الرئيس تبون لـ "لوفيغارو":

مشروع مراجعة الدستور سيكون جاهزا مطلع الصيف القادم

مشروع مراجعة الدستور سيكون  جاهزا مطلع الصيف القادم
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون
  • 456

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يوم الأربعاء، أن مشروع مراجعة الدستور سيكون "جاهزا مطلع الصيف كأقصى تقدير"، موضحا أنه بعد مصادقة البرلمان على النص سيتم عرضه لاستفتاء شعبي "في أقرب وقت ممكن".

ففي حديث خص به اليومية الفرنسية "لوفيغارو"، قال رئيس الدولة: "سيكون لنا دستورنا مع مطلع الصيف كأقصى تقدير، وسنعمل على تنظيم الاستفتاء في أقرب وقت ممكن".

وقبل ذلك سيكون مشروع المراجعة الدستورية موضوع مناقشة واسعة للفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني. وأوضح في هذا الخصوص أنه "سيتم تسليم نسخة أولية لحوالي 600 طرف من أحزاب وجمعيات ونقابات وهيئات... وسيكون أمامهم شهر لمناقشتها بكل حرية، قبل أن يعود أمام لجنة الصياغة".

وكان رئيس الجمهورية قرر في 8 يناير الماضي، إنشاء لجنة من الخبراء مكلفة بصياغة اقتراحات؛ من أجل مراجعة دستورية؛ بهدف تجسيد أحد الالتزامات التي وضعها على رأس أولويات عهدته في رئاسة الجمهورية، والمتمثلة في تعديل الدستور؛ حيث أكد يقول: "لقد أعطيت لمختصين توجيهات، ووضعت حدودا سيما تلك التي تمس بالهوية الوطنية والوحدة الوطنية، أما الباقي فقابل للتفاوض". كما وصف المراجعة الدستورية"بـ "أولوية الأولويات"، مؤكدا أن "الصيغة النهائية ستسلَّم للبرلمان بغرفتيه، ثم تحال على الاستفتاء الشعبي. وأضاف أن الاستفتاء "سيكون حاسما من أجل الحصول على دستور توافقي"، موضحا أن قراره إحالة مشروع المراجعة الدستورية على الاستفتاء الشعبي، ينمّ عن إرادته عدم وضع تصوّره الخاص للتغيير الدستوري.

وفضلا عن مسار مراجعة الدستور التي شرع فيها في مطلع السنة، فإن رئيس الجمهورية أعلن عن فتح ورشة مراجعة القانون المتعلق بالنظام الانتخابي.

وفي هذا الصدد أكد رئيس الدولة أن "الورشة الثانية ستكون تلك الخاصة بالقانون الانتخابي، الذي من شأنه تحسين مؤسساتنا المنتخبة"، مؤكدا أن "البرلمان الجديد سيتمكن من لعب دور أكبر، لكن من أجل ذلك هو بحاجة إلى أكثر مصداقية، ولا يشوبه أي نقص في الشرعية من حيث التمثيل". وأضاف أن من الشروط الأساسية لذلك "فصل المال عن السياسة".

الحراك حصل تقريبا على كل ما يريد

وفي معرض تطرقه للمظاهرات التي تنظم كل جمعة، فإن الرئيس تبون أكد: "حتى وإن كان هناك في كل جمعة تواجد مواطنين في الشارع، إلا أن الأمور بدأت تتجه نحو التهدئة".

وأضاف في هذا الصدد أن "العديد من الجزائريين فهموا أنه لا يمكن إصلاح وترميم ومعالجة ما تم تهديمه مدة عقد من الزمان، في ظرف شهرين". وتابع يقول: "لقد أديت القسم الدستوري في 19 ديسمبر، لكنني أتقبل أن يُطلب مني بالإسراع، وذلك يعني أن الناس يحذوهم الأمل في التغيير".

وأضاف: "لقد حصل الحراك تقريبا على كل ما يريد، حيث لم تكن هناك عهدة خامسة ولا حتى تمديد للعهدة الرابعة، ثم استقال الرئيس. كما أن الوجوه الأكثر بروزا في النظام السابق قد ذهبوا كذلك، وتم الشروع في مكافحة أولئك الذين دمروا الاقتصاد".

وتبقى بالنسبة له "الإصلاحات السياسية"؛ حيث أكد أنه "جعلها من "أولوياته"؛ قال: "أنا عازم على الذهاب بعيدا في التغيير الجذري من أجل إحداث قطيعة مع الممارسات السيئة، وأخلقة الحياة السياسية وتغيير نمط الحكامة".

الجيش يضطلع بمهامه الدستورية ولا يهتم بالسياسة

وفي رده على سؤال حول الدور الحقيقي للجيش قال رئيس الدولة إن هذا الأخير "يضطلع بمهامه الدستورية، ولا يهتم لا بالسياسة ولا بالاستثمارات ولا بالاقتصاد؛ فهو موجود من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية وحماية الدستور والجزائريين من أي تسلل إرهابي، وكل محاولة لزعزعة استقرار البلاد"، مضيفا: "إنكم لن تجدوا أي أثر لتدخله في حياة المواطن إلا عند الخدمة الوطنية"، مقرا في ذات السياق أنه ليس "مدينا" إلا للشعب الذي انتخبه "بكل حرية وشفافية". "إن الجيش قد دعم ورافق المسار الانتخابي، لكنه لم يحدد أبدا من سيكون رئيسا.

وإذا كنت شاركت في الانتخابات الرئاسية فذلك لأنني كنت أشعر بأن هناك عملا غير مكتمل، فأنتم تعرفون في أي ظروف غادرت رئاسة الحكومة"، يضيف رئيس الدولة لذات الصحيفة، التي ذكّرت بأن السيد تبون أقيل من مهامه في 2017 في أقل من ثلاثة أشهر من تعيينه وزيرا أول؛ لكونه أعلن الحرب على قوى المال. وتابع: "بما أن بلادي كانت تعاني من صعوبات فقد فكرت في تقديم قيمة مضافة حتى وإن كنت على علم بأن تلك تضحية على حساب عائلتي ونفسي؛ إنه الواجب". 

الجمهورية يجب أن تقوم على أسس سليمة

أما في ما يخص أحد مطالب الحراك المتعلقة "بدولة مدنية وليست عسكرية"، فقد أوضح الرئيس تبون أن "هذا الشعار يعود إلى 19 يونيو 1965"؛ تاريخ وصول الرئيس بومدين إلى سدة الحكم.

وعن سؤال حول تحييد "المافيا السياسية والاقتصادية" حيث يقبع العديد من وجوهها الآن في السجن، رد رئيس الجمهورية بأن "الفساد وتكديس المال الفاسد لا يزول بمجرد جرة قلم"، مضيفا أن "رأس المافيا قد قُطعت، لكن الجسد لازال موجودا"، وأن المال الفاسد لازال متداوَلا؛ "حيث يمثل كل يوم مسؤولون جدد ورجال أعمال مزيّفون، أمام العدالة".

كما أشار إلى أن أسس الدولة الجزائرية "يجب أن تكون سليمة"، مضيفا في هذا الصدد: "ما ينتظرنا أكبر من أعمال سيزيف". وتابع يقول: "نحن بصدد إعادة البناء، لكن ذلك سيأخذ بعض الوقت، حيث لا توجد دولة حديثة بُنيت خلال جيل واحد؛ فالجمهورية الخامسة في فرنسا بدأت في سنة 1958 من القرن الماضي، فلنبدأ بتسطير معالم دولتنا الجديدة على المستوى الدستوري، ثم المؤسساتي، ليعقبها الاقتصادي".

وأكد رئيس الدولة في هذا الصدد على "ضرورة إخراج الجزائر من التبعية للمحروقات"، معتبرا أن هذه "الثروة الإلهية القابلة للنضوب يجب أن تعود علينا بثروات أكثر استدامة". كما أكد أن "الجزائر تزخر بموارد أخرى، من أهمها الشباب المتعلمون؛ لقد ظل جيلي متقوقعا، لكن الشباب هم في اتصال مع العالم بأسره؛ حيث إن شبابا متكونين في مقاعد المدرسة الجزائرية أصبحوا مطلوبين من أجل نشاطهم ومهاراتهم في كل أنحاء العالم؛ في الولايات المتحدة وفي أوروبا".

وقال رئيس الدولة: "في ظل هذا التصور المعولم ومن خلال تنافس سليم وعصري سنقوم ببناء صرح اقتصادي جديد، يقوم على تثمين الإنتاج الوطني واقتصاد المعرفة والانتقال الطاقوي". وأضاف الرئيس تبون أن "الشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حجر الزاوية في هذا الصرح". كما أكد: "سنفكر في تثمين أمثل لمنتجاتنا الفلاحية بدون وضع أنفسنا في وضعيات غير عقلانية من الإنتاج المفرط والندرة"، متأسفا لكون "شركاء الجزائر ينظرون إليها على أنها سوق استهلاكية".

وأشار في هذا الخصوص: "مشاكلنا تأتي من الاستيراد غير المضبوط، والمنطوي على تضخيم الفواتير التي تُعتبر مرتعا للفساد الذي تسهله العديد من البلدان الأوروبية؛ حيث تتم العمليات المصرفية، وتضخيم الفواتير، واستثمار الأموال المحولة بطرق غير مشروعة، وذلك قد أضر بالاقتصاد الوطني". وأعلن في هذا السياق، عن توقيف استيراد أجزاء تركيب السيارات؛ حيث تساءل رئيس الدولة: "مصنع رونو الموجود هنا لا علاقة له بما هو موجود في المغرب؛ فكيف يمكن خلق مناصب شغل في حين أنه لا يوجد أي إدماج ولا مناولة؟".

وبخصوص المادة 63 (51 سابقا) من الدستور التي تحرم الجزائر من العديد من الكفاءات؛ كونها تمنع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب سامية في الدولة، أوضح الرئيس أن "هذه المادة سيتم تغييرها".

وأكد أن المهاجرين من أصل جزائري بالخارج، لهم مكانة كاملة هنا. "ونحن نسعى لأن لا يكون هناك فارق بين المواطنين المهاجرين ومن هم في البلد؛ فلهم نفس الحقوق والإمكانيات؛ سواء كانت هجرتهم مؤقتة أو نهائية إلى الخارج، يبقى بلدهم الأصلي هو الجزائر، وهم مرحب بهم فيه".

وفي المقابل، أكد رئيس الدولة أن "بعض المناصب الحساسة جدا والتي تمس بالأمن الوطني، لا يمكن أن تكون متاحة لأيٍّ كان".

وفي ما يتعلق بمسألة الذاكرة كشف الرئيس تبون عن اتصالات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي "يحاول تسوية هذا المشكل الذي يسمم العلاقات بين البلدين"، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي "يتعرض أحيانا لسوء الفهم، وأحيانا أخرى لهجمات لاذعة من قبل لوبيات قوية جدا". وتابع يقول: "هنالك لوبي انتقامي يحلم بالجنّة الضائعة، ويتحدث عن خيانة ديغول وأمور أخرى... استقلالنا مضى عليه حوالي 60 سنة، ومن الغريب أن تعود الجزائر في كل مرة إلى واجهة الأحداث السياسية الفرنسية! وعندما يصل الأمر إلى إصدار قانون يمجد الاستعمار فنحن بعيدون عما ننتظره".

من أجل علاقات سليمة مع فرنسا

أكد رئيس الدولة أن الجزائر تعمل من أجل "علاقات سليمة مع فرنسا، قائمة على الاحترام المتبادَل"، معتبرا أنه "يجب في وقت ما النظر إلى الحقيقة مباشرة؛ الخطوة الأولى هي الاعتراف بما وقع، والخطوة الثانية هي إدانته". وقال الرئيس تبون إنه "لا بد من الشجاعة في السياسة"، مضيفا أن "هناك لوبيا آخر (المغرب/ مذكرة تحرير) ترتكز سياسته بالإجمال، على كبح الجزائر". وأوضح أنه "لوبي بصلات اقتصادية واجتماعية ويخاف من الجزائر، وحتى لما تتدخل الجزائر لاقتراح تسويات سلمية لأزمات، يحاول هذا اللوبي التدخل بحجة أنه معني أيضا".

وردّا على سؤال حول الجهود التي يجب أن تبذلها الجزائر لتفادي الاستغلال السياسي ضغينة ما تجاه فرنسا قال الرئيس: "من جانبنا ليس هناك أي حقد أو ضغينة "، موضحا أن "هناك ردود فعل على أعمال البغض وكراهية الأجانب وكراهية الإسلام التي تتجلى من الجانب الآخر، هذا ما شرحته للرئيس ماكرون".

وأفاد رئيس الدولة بهذا الخصوص قائلا: "الجزائريون لا يريدون التدخل في شؤونهم"، متسائلا: "كيف يمكن اقتراح مرحلة انتقالية بالجزائر أو التدخل في خيار شعبها؟". وأبرز: "يحق للجزائريين وحدهم تسوية هذه القضية، وعلى الآخرين أن يستوعبوا أننا غيورون بشدة على سيادتنا التي استرجعناها مقابل ثمن باهظ". وقال السيد الرئيس: "عندما رأينا شبابا أمام أعين متفرجة بل متواطئة مع الشرطة الفرنسية، يضربون أشخاصا مسنين أقبلوا على قنصليتهم للانتخاب خلال الاستحقاقات الرئاسية الجزائرية الأخيرة، تساءلنا هل نحن حقا في دولة ديمقراطية؟"، مضيفا: "الكثير من الجزائريين في فرنسا كانوا يريدون الذهاب للتصويت لكنهم كانوا خائفين. بالنسبة لنا القضية لم تطوَ بعد، والتحقيق متواصل".

لو تُرك الأمر لنا لكان المشكل المالي سُوّي منذ زمن بعيد

ومن جهة أخرى وبخصوص الوضع في مالي وهل فرنسا تبحث عن دعم الجزائر، قال رئيس الجمهورية إن الأمر كذلك بالنسبة للرئيس ماكرون، بينما الأمر مخالف لسابقيه. واسترسل يقول: "لو تُرك الأمر لنا لكان المشكل المالي سُوي منذ زمن بعيد؛ فالجزائر طرحت حلولا على الماليين منذ 1962". وفي ذات السياق أكد الرئيس: "إنهم إخوة؛ مشاكلهم هي مشاكلنا. لقد كان اتفاق الجزائر بالكاد مثاليا. وكان السبيل الوحيد الممكن ليندمج جنوب مالي مع شماله في هياكله ومؤسساته، لكن فرنسا الرسمية أرادت تسوية المشكل عسكريا". "انسحبنا وانظروا ما يحدث في الميدان"، مذكرا بأن "الحلول العسكرية لم تحلّ أبدا المشاكل، بل على العكس؛ في حالتنا تعقَّد الأوضاع، وتفتَّح الطريق للإرهابين"، مشددا على ضرورة "العودة إلى اتفاق الجزائر".

وبخصوص مجموعة دول منطقة الساحل الخمس اعتبر السيد تبون أن هذه القوة "ليس لها القدرات العسكرية لمكافحة الإرهاب بفعالية".

نحن قادرون على إحلال السلم سريعا في ليبيا

وحول الأزمة الليبية ذكر رئيس الدولة أن الجزائر منذ 2011 قالت إن "المشاكل لا تُحل بهذه الطريقة"، مضيفا: "لو كان القذافي يشكل مشكلا لوقع على عاتق مواطنيه أن يقرروا مصيره؛ "اليوم لا بد من دفع الليبيين نحو الحوار وإعادة بناء دولتهم". واستطرد يقول: "لو منحنا مجلس الأمن الأممي الصلاحيات فنحن قادرون على إحلال السلم سريعا في ليبيا؛ لأن الجزائر وسيط صادق وموثوق، ويحظى بالقبول لدى كل القبائل الليبية". وشدد الرئيس تبون: "لا يجب خوض حروب بالوكالة، لا بد من الالتزام بعدم بيع أسلحة،

وتوقيف جلب مرتزقة"، مشيرا إلى أن الجزائر "تقدم لليبيين الأغذية والأدوية وليس الأسلحة للاقتتال". وحذّر قائلا: "إذا تواصل تفكك الدولة في ليبيا لسنة أو سنة ونصف فسيكون لأوروبا ومنطقة حوض المتوسط صومال آخر على حدودها، مع ما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على استقرارها وأمنها".

«الحظوظ الحالية لليبيا تكمن في كون قبائلها الكبرى -يضيف الرئيس - لم تحمل السلاح، وهي كلها مستعدة للقدوم إلى الجزائر لصياغة مستقبل مشترك معا، موضحا: "نحن الوحيدون الذين اقترحوا حلولا سلمية بدون انتظار مقابل، لكننا لم نُترك لفعل ذلك، مع أن الجزائر ليس لها أي أهداف هيمنة أو أطماع في ثروات هذا البلد الشقيق، الذي فتح لنا أبوابه خلال حربنا التحريرية".