بعد انهيار قيمة برميل الخام إلى "السعر السلبي"
أسعار الذهب الأسود تنتكس في يوم الثلاثاء الأسود
- 706
انهارت أسعار النفط في كل الأسواق العالمية إلى مستويات لم يسبق أن بلغتها منذ تحولت هذه المادة إلى سلعة محورية في كل التبادلات العالمية مما جعل التساؤلات تطرح حول قدرة المنتجين والمستهلكين إرجاعها إلى مستوياتها الطبيعية. وأجرى وزراء الطاقة في الدول المصدرة للنفط "أوبك" وآخرين من خارجها اتصالات مكثفة ضمن ندوة عبر تقنية الفيديو من أجل بحث "الوضعية الكارثية" للسوق النفط العالمية.
وأكدت منظمة "أوبك" في بيان أصدرته أمس أن المشاركين في هذه الندوة غير الرسمية جددوا التزامهم بالعمل من أجل تعديل أسعار الخام وفق اتفاق 12 أفريل القاضي بتخفيض 9,7 مليون برميل من الخام يوميا. وأكدت العربية السعودية أكبر منتج للخام في العالم في أول رد فعل على هذه الانتكاسة أنها تراقب وضعية السوق العالمية عن كثب وانها على أتم الاستعداد لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوقف مسار هذا التراجع الكارثي.
وأكدت السلطات السعودية في بيان أصدرته أمس حرصها على استقرار سوق النفط والتزامها رفقة السلطات الروسية لتجسيد قرار خفض سقف إنتاج الدول المنتجة المتوصل إليه الأسبوع الماضي بحوالي 10 ملايين برميل يوميا لإنهاء وضعية التخمة التي توجد فيها أسواق النفط العالمية.
ولم يكن للعربية السعودية التي تبقى أكبر منتج العالم بأكثر من 10 ملايين برميل يوميا أن تلتزم الحياد في وضعية كارثية بلغ سعر خامات النفط الأمريكي أمس إلى ناقص 37 دولارا للبرميل وهو ما يعني في لغة صفقات البيع والشراء في السوق النفطية بـ"السعر السلبي" ضمن وضعية تجعل البائعين مرغمين على منح أموال لأطراف ثالثة للتخلص من كميات النفط التي بحوزتهم لكنهم لم يجدوا من يشتريها.
وهي معادلة نشاز في الاقتصاد الليبيرالي وليس من السهل على عاقل أن يتقبلها ولكنها حقيقة قائمة فرضها توفر عدة عوامل سلبية جعلت أسواق النفط تدفع ثمنها بدأت بحرب الأسعار بين موسكو والرياض مباشرة بعد فشل اجتماع فيينا في السادس مارس الماضي بسبب خلافات بينهما حول حصص الإنتاج قبل أن يدخل فيروس كورونا طارئ أخلط كل الحسابات وجعل الجميع يدفع الثمن غاليا بتراجع حركية الاقتصاد العالمي ومعها تراجع الطلب الدولي على الخام كان من نتيجتها المباشرة ، تخمة الأسواق والمخزونات العالمية إلى الحد الذي جعل برميل النفط سلعة غير ذات قيمة بعد أن كانت من اغلى اثمن المنتجات في العالم.
وعادة ما كان التوصل إلى اتفاق إيجابي بين دول منظمة "أوبك" والدول المنتجة خارجها بتقليص حجم الإنتاج العالمي يؤدي إلى ارتفاع تلقائي للأسعار ولو بشكل تدريجي ولكن اتفاق الرياض الأخير احدث الاستثناء، فبدلا من الدفع بمؤشراتها بالاتجاه الإيجابي إلا أنها وعلى عكس كل التوقعات سارت في الاتجاه السلبي ضمن ظاهرة حيرت خبراء النفط ومفكري النظرية الليبرالية المبنية أساسا على علاقة العرض والطلب في تحديد أسعار السلع.
ولكن تحاليل فورية لمثل هذه الظاهرة أرجعت الأمر إلى كون المنتجين لم يجدوا زبائن كما جرت عليه العادة في تعاملاتهم اليومية في نفس الوقت الذي لم يجدوا فيه محطات تخزين تستوعب الكميات المستخرجة وكان من البديهي في ظل هذه المعادلة أن يكون يوم امس الثلاثاء أسودا على ما اصطلح عليه بـ "الذهب الأسود".
وبالإضافة إلى إغراق السوق بالغاز الصخري الأمريكي وكذا صفقات البيع القصيرة الأمد والتي عادة ما تبرم أسابيع قبل مواعيد التسليم وتتحول في كثير من الأحيان إلى أوراق للمضاربة وخاصة في فترات الهزات الطارئة التي تعرفها الأسواق النفطية العالمية.
ولكن وقع السوق هذه المرة كان كارثيا على هؤلاء المرابين الذين لم يجدوا أول أمس من يشتري سلعتهم في نفس الوقت الذي لم يجدوا فيه محطات أو سفن عائمة لتخزينها وهو ما فرض عليهم قبول "السعر السلبي" في اكبر انتكاسة شراء يتعرضون لها حيث سيضطرون إلى بيع نفطهم بالخسارة أو البحث عمن يأخذ سلعتهم بالمجان.