الدبلوماسية الحكيمة
ثبتت الديبلوماسية الجزائرية على مواقفها من حل النزاعات سواء داخل البلد الواحد أو بين دولتين، والذي لا تراه إلا حلا سياسيا يبقي للأطراف المتنازعة ما يمكن من أن تجتمع عليه لبناء الثقة والجلوس إلى طاولة الحوار لتجاوز الخلافات والاتفاق على حل تفاوضي للأزمة مهما كانت حدتها.
وثبتت أيضا على رؤيتها في أن الصراع المسلح لا يزيد الأزمة إلا تعقيدا، كما لا يزيد العوامل المشتركة بين الفرقاء إلا تقويضا، فتسد كل السبل أمام محاولات فض النزاعات سلميا.
وهاهي الأزمة الليبية مع تطوراتها المأساوية على البلد نفسه وعلى دول الجوار والمحيط المتوسطي والساحل الإفريقي إذا ما انفلت الوضع أكثر مما هو عليه اليوم، تعيد طرح الحل السلمي بين الفرقاء بإلحاح كما نادت به الجزائر منذ بداية الأزمة الأمنية في هذا البلد وبذلت قصارى جهدها مع الفرقاء الليبيين وفي الإطار الإقليمي (الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية) لحل الأزمة سلميا، غير أن التدخلات الخارجية وتجاذبات المصالح أرادت غير ذلك حتى وصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم من التعقيد.
وهاهي الجزائر اليوم بفضل حكمة دبلوماسيتها وبُعد نظرها ومعرفتها بالظروف الإقليمية وكذا موقعها الجيوستراتيجي ودورها المحوري في المنطقة، تصبح من جديد مسرح تحرك دبلوماسي مكثف بحثا عن حل سلمي للأزمة في ليبيا يناقشه الليبيون أنفسهم وتساعدهم عليه دول الجوار والمحيط القريب وتزكيه هيئات الأمم المتحدة التي دعتها الجزائر في كل مناسبة إلى تحمل مسؤولياتها في هذا الملف الذي يهدد خطره شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وجنوب أوروبا بشكل مباشر.
وقد يسأل سائل لماذا الدبلوماسية الجزائر بالذات في هذه الأيام.. فيجاب لأنها أثبتت في السابق وحتى اليوم بأن حل المشاكل الداخلية لأي بلد يتم بين أبناء شعبه، وأن موقفها الواضح هذا لم يبن على حسابات ضيقة وعلى أجندات إقليمية، بل نابع من قناعة راسخة ومبادئ ثابتة مستمدة من ثورتها ومنسجمة مع القوانين الدولية ذات الصلة، وهو ما رشحها ويرشحها للمساهمة الفعالة في التسوية السلمية لمثل هذه الملفات التي لا تتحمل المتاجرة بها.