"المساء” تجس نبض الاحتراف في كرة القدم

اللاعب المحلي... أو الموهبة الضائعة

اللاعب المحلي... أو الموهبة الضائعة
  • 950

بقدر ما تتعزز صفوف الفريق الوطني بلاعبين، يأتون من مختلف البطولات الأجنبية، وبشكل خاص من الفرق الأوروبية، بقدر ما تضمحل وتتلاشى حظوظ اللاعب المحلي، في تقمص الألوان الوطنية.

وعندما نقول اللاعب المحلي، نقصد العنصر الذي ينشط في البطولة المحترفة المحلية، فالقول إن لدينا منتخب محلي (مثل الذي فاز بلقب بطولة الأمم العربية بقطر)، يبدو في نظر الكثير من الاختصاصيين والمحللين في هذه الرياضة غير صحيح، ما دام أن الأغلبية الكبيرة من اللاعبين، الذين شكلوا تعداد التشكيلة، التي يقود عارضتها الفنية المدرب مجيد بوقرة، ينشطون في بطولات أجنبية، وتم تدعيمها بلاعبين من المنتخب الوطني الذي يقوده بلماضي مثل الحارس رايس مبولحي والمدافعين عيسى ماندي وبن عيادة، فتسمية هذا المنتخب بـ"المحلي ” غير منطقي ما دام انه يضم فقط ثلاثة أو أربعة لاعبين ينتمون إلى البطولة الاحترافية المحلية، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أننا بعيدين كل البعد عن تكوين أو إعداد فريق وطني  محلي، قادر على رفع التحدي على المستوى الدولي.

الوهم التونسي والخليجي

هناك من سارع إلى الاعتقاد، أن كرة القدم في بلادنا أو بالأحرى البطولة الاحترافية، تحسن مستواها وأداؤها بمجرد أنها أصبحت تصدر لاعبين إلى خارج الوطن مثل تونس وبلدان الخليج، هل البطولة التونسية والخليجية التي أصبحت تستقبل  اللاعبين الجزائريين، تعد أحسن من نظيرتها في الجزائر؟، سؤال جدير بالطرح، كون البطولة في تونس الشقيقة مثلا، عجزت عن تكوين لاعبين قادرين على فرض أنفسهم في البطولات الأوروبية، كما لا يمكن أن تغرنا بطولات دول الخليج، التي تستقبل أيضا لاعبين جزائريين وآخرين من مختلف الجنسيات، لكن مستواها ضعيف، ولا يمكن مقارنته بأي بطولة في العالم، وعادة ما يلتحق بهذه المنافسة لاعبون في نهاية مشوارهم الرياضي، فضلا عن أن اختيار اللعب في هذه البطولات، يراد منه اكتساب المال و الشهرة وليس تحسين المستوى.

مدرسة ”بارادو”..  الاستثناء

عرفت الجزائر في السنوات الأخيرة، عدة تجارب ترمي إلى تحسين مستوى اللاعب الجزائري، فتم إنشاء مدارس خاصة  في كرة القدم للفئات الشبانية، البعض منها سعى إلى ترسيم تعاون، في مجال التكوين مع مدارس أوروبية في كرة القدم، لكن لم نلمس أي أثر إيجابي لهذا التعاون، ما دام أن هذه الأخيرة لم تستقبل إلى حد الآن لاعبين جزائريين، لا في فئة الشباب ولا في فئة الأكابر.

بل إن الأندية الجزائرية المنتمية لمختلف أطوار المنافسة، تأبى أن تجلب لاعبين من هذه المدارس التي تقبض مليون سنتيم ونصف على لاعب واحد في الشهر، بل تفرض على عائلات هؤلاء اللاعبين تسليم خمسة ملايين سنتيم عند التعاقد معها، الأغلبية الكبيرة من هذه المدارس، توفر فقط أرضية الملعب وغرف تبديل الملابس لهؤلاء اللاعبين الشبان، الذين يضطرون في كثير من الحالات إلى اقتناء ملابسهم الرياضية من أموالهم الخاصة، بل لا ندري ما إذا كانوا يستفيدون كلهم من التغطية في مجال الضمان الاجتماعي أم لا. وهذا ما يدل، على أن المدارس الرياضية الجزائرية الخاصة لكرة القدم، المحسوبة على أصابع اليد، ليست لها قاعدة متطورة في العمل، ولا تعمل بالشروط التي حددتها الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، ومن المفروض أن تقوم هذه الأخيرة بمراجعة القانون، الذي يجيز إنشاء المدارس الخاصة، لتكوين الشباب.

ويبقى نادي بارادو، الاستثناء من هذه المدارس، حيث أبان لحد الآن عن قدرته الكبيرة في التكوين مادام أن عدة لاعبيه، تكونوا فيه انتقلوا للعب في البطولات الأوروبية، مثل المدافع الدولي رامي بن سبعيني، المنتمي لنادي مونشنغلادباخ، وهو الآن من بين أحسن اللاعبين في البطولة الألمانية وزملائه السابقين بنفس المدرسة، آدم زرقان، الذي انتقل إلى نادي شارلوروا البلجيكي، ويوسف عطال الذي يلعب أساسيا مع أولمبيك نيس الفرنسي، وقادري وبن عياد اللذان شاركا مؤخرا مع ”الخضر” في المباراة الودية ضد منتخب إيران. كل هؤلاء اللاعبين يتواجدون ضمن صفوف الفريق الوطني، الذي يقوده المدرب جمال بلماضي، والقول إن الحظ يبقى حليف نادي بارادو، في مجال التكوين غير صحيح، لأن مسيريه يستعينون  بمدربين وتقنيين من أوروبا، مختصين في مجال التكوين، فضلا عن أنهم تعودوا منذ بعض السنوات على جلب مدرب أجنبي لفريق الأكابر، عادة ما يكون من البرتغال أو من اسبانيا، وهذا يدل على أن هناك توجه حكيم، في سياسة التكوين لدى هذا النادي.

ماذا جنت الأندية المحلية من سياسة التكوين ؟

هذه الأندية، لا زالت تتبع سياسة جلب اللاعبين، لتدعيم فريق الأكابر، عوض الاعتماد على لاعبيها المكونين لديها، فالقليل منها من تمنح للاعبيها الشباب فرصة الالتحاق بفئة الأكابر، مما يؤدي الى وقوع هدر كبير في صفوف الفئات الشبابية لهذه الأندية، حيث عادة ما تجد هذه العناصر الشابة نفسها خارج إطار المنافسة الرسمية، المحظوظ منهم يجد مكانا له في صفوف أندية أخرى بمختلف مستويات البطولة الوطنية، والجزء الآخر يضطر إلى الانسحاب من ممارسة كرة القدم، بعدما ظنت أن مستقبلها سيكون حتما في هذه الرياضة، ليحدث بعد ذلك هدر كبير في الطاقات الشبانية، ومعها كل المجهودات التي بذلت

والأموال التي خصصتها الأندية لهؤلاء الشباب، الأرقام تتحدث عن مئات من العناصر الشابة التي وجدت نفسها بدون فريق.

كيف نصنع لاعبين دوليين ببطولة احترافية ضعيفة؟

تساؤل لا يبدو اعتباطيا، كون بطولتنا الأولى في كرة القدم ليس لها من الاحترافية سوى الاسم، في ظل تواجد على رأس أنديتها مسيرون يديرون فرقهم بعقلية الهواة، وينطبق ذلك على المقولة الشعبية: ”وضعنا العربة أمام الحصان”، بل إن كل الترسانة القانونية التي وضعتها ”الفاف” لضبط التسيير الاحترافي في هذه البطولة، جاءت في شكل ضوابط إدارية مخالفة للتطبيق الفعلي للاحتراف في كرة القدم، انطلاقا من فشل الأندية في إنشاء شركاتها التجارية، التي أصبحت مع مرور الوقت وهمية ، ولا وجود لها على أرض الواقع، مما جعل كل الأندية ترجع إلى السير على قانونها السابق، بعدما استحال عليها إيجاد حليف تجاري يضمن لها المورد المالي، بل إن البعض منها، كاد أن يضع المفتاح تحت الباب، لولا المساعدات التي قدمتها لها الدولة، ففشلت في تحقيق الأهداف، التي رسمها لها قانون الاحتراف.

أندية الرابطة المحترفة الأولى تضطلع اليوم، إلى القانون الجديد للاحتراف، الذي بادرت ببعثه وزارة الشباب والرياضة، لكن هذه الأخيرة أبقته في أدراجها، بالرغم من أن اللجنة التي كلفت بدراسة هذا الملف أنهت أشغالها حوله.


❊ المدرب فؤاد بوعلي لـ"المساء” :

قد يأتي يوم تكون فيه المدرجات خالية من المتفرجين

قال المدرب فؤاد بوعلي الذي لم يخف استياءه، في تصريح لـ"المساء”، من استمرار ضعف مستوى كرة القدم الجزائرية شأنه شأن كل الجماهير الرياضية في بلدنا: ”أخشى أن يأتي اليوم الذي نجد فيه مدرجات ملاعب كرة القدم خالية من المتفرجين”. معتبرا أن هذه الرياضة في حاجة اليوم إلى إعادة النظر في القوانين التي تسيرها من خلال بلورة سياسة رياضية جديدة، ترتكز بالدرجة الأولى على الجدية في العمل، وعلى ضرورة وضع الإمكانيات المادية الضرورية لها، عبر مواصلة توفير منشآت رياضية جديدة، تستجيب لمتطلبات ممارسة كرة القدم الحديثة. وتساءل محدثنا، كيف سيكون حال منتخبنا الوطني، لولا قيام اتحادية كرة القدم بالاستنجاد باللاعبين المحترفين، الذين ينشطون في مختلف البطولات الأوروبية بشكل خاص، لكن بالنسبة لمحدثنا، فإن هذا التوجه، وإن بدا ضروريا في هذا الوقت بالذات، فإنه يجعلنا نشعر ونتوهم، أن كرة القدم الجزائرية في صحة جيدة، بعد التألق الكبير، الذي عرفته التشكيلة الوطنية في كأس العالم 2010 و2014 ونهائيات الكؤوس العربية والإفريقية: ”صحيح أننا نعتز بهذه الإنجازات، لكن تصوروا كيف سيكون وضع الفريق الوطني على المستوى الدولي، لولا مساهمة لاعبينا الجزائريين، الذين ينشطون في الخارج ونحن ممتنون لهم بطبيعة الحال، لكن حبذا لو نجد ضمن صفوف ”الخضر” لاعبين ينشطون في بطولتنا الاحترافية، نحن في الانتظار، لكن الانتظار سيطول في ظل الجمود الكبير، الذي تعرفه بطولتنا الوطنية على مختلف المستويات، بسبب غياب سياسة واضحة المعالم، تخص إعادة بعث هذه الرياضة على قواعد جديدة في مجال التطوير و الرسكلة والتكوين وغيرها من الجوانب الأخرى، التي لها علاقة بهذه العوامل”، أوضح محدثنا.

ع . اسماعيل


❊ المــــدرب شــريــــف حجــــار لـ"المســـــــاء”:

اللاعب المحلي غير قادر على تطوير مستواه

قال المدرب شريف حجار، من جهته، إنه غير مقتنع بمستوى وأداء اللاعبين المحليين، الذين ينشطون في بطولة الرابطة الاحترافية الأولى لكرة القدم، وشرح رأيه بالقول ”صراحة، أتحسر عندما أرى الأداء الذي يقدمه لاعبونا المحليون، مستواهم ضعيف ويفتقرون إلى ثقافة اللعب فوق أرضية الميدان، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى فشل كثير من مدربينا في تطوير إمكانيات لاعبيهم، لأن أي لاعب لا يمكنه تطوير مستواه بدون مساعدة مدربه، وهذا الذي يحصل اليوم في بطولتنا المحلية. لا أحمل المدرب المسؤولية الكاملة في هذا الجانب، لأن التقني الجزائري يعاني هو الآخر من ضعف وسائل العمل، التي لا توفرها كثير من أنديتنا، اللاعب المحلي لا يمكنه اليوم طرق باب الفريق الوطني الذي يدربه جمال بلماضي بسبب ضعف مستواه، ويبدو بشكل واضح أن قاعدة العمل المتبعة في أنديتنا هي سبب ضعف اللاعب المحلي، الاستثناءات قليلة في هذا المجال، وأخص بالذكر اللاعب السابق لشباب بلوزداد اسلام سليماني، الذي برز في البطولة الوطنية قبل التنقل للعب في الخارج، سليماني طور إمكانياته في اللعب، ومكنته إرادته من تحسين أدائه وهو اليوم من بين أحسن الهدافين في العالم، هذا للقول إن اللاعب المحلي يجب عليه الانتقال إلى البطولات الأجنبية، وبشكل خاص الى البطولات الأوروبية، إذا أراد أخذ مكانته في صفوف المنتخب الوطني الجزائري، هناك أمثلة كثيرة في هذا الجانب على غرار لاعبينا الذين انتقلوا الى البطولة التونسية، حيث وجدوا ضالتهم في هذه المنافسة منهم يوسف بلايلي وعبد القادر بدران وبن عيادة ولاعبين آخرين من وفاق سطيف ونصر حسين داي، ربما وجدوا في هذه البطولة إطارا مناسبا لتطوير إمكانياتهم ومكنهم ذلك من الالتحاق بصفوف الفريق الوطني، هذا للقول إن بروز اللاعب المحلي على المستوى الدولي نجده مرتبط دائما بظروف العمل التي يتواجد فيها، للأسف الشديد، أنديتنا تنقصها الاحترافية في توفير ظروف العمل الحسنة للاعبين. محدثنا لا يجد غرابة في غزو المنتخب الوطني الجزائري من طرف اللاعبين مزدوجي الجنسية، الذين ينشطون في البطولات الأوروبية. ”تقريبا كل البلدان عبر العالم ، يستنجدون بلاعبيهم الذين ينشطون خارج بلدهم، وهذا أمر بديهي لا يمكن للجزائر أن تشكل فيه حالة استثنائية. تقريبا كل اللاعبين الذين يستدعيهم جمال بلماضي جاهزون من الناحية الفنية

والتكتيكية، ويظهر بشكل واضح أن مستقبل الفريق الوطني الجزائري مرهون بالاعتماد على هذا النوع من اللاعبين في ظل الضعف الكبير الذي يميز مستوى البطولة الاحترافية الجزائرية، أوضح محدثنا،.

ع . اسماعيل