الصراع الدامي في السودان
أزمة متصاعدة تنذر بفوضى عارمة
- 162
ص. محمديوة
اشتدت ضراوة الصراع المسلح في السودان في ظل تكثيف قوات الدعم السريع شبه العسكرية هجماتها، ليس فقط ضد الجيش النظامي السوداني بل حتى ضد المدنيين العزل الذين يتعرضون لأبشع الجرائم والانتهاكات في مشهد دام.
ففي آخر حلقة من مسلسل "كابوس العنف" المستفحل في السودان، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني، أمس، عن مصرع ما لا يقل عن 40 شخصا وأصيب عشرات آخرين في هجوم استهدف تجمعا لعزاء بمدينة "الأبيض" العاصمة المحلية لإقليم كوردفان شمال.
ورغم أن المكتب لم يحدد الجهة الواقفة وراء هذا الهجوم الدامي فإن أصابع الاتهام توجه إلى قوات الدعم السريع، المدعومة من أطراف خارجية، والتي تحاصر هذه المدينة الاستراتيجية وتخوض معارك ضارية ضد قوات الجيش النظامي التي يقودها الجنرال عبد الفتاح البرهان.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، باستمرار أعمال العنف في شمال دارفور. وكان أفاد بوقوع "غارات جوية متعدّدة وهجمات بطائرات بدون طيار" يوم الأحد الأخير من دون أن يكون قادرا على تقديم إحصاء للضحايا بسبب محدودية الوصول إلى المنطقة وصعوبات الاتصالات.
ويكتنف الغموض المشهد السوداني المتفجر منذ منتصف أفريل 2023 في ظل انعدام التغطية الإعلامية ووصول القليل من التقارير التي تتحدث في كل مرة عن إعدامات ميدانية تطال المدنيين العزل في جرائم ترقى إلى "جرائم حرب" و«جرائم ضد الإنسانية" تنسب في مجملها إلى قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال المعروف باسم "حميدتي".
وزادت المخاوف من خروج الصراع في السودان عن السيطرة خاصة بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بإقليم دارفور الواقع غرب السودان في 26 أكتوبر الماضي والتي كانت تعتبر معقلا للجيش النظامي الذي يبدو أنه رفع الراية البيضاء بعدما اضطر للانسحاب، لتوالى بعدها التقارير عن وقوع فظائع من مجازر واغتصاب ونهب بما تسبب في نزوح جماعي لمئات الأشخاص الفارين من جحيم الحرب المستفحلة في تلك المنطقة.
وهو ما حرك المجموعة الدولية من القاهرة إلى واشنطن مرورا بالرياض السعودية على أمل إيجاد تسوية تخرج السودان من عنق الزجاجة العالق فيه من دون أن تساهم هذه الجهود الدبلوماسية في تغيير شيء على أرض واقع مأساوي أولى ضحاياه من المدنيين العزل. فحتى المقترح الذي تقدمت به إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد مشاورات مع مصر والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، لم يحظ بقبول الجيش السوداني الذي أعلن أمس عن رفضه، وقال إنه سيحشد "الدعم الشعبي" لمحاربة قوات الدعم السريع.
وهو ما يعني أن الجيش السودان اختار طريق حرب البارز فيها تقاطع المصالح الإقليمية والدولية في ظل تراجع القدرة عن تسوية سلمية وسط تجاذبات الأطراف المباشرة وغير المباشر في هذا الصراع الدامي، الذي تسبب منذ أفريل 2023 في مقتل عشرات الآلاف ونزوح مئات الآلاف آخرين داخليا وخارجيا ورمى بهذا البلد العربي الفقير في متاهة دوامة حرب أهلية بأبعاد ليست فقط عسكرية بل إنسانية واقتصادية واجتماعية.. إلخ. ويرى كثير المراقبين أن الوضع في السودان ينذر بفوضى عارمة وقد تحوّل هذا البلد إلى واحد من أكبر ساحات النزاع المفتوحة في العالم وسط انهيار الدولة وخروج مناطق واسعة عن السيطرة.