في ظل إصرار ماكرون على إدارة ظهره لمطالب الشّعب

فرنسا على موعد جديد مع "رياح خريف" الغضب

فرنسا على موعد جديد  مع "رياح خريف" الغضب
  • 199
مليكة. خ مليكة. خ

تدخل فرنسا اليوم، مجددا في دوامة من الاحتجاجات العارمة التي دعت إليها المنظمات العمالية، على خلفية الإجراءات المالية الصارمة التي أعلنتها حكومة ماكرون خلال هذه الصائفة، وفي ظل عدم استبعاد الوافد الجديد لـ«الماتينيون" سيباستيان ليكورنو، اعتمادها مقابل إصرار التشكيلات السياسية وشرائح واسعة من المجتمع الفرنسي على رفضها.

بعد مرور أسبوع على الغضب الشعبي الذي شل العديد من القطاعات الحيوية في البلاد، وتسجيل تجاوزات خطيرة من قبل قوات الأمن الفرنسية ضد المتظاهرين، يتوقع أن تشهد فرنسا شللا واسعا في حركة النقل على غرار القطارات والمترو فضلا عن المؤسسات التعليمية. وينتظر تنظيم مسيرات في جميع أنحاء فرنسا وخاصة في المدن الكبرى مثل باريس، ليون، مرسيليا، تولوز ورين، ليل، نيم  وبيربينيان، حيث قدمت النقابة العامة للعمال خريطة تفاعلية تحدد مواقع وأوقات المظاهرات في كل مقاطعة.

ويبدو أن إيمانويل ماكرون الذي يواجه دعوات العزل لم يأبه لمطالب المحتجين في مظاهرات 10 سبتمبر الماضي، في الوقت الذي يركز فيه اهتمامه على قضايا خارجية محاولة منه الهروب من مواجهة المشاكل، معتقدا أن تعيينه لوزير أول جديد خلفا لفرانسوا بايرو، كفيل بامتصاص الغضب الشعبي غير أن ذلك لم يثن الطبقة السياسية وشرائح واسعة من المجتمع الفرنسي للدعوة إلى التعبئة الشعبية اليوم، ليكون ذلك بمثابة رسالة واضحة لماكرون ورئيس هيئته التنفيذية برفض النّهج الذي يصر فرضه على الشعب الفرنسي . في هذا الصدد هاجم جان لوك ميلونشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية" الرئيس ماكرون باتهامه باتباع سياسة اللامبالاة وتعقيد الوضع الاجتماعي في فرنسا، في حين وصفت النائب عن ذات الحزب ماتيلد بانو، ماكرون بالعار على فرنسا مطالبة إياه بتقديم استقالته بعد فشله في إدارة الأزمة. 

في المقابل، يصر ماكرون ووزيره الأول الذي حاول استمالة المعارضين بالتخلي عن مقترح إلغاء العطلتين الرسميتين، على تبنّي الإجراءات التقييدية بطريقة إلتوائية من خلال العمل على المسائل الضريبية، حيث لم يستبعد سيباستيان لوكورنو، إمكانية فرض ضريبة على الأفراد ذوي الثروات العالية للغاية والمعروفة باسم "ضريبة زوكمان" نسبة إلى الخبير الاقتصادي غابرييل زوكمان. 

ويستهدف المقترح حصرا أصحاب الثروات التي تتجاوز 100 مليون أورو، ما يعني أن الضريبة لا تطال الطبقة الوسطى ولا أصحاب الثراء العادي، بل شريحة ضيقة من الأغنياء والعائلات التي تمتلك ثروات ضخمة. ويتزامن النقاش السياسي حول هذا المقترح مع تفاقم أزمة الدّين العام في فرنسا، وارتفاع تكاليف الإنفاق الاجتماعي، في حين تعارض أحزاب الوسط واليمين هذا الإجراء خشية أن تدفع الضريبة بعض الأثرياء إلى نقل إقامتهم الضريبية إلى بلدان أقل صرامة ما قد يقلل من فعاليتها. 

وينذر المشهد السياسي الحالي في فرنسا بمخاطر لم يسبق لباريس أن عاشتها على المستويين المالي والاقتصادي، ما جعل عددا من الساسة الأوروبيين يحذّرون من إمكانية فقدان باريس سيادتها إذا وجدت نفسها مهددة بالوصاية من قبل الدائنين وفي المقدمة صندوق النّقد الدولي، بل إن وزير المالية الفرنسي، تحدث مؤخرا عن خطر محتمل يتمثل في الحاجة إلى تدخل صندوق النقد إذا لم تعالج فرنسا أوضاعها المالية المتردية.

كما أن الوضع السياسي المتدهور بشكل متزايد ينذر بسقوط محتمل للجمهورية الخامسة، في ظل ارتفاع الديون وخدماتها، واتجاه الوضع الاجتماعي نحو الهشاشة التي باتت تؤثر على جميع جوانب الحياة، سواء كانت صحية أو ترفيهية أو عائلية، حيث أفادت جمعية الإغاثة الشعبية، أن ثلث الفرنسيين يواجهون صعوبات مالية في الحصول على طعام صحي يكفي لثلاث وجبات يوميا.