استقالة الحكومة يفاقم الأزمة السياسية في فرنسا
ماكرون وحيدا في مواجهة غضب الشارع اليوم

- 236

❊ احتجاجات الغضب العارم رفضا لأي مساس بقوت الفرنسيين
قدّم رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، أمس، استقالته للرئيس إيمانويل ماكرون بعد أن أسقط البرلمان الفرنسي أول أمس، حكومته، بسبب خططها لكبح جماح الدين العام المتضخم، مما فاقم الأزمة السياسية، وسيكون ماكرون أمام مهمة صعبة لاختيار خامس رئيس وزراء في أقل من عامين يكون قادرا على العمل في برلمان دون أغلبية.
فبمبادرة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، خاطر فرانسوا بايرو بتقديم بيان حكومته أمام الجمعية الوطنية وإلى أعضاء لا يؤيدونه في البرلمان، بهدف الحصول على ثقتهم، استنادا إلى المادة 1 / 49 من الدستور، التي لا تستطيع تحمّلها إلا الحكومات التي تتمتع بأغلبية مريحة في قصر بوربون.
وبذلك تكون فرنسا قد طوت صفحة قصيرة لم تتجاوز تسعة أشهر من تجربة سياسية ولدت في قلب أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، بسقوط حكومة فرانسوا بايرو في الجمعية الوطنية بعد أن صوّت 364 نائب من أجل ذلك فيما دعمها 194 نائب، لتنهار أي محاولة لإعادة رسم المسار الاقتصادي الفرنسي، تاركة ماكرون أمام أزمة جديدة تزيد من هشاشة ولايته التي ستنتهي منتصف 2027.
ورغم أن سقوط بايرو لم يكن مفاجئا، إلا أنه كشف في حقيقة الأمر عمق الانقسام داخل البرلمان، واتساع الهوة بين مشروع تقشفي مثير للجدل ومجتمع يزداد رفضا لسياسات الضغط على النفقات بهذا التصويت.وبلا شك فإن ماكرون يواجه حاليا تحديا يتمثل في إيجاد رئيس وزراء جديد خلال الأيام القليلة المقبلة، في محاولة لحلّ معضلة سياسية استعصت عليه لأكثر من عام، في برلمان منقسم إلى ثلاثة معسكرات متمثلة في تحالف اليسار واليمين الوسط واليمين المتطرّف، منذ حلّ الجمعية الوطنية في جوان 2024.وفي هذا الصدد يتوقع بعض المحيطين بالرئيس الفرنسي تعيين رئيس وزراء جديد بحلول نهاية هذا الأسبوع، وذلك قبل مغادرة الرئيس إلى نيويورك، حيث يفترض أن يعلن يومي 22 و23 سبتمبر اعتراف فرنسا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
والواقع أنّ ماكرون يجد نفسه محاصرا بين يمين متطرّف يتصاعد نفوذه على مر السنوات ويسار راديكالي ممثلا بحزب فرنسا الأبية يزداد تشددا ومناهضة له، ما يحتم عليه السعي لتوسيع كتلته الوسطية والبحث عن شخصية يمينية أو من الوسط يقبل بها الاشتراكيون، وفي هذا الصدد يتم تداول أسماء من بينها وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو ووزير العدل جيرالد دارمانان ووزير الاقتصاد إريك لومبار.
كما أبدى رئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان بوريس فالود استعداد حزبه لتولي الحكم إذا طلب الرئيس إيمانويل ماكرون ذلك، مؤكدا أن الاشتراكيين إلى جانب اليسار والخضر، جاهزون لتشكيل حكومة بديلة، فيما طالب حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) بإجراء انتخابات تشريعية جديدة، حيث تعهد رئيسه جوردان بارديلا أمس، برفض أي رئيس وزراء لا يتقاطع تماما مع السياسات التي اتبعت خلال السنوات الثماني الماضية، في حين دعا اليسار الراديكالي إلى استقالة الرئيس نفسه.
ولم يثن سحب ثقة حكومة بايرو الداعين إلى تنظيم احتجاجات الغضب العارم المقرّرة اليوم تحت شعار "لنشل كل شيئ"، بدعم من بعض النقابات واليسار الراديكالي، وسط أجواء من انعدام الثقة واسع النطاق تجاه ماكرون الذي وصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ توليه الحكم في عام 2017، بناء على استطلاع حديث أظهر أن نحو 77% من الفرنسيين غير راضين عنه.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الداخلية أن نحو 80 ألف من عناصر الشرطة والأمن سينتشرون عبر إرجاء البلاد حيث ستنظم مئات الفعاليات والاحتجاجات، أما المديرية العامة للطيران المدني، فتوقعت حصول اضطرابات وتأخيرات في كل المطارات الفرنسية.
وتعد هذه الاحتجاجات بمثابة تأكيد على رفض الإجراءات التقييدية التي أقرتها الحكومة السابقة وتحذير للطاقم التنفيذي القادم بعدم تكرار أخطاء سابقتها والتي سيطر عليها اليمين المتطرّف، فهل سيعتبر الوافد الجديد على "الماتنيون" من تجربة بايرو وهل سينجح الرئيس ماكرون في امتصاص الغضب الشعبي بسياسة جديدة تعتبر رفاهية الفرنسيين خطا أحمر؟