8 ماي 1945 بقالمة
نساء بقرت بطونهن وأحرقت جثثهن
- 1149
بحلول 8 ماي من كل سنة يستحضر سكان ولاية قالمة تلك المجازر الوحشية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي سنة 1945 على غرار ما تعرضت له بعدة بلدياتها عشرات النساء اللواتي بقرت بطونهن وأحرقت جثثهن في بيوتهن من طرف المليشيات الفرنسية من دون شفقة ولا رحمة.
فبعد مرور 75 سنة عن تلك الأحداث، قال أحمد الشريف شهيب، من مواليد 1930 مقيم ببلدية هيليوبوليس التي شهدت أبشع الممارسات الوحشية للمستعمر الفرنسي، بأن عمره كان وقتها ما بين 14 و15 سنة وكان يقطن رفقة عائلته بدوار بوزيتون، القريب من مركز البلدية، مضيفا بأنه يتذكر حينما هجم الفرنسيون على الدوار وقتلوا كل من وجدوه أمامهم، غير مفرقين بين صغير أو كبير ولا رجل أو امرأة، ما أجبر عائلته على الهروب إلى منطقة عين الصيد ثم الهروب كليا إلى جبال هوارة.
وبذات البلدية، قدم حسان لكحل ذي الـ44 سنة شهادة مكتوبة تركها له أبوه المجاهد المتوفى "مبروك " الذي كان حينها يبلغ من العمر 28 سنة يقول فيها: "إن الأيام التي تلت 8 ماي 1945، كانت صعبة وتكثفت فيها عمليات الاعتقال والتصفية التي قام بها الفرنسيون حتى أنهم قاموا ببقر بطون 14 امرأة من سكان المنطقة في ليلة واحدة "، مشيرا إلى أن عائلات تقطن بمنازل متفرقة تم إعدامها كليا، كما قامت الطائرات بقنبلة كل المشاتي والدواوير المتواجدة ما بين هيليوبوليس وحمام أولاد علي.
وتتقاطع تلك الشهادة المكتوبة مع ما تتداوله عائلة "بن هارون" عن قصة قتل وتصفية ما يفوق 20 امرأة من نساء العائلة ومعهن أطفالهن من طرف الفرنسيين ،حينما وجودهم في وليمة عائلية بدوار بوقرقار بين هيليوبوليس وبومهرة أحمد، حيث تحولت فرحة العائلة إلى قصة حزينة يحفظ تفاصيلها الكبير والصغير.
من جهته، أفاد عيسى بوثلجة، المولود سنة 1931 بنفس المنطقة أن صورة تلك الأحداث ما تزال عالقة في ذهنه وقد كان حينها يبلغ من العمر 14 سنة، مضيفا بأن سكان المنطقة كانوا يشمون رائحة الجثث البشرية من المواطنين العزل التي كانت تحرق بفرن الجير بإحدى مزارع الكولون وذلك لكثرة الجثث المحروقة و لطول مدة الحرق.
وأضاف المتحدث بأنه يتذكر أيضا كيف كانت الجندرمة الفرنسية ومعها أفراد المليشيات من أصحاب المزارع يقومون بإخراج الجزائريين من رجال ونساء من المنازل وأخذهم في الشاحنات لإعدامهم بالمكان المعروف بكاف "البومبة" ثم إحراقهم، مركزا على ذلك المشهد الذي لم يفارق عينيه - كما قال- حينما تم أخذ أحد أفراد عائلة "بوعرعور" لقتله لكن أخيه المدعو علاوة قال لهم:
"خذوني مكانه لأنه لديه أطفال وأنا غير متزوج وفعلا فقد أخذوه وقتلوه مكان أخيه ".
نفيسة الحامل التي قتلت رفقة زوجها و ابنهما ثم أحرقوا
وتمثل قصة السيدة نفيسة كاتب، أكثر المشاهد بشاعة للمجازر التي قامت بها المليشيات الفرنسية في تلك الأيام، حيث تفيد شهادة قدمها في وقت سابق المجاهد الساسي بن حملة وذلك بأيام قليلة قبل وفاته في 2013 بأن المرأة كانت حامل في شهرها السادس وبعدما قتل الفرنسيون زوجها محمد وابنهما إبراهيم ذي الـ12 ربيعا أمام عينيها بالجسر الصغير لبلدية بلخير (2 كلم شرق مدينة قالمة)، قاموا بقتلها وجنينها رميا بالرصاص ثم أخذوا كل أفراد العائلة وأحرقوهم بفرن الجير بهيليوبوليس.
ويروي مناضلون ينتمون لجمعية 8 مايو 1945 بقالمة العديد من القصص الأليمة في تلك الأحداث على غرار الطريقة الوحشية التي أعدمت بها الزهرة رقي من طرف المليشيات الدموية بعد قطع أجزاء من جسمها تحت أعين أخويها محمد وحفيظ ثم نقلها من مدينة قالمة لإحراقها بالفرن.
كما تحكي مزرعة بن يخلف التي ما تزال تشهد لحد الآن بمدخل بلدية لخزارة عن الإعدام الجماعي الذي تعرضت له عائلة صاحب المزرعة التي راح 20 فردا منها أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ ضحية الوحشية الكبيرة للفرنسيين من جندرمة ومعاونيهم من الكولون .
وتضاف قصص النساء والأطفال إلى تلك المجازر التي ارتكبتها آلة المستعمر الغاشم ضد الناشطين في الحركة الوطنية من الشباب المتطلعين لاستقلال الجزائر في تلك الفترة على غرار الإعدام الجماعي رميا بالرصاص وباستعمال المقصلة الذي كان ينفذ بالثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة واستهدف مجموعة من الشباب المشاركين في المسيرة وهم : بلعزوق السعيد والأخوين عبده علي واسماعين وبن صويلح عبد الكريم ودواورية محمد، إضافة إلى ورتسي عمار ومبروك وشرفي مسعود وأومرزوق محند أمزيان.
وبمرور السنوات، رحل أغلب شهود العيان الذين عايشوا تلك المجازر ولم يبق منهم حاليا سوى عبد الله يلس البالغ من العمر 95 سنة والمقيم ببلدية قالمة، لكنه يعاني من المرض بسبب تقدمه في السن زيادة على أنه أول ضحايا الجرائم الاستعمارية بعدما أصيب في ساقه خلال مشاركته في المسيرة التي كانت يوم الثلاثاء تزامنا مع السوق الأسبوعي، حسب تصريحات سابقة أدلى بها ل/وأج و هو أحد مؤسسي جمعية 8 ماي 1945 ورئيسها الشرفي.
ولكي يتم حمل المشعل ومواصلة مسيرة الدفاع عن الذاكرة الوطنية، فقد بادر بعض المتطوعين بتجديد اعتماد جمعية 8 ماي 1945 التي أغلق مقرها بصفة كلية منذ عامين عقب وفاة أمينها العام السابق، عبد العزيز باره.
وأشار إبراهيم عفيفي الذي يشغل حاليا منصب الأمين العام لذات الجمعية بأن الهدف الأول يتمثل في حماية وترميم كل المعالم الشاهدة على بشاعة تلك المجازر.
وحسب السيد عفيفي، فإن ولاية قالمة تحصي 11 موقعا شاهدا على المجازر الوحشية التي ارتكبها المستعمر بداية من 8 ماي 1945 كما استمرت عمليات القتل والتصفيات الجسدية متواصلة لأكثر من شهرين، مشيرا إلى أن هذه المواقع توجد ببلديات قالمة وبلخير وبومهرة أحمد ولخزارة ووادي الشحم وهيليوبوليس و عين العربي .
وفي مقدمة المعالم التي ستعمل الجمعية على ترميمها فرن الجير الذي كان تابعا للمعمر "مرسال لافي بمنطقة هيليوبوليس كان يستعمله في حرق الحجارة وتحويلها إلى مادة الجير، لكنه حوله إلى "محرقة بشرية"، كما أن الجمعية بصدد القيام بدراسة تقنية شاملة للموقع لإيجاد معالمه الحقيقية و إعادة ترميمه بنفس الشكل الذي كان عليه أثناء الحقبة الاستعمارية بهدف تحويله إلى معلم تاريخي.