أمانة شهيد الجهادين
يشاء الله تعالى أن يتوفى القائد والمجاهد قايد صالح في ظرف الجزائر فيه أحوج ما تكون إلى أمثاله في الوفاء للجزائر وللشهداء ورسالتهم، بعد أن أدى واجبه كاملا تجاه بلاده وشعبه من ريعان الشباب إلى آخر العمر.
فهذا المجاهد الذي تربى في أحضان الثورة التحريرية بين صفوف جيش التحرير الوطني وساير مسيرة بناء الجيش الوطني الشعبي يعرف هذه المؤسسة ربما أكثر مما يعرف أسرته، بحكم مهامه وانشغالاته بالقضايا الاستراتيجية للأمة كبيرها وصغيرها، وقد ترك وراءه جيشا عصريا ذا عقيدة دفاعية وذا ولاء وإخلاص للوطن، وقد أثبت ذلك في كل الظروف الصعبة التي عاشها البلد، حيث تصدى لكل التحديات وأحبط كل المناورات التي تحاك ضده.
عزاؤنا اليوم في فقيد الأمة عامة والمؤسسة العسكرية بصفة خاصة أنه ترك مؤسسة عسكرية حديثة تضطلع بمهامها الدستورية بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهو ما أثبتته الأزمة السياسية التي دخلت فيها الجزائر عشية انطلاق الحراك الشعبي في ٢٢ فيفري ٢٠١٩، وعرف الجيش بحنكة قيادته كيف يختار الموقف الصحيح بالوقوف في صف الشعب فأيد مطالبه ووعد بمرافقته من أجل تلبيتها كاملة غير منقوصة في الإطار الدستوري الذي يحفظ مؤسسات الدولة ويضمن استمراريتها.
واستكمل الفريق قايد صالح مهمته ولعلها الأصعب في حياته الجهادية والعسكرية - بتنظيم الانتخابات الرئاسية في ١٢ ديسمبر الجاري (٢٠١٩) التي رأى فيها الطريق الوحيد والأمثل لإخراج الجزائر من أزمتها السياسية، وثبت على موقفه (موقف المؤسسة العسكرية)، وسط طوفان من الاقتراحات وأشباه الحلول المرتجلة التي يفتقد أصحابها إلى النظرة الشاملة والثاقبة لأوضاع الجزائر في هذا الظرف الحساس سواء الداخلية منها أو الإقليمية والدولية، والتي كان يقع حمل عواقبها السلبية على عاتق الجيش والشعب بعد أن يركن أصحابها إلى ركن أمين هنا في الجزائر أو خارجها احتماء بالأطراف التي ألهمتهم تلك الحلول المبنية على نوايا مبيتة للإضرار بالجزائر وبشعبها وبمستقبل شبابها.
هذه المواقف من قيادة المؤسسة العسكرية بخصوص مصالح الشعب والأمة زادت من ثقة الشعب في جيشه وأصبحت وساما على صدر كل فرد من أفراد الجيش الوطني الشعبي وعنوان العلاقة بين الجيش والشعب، إنه الوسام الذي تركه فقيد الجزائر أمانة للمؤسسة العسكرية، كما ترك للشعب جيشا يعتز به يحميه ويتخندق معه، ويحمي أمنه ووحدته ووحدة وطنه، ويجده إلى جانبه في السراء والضراء، من الاضطرابات الجوية إلى الكوارث الطبيعية والأزمات الاجتماعية.
هذه الأمانة بكل أبعادها التي تركها الفريق المجاهد قايد صالح للجيش وللشعب، ترك للشعب جيشا يعتز به وترك للجيش شعبا يفتخر به يلتف حوله ويعضده في أداء مهامه الدستورية.
ونسأل الله أن تكون هذه الإنجازات حسن خاتمة لشهيد الجهادين وأن ينزله منزل من قال فيهم "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".
فرحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.