد الإنسانية في سجل الاحتلال الفرنسي

- 134

تعد محرقة صبيح التي وقعت بمنطقة الدبوسة بين بلديتي الصبحة وعين مران، شمال غرب الشلف في 12 أوت 1845، إحدى أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي في الجزائر وحاول التستر عليها وتضليل وقائعها، غير أن مراسلات قادته المجرمين فضحت هذه الإبادة الجماعية ووثقت استبسال وبطولات أهل المنطقة في مواجهة الاستعمار الغاشم.
وفي هذا الصدد، أوضح أستاذ التاريخ بجامعة مستغانم، الحسين يختار، عشية تخليد الذكرى 180 لمحرقة صبيح كيف سعت فرنسا الاستعمارية لإخفاء هذه المجزرة التي وقعت ضد مواطنين عزل من قبيلة صبيح، وقال إنّ فرنسا الاستعمارية حاولت منذ دخولها إلى الجزائر تضليل الوقائع التاريخية والتستر على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها، على غرار محرقة صبيح التي تعد جريمة مكتملة الأركان وامتدادا لسلسلة المحارق التي اتبعتها في مواجهة المقاومات الشعبية بمنطقة الظهرة بين ولايتي مستغانم والشلف.
وأكد أنّ هذه الحقائق التاريخية لم تكن لتعرف لولا مراسلات قادة المستعمر فيما بينهم، من ضمنها مراسلة الجنرال "سانت أرنو" إلى شقيقه بفرنسا بتاريخ 15 أوت 1845 حين تجرد من الضمير الإنساني وراح يروي كيفية إقدامه على حرق مواطني المنطقة الذين فرّوا إلى شعبة الأبيار بمنطقة الدبوسة، اعتقادا منه أنّ هذه الجريمة ستكون كافية لترهيب الجزائريين ودحض مقاومتهم، إلا أنها شكلت اعترافا ببطولات الشعب الجزائري.
من جهته، قال عضو أكاديمية الذاكرة الوطنية بالشلف، محمد قمومية، إنّ محرقة صبيح تعتبر جريمة ممنهجة ضد الإنسانية وثقها جنرالات فرنسا في رسائل رسمية، ظنوا أنها ستظل سرا لكنها كانت أدلة دامغة على ارتكابهم للإبادة الجماعية وكشفت الوجه الحقيقي للاستعمار.وعلى أنقاض الدمار والمآسي والآثار النفسية والاجتماعية التي خلّفتها سياسات الإبادة الاستعمارية، التهجير القصري والتعذيب في أوساط شعب أعزل، كان قادة المحتل يواصلون تجردهم من القيم الإنسانية في مراسلاتهم الشخصية والرسمية، متباهين بكل برودة بهذه المجازر والجرائم التي اقترفوها.وفي هذا السياق، تطرّق البروفيسور في التاريخ بجامعة "ابن خلدون" بتيارت، محمد بليل، إلى مراسلة الماريشال "بيجو" إلى العقيد "بيليسي" التي يأمره فيها بمحاصرة قبيلة أولاد رياح بمستغانم وحرقهم مثلما فعل "كافينياك" في جوان 1844 مع قبيلة صبيح بضواحي عين مران، الأمر الذي يعني أن محرقة صبيح وقعت مرتين متتاليتين في نفس المنطقة (1844-1845).
وروت مراسلة أخرى للجنرال "كافينياك" تفاصيل المجزرة الرهيبة التي ارتكبها المحتل الفرنسي لإخضاع وإبادة قبيلة بني صبيح التي لعبت دورا فعّالا في دعم مقاومة الشريف بومعزة، إذ يعترف قائلا "لقد تولّى الجنود جمع كميات كبيرة من الحطب ثم وضعوها عند مدخل المغارة التي دفعنا قبيلة بني صبيح للجوء إليها بكل ما تملك من متاع وحيوانات، وفي المساء، أضرمت النار وأخذت جميع الاحتياطات حتى لا يتمكن أي كان من الخروج حيا".