أكلة شعبية يعشقها سكان الباهية

‘’الكارنتيكا".. طبق ابتكره الإسبان واحتضنه الجزائريون

‘’الكارنتيكا".. طبق ابتكره الإسبان واحتضنه الجزائريون
  • 768
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

لا تزال أكلة "الكارانتيكا" أو ما يعرف في العاصمة بـ"القرنطيطة"، إحدى الأكلات الشعبية المفضلة لدى المجتمع "الوهراني"، والذي لا يمكن للسائح أو زائر المدينة، تفويت فرصة تذوقها من عند أحد المحلات التي تعد بالعشرات، والتي ما زالت تحضرها بنفس الوصفة الاصلية التي يعرفها سكان "الباهية" منذ القدم، والتي حسب المؤرخين والمختصين في تقاليد الطبخ، وصفة تعود للإسبان عند غزوهم هذه المدينة الساحلية، التي تقع على بعد 500 كيلومتر غرب الجزائر العاصمة، ولُقبت بـ"باريس الصغيرة"، بالنظر إلى نقاط شبه كثيرة بينهما.

لقد كانت "الكارانتيكا" أكلة الفقراء بامتياز، إذ كانت العائلات ذوات الدخل المحدود تحضرها بشكل ملفت للانتباه، نظرا لسعرها الذي يعتبر في متناول الجميع، ولا تتطلب مقادير كثيرة لتحضيرها، على اعتبار أنها تتشكل من الحمص المطحون وبعض التوابل فقط، كما أنها مغذية لغناها بالبروتين، إلا أنه في السنوات الماضية، تجاوزت موائد الفقراء، لتستقطب جميع الشرائح، وتصبح أكلة تدل على هوية وهران، لا على طبقة مجتمعية، بل وتخصصت في تحضيرها بعض المطاعم، التي جعلت واجهاتها وجمال محلاتها قد يصنفها من المطاعم الراقية التي تقدم تلك الأكلة بشكل خاص، تستهوي كل الفئات.

ولئن باتت المطاعم والفضاءات التي تقدم الأطباق المحلية جد منتشرة في المدينة، بالنظر إلى تزايد الفعل السياحي وهيمنة الروح الاستهلاكية، والبحث عن تجارب محلية، فإن أكلة "الكارانتيكا" أو "الكاران" أو "القرنطيطة"، وجدت مكانتها وسط تلك المحلات المتنافسة، والتي لا تزال حتى بعض الدكاكين القديمة محافظة على مكانتها في الشوارع ومحلها بين قلوب هذه المدينة التاريخية، بل إنها أول أكلة تتوفر منذ الثامنة صباحا، وآخر أكلة تنفذ في حدود منتصف الليل، يجد المدمنون عليها راحتهم في توفرها على مدار اليوم.

تكاد الأبحاث الخاصة بتاريخ الطعام في الفضاء الجزائري، على قلتها، تجمع على أن أصل التسمية مشتق من الكلمة الإسبانية "كالانتيتا" أي الساخن، وفعلًا فقد سمعنا أكثر من واحد من سكان وهران، خاصة الجيل القديم يسميها "الدافي" أو "الحامي"، كما أنها إسبانية الاختراع، إذ يعود ذلك إلى أن العثمانيين الذين حاصروا الحامية الإسبانية في حصن المدينة، في القرن الثامن عشر، فلم يجد الطباخون، أمام نفاذ المؤونة، إلا الحمص الذي لم يكن عادة ذا أهمية تذكر، وأمام الجوع الشديد والحاجة إلى الغذاء، اخترع الجنود الإسبان هذه الأكلة وطبخوها بما بقي لديهم من ملح وماء، فأبدعوا منه هذه الأكلة التي اخترقت المدينة بعد فك الحصار، ووصل إشعاعها إلى الجزائر العاصمة، ومدينة فاس المغربية، مع تغييراتٍ في الاسم والشكل والنكهة.

للإشارة، تتكون "الكارانتيكا"، من طحين الحمص الممزوج بالماء والبيض المخفوق والزيت والكمون، يترك الخليط فترة ليتماسك، ثم يوضع في الفرن ليستوي، ويؤكل ساخنًا إما في شكل مربعات، أو يوضع في الخبز في شكل ساندويتش. ولئن كان المنشأ وليد الحاجة في الحصن الإسباني، حتى باتت تسمى أكلة "القليل" أي الفقير، فقد تجاوزت "الكارنتيكا" هذا المقام، لتستقطب جميع الشرائح، بما فيها البرجوازية، وتصبح أكلة تدل على هوية لا على طبقة اجتماعية، إذ يكفي القليل منها للشعور بالشبع.

في حي "العقيد لطفي" العريق، وسط مدينة وهران، يعكف العم بومدين على إعداد "الكاران"، منذ 30 سنة، بنفس الوصفة الأصلية التي نقلتها له أمه على حد حديثه، قائلا: "أعتقد أن حب الناس للكارانتيكا التي أعدها، راجع إلى أنني أحضرها بنفس الطريقة منذ ثلاثين سنة، لا أغير فيها مقدارا واحدا، وأبحث دائما على نفس نوعية طحين الحمص لتحقيق أكلة أصلية بنوعية جيدة".