برعاية قطرية ـ أمريكية
انطلاق جولة مفاوضات "تاريخية" بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان
- 944
إلتقى وفدا الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بالعاصمة القطرية الدوحة في إطار جولة مفاوضات وصفت بـ "التاريخية" على أمل التوصل إلى اتفاق نهائي لإسكات لغة السلاح في بلد لم يعرف طيلة نصف قرن سوى التدخلات الأجنبية والحروب الأهلية المدمرة.
ورغم التئام هذه الجولة من المفاوضات برعاية قطرية ـ أمريكية بعد مخاض عسير وعمليات شد وجذب وخلافات حادة ميزت عملية إطلاق الجانبين سراح الأسرى، ورغم مؤشرات صعوبتها إلا أنها شكلت خطوة غير مسبوقة في علاقات ميزها ثالوث الدم والقنابل والتفجيرات الانتحارية، منذ الإطاحة بنظام حركة طالبان نهاية سنة 2001 وكان ذلك بمثابة شرارة أطول حرب أهلية يعيشها الشعب الأفغاني مع كل المآسي التي رافقت أطوارها على مدار السنين.
وأشرف على افتتاح هذه المفاوضات وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو رفقة رئيس وفد الحكومة الأفغانية ورئيس حكومتها السابق، عبد الله عبد الله، إلى جانب رئيس وفد حركة طالبان، الملا عبد الغاني رادار.
وشارك فيها عبر تقنية التواصل عن بُعد، إلى جانب الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريس والأمين العام لحلف "الناتو"، يانس ستولتنبورغ، ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوسيب بوريل، وزراء خارجية 14 دولة من بينهم وزراء خارجية الصين والهند وباكستان وتركيا.
واقترح عبد الله عبد الله رئيس الوفد الحكومي الأفغاني منذ البداية التزام الجانبين بوقف إطلاق نار "إنساني" بقناعة أن الشعب الأفغاني سيتذكر يوم انطلاق المفاوضات تماما كما سيتذكر يوم انتهاء الحرب كونها ستطوي سنوات المآسي والمعاناة.
ولكن زلماي خليل زادة، المفاوض الأمريكي مع حركة طالبان، والذي شغل لعدة سنوات منصب سفير بلاده في كابول، اعترض على الفكرة بقناعة أن الهدف من هذه المفاوضات يبقى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ولا يجب أن يكون ذلك شرطا مسبقا في المفاوضات وإنما محصلة لها.
وقال مايك بومبيو الذي حضر جانبا من هذه الجلسة إنه يتعين على طرفي الأزمة الأفغانية التوصل إلى اتفاق يسمح بتحقيق خطوة باتجاه الأمام وتلبية مطالب عامة الشعب الأفغاني في إقامة دولة متصالحة مع نفسها وبكيفية تضع حدا لكل أوجه الحرب لصالح دولة تبحث على تحقيق الاستقرار والرفاه.
يذكر أن جولة المفاوضات كان من المقرر أن تنطلق قبل ستة أشهر ولكنها تأخرت بسبب خلافات حادة حول عملية إطلاق سراح أسرى الجانبين. ولا يستبعد أن تكون للإدارة الأمريكية يد في تحديد الثاني عشر سبتمبر موعدا لانطلاق هذه المفاوضات والذي جاء يوما بعد مرور الذكرى التاسعة عشر لتفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادي عشر سبتمبر 2001 والتي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش ذريعة لاحتلال هذا البلد والإطاحة بنظام حركة طالبان بدعوى أن منفذي تلك التفجيرات تدربوا في أفغانستان بتواطؤ من الحركة وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
يذكر أن مفاوضات يوم أمس، جاءت ستة أشهر منذ انتهاء المفاوضات بين حركة طالبان والإدارة الأمريكية، والتي سمحت بالتوصل إلى اتفاق "تاريخي" مهّد لبدء مفاوضات أمس. وكان من نتائج تلك المفاوضات، التزام الولايات المتحدة بسحب آخر جنود قواتها من هذا البلد المقدر بين 8600 إلى 4500 رجل بحلول شهر نوفمبر القادم وسحب آخرهم بداية شهر ماي القادم، مقابل ضمانات من حركة طالبان بقبول الدخول في مفاوضات مع الحكومة المركزية في كابول.
ورغم قبول طرفي الحرب الأفغانية الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة، فإن جولاتها ستكون عسيرة وصعبة بالنظر إلى عمق الخلافات بينهما وتعقيدات المشهد الأفغاني بسبب ترسبات سنوات الاقتتال سواء من حيث جوانبها السياسية وخاصة طبيعة النظام السياسي الذي يتعين إقامته في هذا البلد أو الجوانب التقنية بما يدفع إلى القول أن عودة السلام إلى أفغانستان قد لا تكون هذا العام.
وهو الأمر الجوهري الذي أكد عليه رئيس وفد حركة طالبان الذي أكد أنه يتعين على الجميع أن يعلم أن الإسلام في المفاوضات لا يمكن التضحية به خدمة لمصالح شخصية، في وقت أكدت فيه الحكومة الأفغانية أنها تريد الاحتفاظ بدستور الجمهورية الديمقراطية بما يجعل التوصل إلى أرضية توافقية بين الجانبين حول هذه القضية المحورية صعب المنال ويطيل عمر المفاوضات.
وهو ما جعل كاتب الخارجية الأمريكي يتكهن أن تطول المفاوضات "لعدة أيام أو أسابيع أو أشهر" والمهم ـ كما قال ـ ألاّ ينسى الوفدان أنهما يتفاوضان لكي تعيش الأجيال الأفغانية القادمة في كنف الأمن والاستقرار.