انتفاضة الأقصى تدخل شهرها الثاني وسط مؤشرات لتصعيدها

ست عمليات طعن استهدفت مستوطنين في يوم واحد

ست عمليات طعن استهدفت مستوطنين في يوم واحد
  • 713

عرفت انتفاضة سكاكين الأقصى الشريف منحى تصاعديا، أكد على أن ثورة الفلسطينيين لن تتوقف بعد أن دخلت شهرها الثاني؛ مما أخلط حسابات كل من راهن على انطفاء وهجها بسبب آلة القمع العسكري الإسرائيلي، والقوانين الجائرة التي سلطتها على فتيان الضفة الغربية والقدس الشريف. وكانت عمليات الطعن التي استهدفت مستوطنين وجنود قوات الاحتلال أمس، أكبر نذير لإسرائيل بأن إخماد الانتفاضة هذه المرة، لن يكون بمنطق القوة العسكرية المفرطة ولا بواسطة لقاءات السياسيين؛ في محاولة لإجهاضها.

فكلما اعتقدت حكومة الاحتلال أن عمليات الطعن ستتوقف ارتفع عددها من يوم لآخر، وكان تنفيذ ست عمليات أمس أكبر مؤشر على هذا المنحى. وحتى إن لم يتم تسجيل أي قتيل في صفوف المستوطنين، بينما استشهد منفذ إحدى هذه العمليات إلا أن عددها كان كافيا لزرع الرعب في نفوس المستوطنين، الذين أصبحوا يخشون على أنفسهم ولكن أيضا جنود الاحتلال الذين لم يعودوا يثقون في قدراتهم على حماية أنفسهم من طعنة مفاجئة، إلى درجة جعلتهم يرون في كل من يتحرك أنه عدو محتمل.

وبهذه الكيفية تكون الانتفاضة قد حققت أهم أهدافها بنقل الرعب إلى معسكر العدو الذي كان سيد الموقف بآلته الحربية، التي أراد من خلالها قتل الحلم الفلسطيني في مهده؛ من خلال انتهاج سياسة قمعية بمحرك عنصري ـ استيطاني، إلا أن كل ما خططت له حكومات الاحتلال تهاوى مثل قصر من رمل بعد أن انتهت توقعات نتانياهو وكل اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى نقيض ما كان مرجوّا منها؛ عندما تمكن فتيان فلسطينيون في ريعان شبابهم من إشعال انتفاضة كان لها وقع المفاجأة "غير السارة" على مختلف أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي لم تستشعر انتفاضة مغايرة تماما لانتفاضتي 1987 و2000؛ سواء من حيث طريقة إدارتها أو وسائل تنفيذها.

ولعل أكبر مفاجأة بالنسبة للإسرائيليين أن الثورة الفلسطينية الجديدة جاءت وكأنها عفوية ورد فعل تلقائي لعمليات التدنيس المتواصلة لباحات وحرمة المسجد الأقصى، وأعطت الاعتقاد أن الفاعلين ينفّذون عملياتهم؛ انتقاما لاستشهاد أخ أو صديق أو ابن الحي ولكل فلسطيني قُتل غدرا وعدوانا من طرف جنود الاحتلال لمجرد الاشتباه فيه.

ولم تكن قيادة الجيش الإسرائيلي تعي أن القتل العشوائي بقدر ما له "مزاياه"، إلا أن مساوئه أكبر؛ بدليل أنه تحوّل إلى عامل شحن للهمم الفلسطينية، وسمح لها بالاستمرارية. وهي القناعة التي انتهى إليها العقيد إسرائيل شومر قائد أحد الفيالق الإسرائيلية في الضفة الغربية، الذي اعترف بأن هذه الوضعية ستتواصل خلال الأشهر القادمة، و«ستكون أكثر عنفا".  وهو المعطى الذي جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ينتقل إلى الولايات المتحدة للقاء وزير الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإنقاذ حكومته، التي فشلت في نظر المستوطنين في ضمان الأمن لهم وحمايتهم في كل مكان يرتادونه. وعادة ما يقوم المسؤولون الإسرائيليون بزيارات إلى الولايات المتحدة كلما ضاق عليهم الأمر للبحث عن دعم أمريكي؛ من خلال الضغط على مختلف الأطراف العربية المعنية؛ بما يجري في الأراضي المحتلة لإفشال كل ثورة شعبية ضد الاحتلال.

والمؤكد في سياق استمرار هذه الانتفاضة، أنه لا الولايات المتحدة ولا الدول العربية تمتلك العصا السحرية هذه المرة لإسكات انتفاضة فتيان فلسطينيين وُلدوا من رحم القهر المسلط عليهم، ورفض الاحتلال الاعتراف بحقوقهم التي زعم المجتمع الدولي أنه يكفلها لهم، ولكنه خالفهم الوعد؛ فقد حاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أسبوعين خلال جولة إلى المنطقة، تحقيق هذا المبتغى، والتقى خلالها بالعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني؛ في محاولة إنقاذ نتانياهو من ورطته التي تسببت فيها سياسته، ولكنه فشل في ذلك بدليل استمرار انتفاضة الأقصى منذ الفاتح أكتوبر الماضي؛ لا لسبب إلا لأن الفاعلين هذه المرة لا يخضعون لأي فصيل أو تنظيم فلسطيني بإمكانه الضغط عليهم؛ لحثهم على وقف إقدامهم على الشهادة.