بعد قرابة عقدين منذ وقوعها في رواندا
هل تورطت فرنسا في مذابح أقلية التوتسي سنة 1994؟
- 1212
حمّل تقرير تم إنجازه على مدى عامين كاملين حول مجازر الإبادة الجماعية التي طالت أقلية "التوتسي" في دولة رواندا سنة 1994، السلطات الفرنسية آنذاك مسؤولية مباشرة في التمكين لتنفيذ أعنف جرائم ضد الإنسانية تعرفها القارة الإفريقية في تاريخها المعاصر.
واعتمد معدو تقرير "ديكليرت" الذي جاء في 1000 صفحة، في نقل حقائق مرعبة حول ما حدث في هذا البلد الإفريقي الصغير ما بين سنتي 1990 و1994، على شهادات حية لناجين من المجازر ووثائق سرية وأرشيف، وأكدوا أن السلطات الفرنسية تتحمّل مسؤوليات ثقيلة ودامغة في الانحراف الذي أدى إلى الإبادة الجماعية التي طالت أقلية "التوتسي" أكبر الإثنيات العرقية في رواندا.
وأكد فريق المؤرخين الذين حاولوا طيلة عامين فك خيوط تلك المجازر الرهيبة التي عرفها هذا البلد، أن ذلك لا يعني أن السلطات الفرنسية تورطت بشكل مباشر في المذابح، إلا أن ذلك لا يمنع القول إنها تركت الفاعلين يقترفون ما اقترفوا من عمليات قتل جماعية طالت كل شيء يتحرك قتلا وذبحا وحرقا للجثث.
وتم تسليم مضمون التقرير "القنبلة" مساء الجمعة، إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي أكد أنه سيبذل كل جهوده من أجل معاقبة المتورطين في اقتراف تلك الجرائم، والتلميح كان موجها إلى كل المسؤولين من أثنية "الهوتو" الذين كانوا يتربعون على مقاليد السلطة في العاصمة كيغالي، في عهد الرئيس الرواندي جوفنال هابياريمانا، بحكم تغضي باريس الطرف عن تجاوزات هذا الأخير، وقواته النظامية بسبب علاقاته الوطيدة مع السلطات الفرنسية أثناء الأحداث، قبل أن تسمح لهم باللجوء إلى أراضيها فارين من قرارات العدالة الدولية، كمجرمي حرب. ورغم أن العديد منهم تم إلقاء القبض عليهم إلا أن محكمة الاستئناف الفرنسية، رفضت تسلميهم إلى سلطات بلدهم لمحاكمتهم بدعوى عدم اعتمادها على مبدا الأثر الرجعي للأحداث المقترفة. وبفضل هذا القانون رفضت السلطات الفرنسية تسليم آغاتا هابياريمانا، أرملة الرئيس الرواندي المتهمة بالتورط في تلك المجازر المرعبة بعد أن تم فتح تحقيق جنائي ضدها في باريس سنة 2008.
وهو التستر الذي جعل الان غوتيي، عضو هيئة دفاع ضحايا تلك المذابح يشكك في نوايا السلطات الفرنسية بتسليم المجرمين، كونها ليست المرة الأولى التي تتعهد فيها باريس بملاحقة الجناة، ولكنها لم تفعل شيئا في هذا الاتجاه بدليل تواجد الكثير منهم فوق التراب الفرنسي دون مضايقات وإلى حد الآن. وأكد أن العدالة الفرنسية تسير سير السلحفاة بخصوص هذه القضية، إذ لم يتم منذ سنة 2018 محاكمة أي شخص متهم في تلك المذابح باستثناء ثلاثة أشخاص صدرت في حقهم أحكام نهائية بعقوبات سجن بـ25 سنة سجنا في حق ضابط في الحرس الرئاسي والمؤبد لاثنين آخرين.
وأكد التقرير الفرنسي، أن الاتهامات طالت أشخاصا وتناست أطرافا معنوية، مشيرة في ذلك إلى بنك "بي. أن. بي باريبا" الباريسي الذي تتهمه منظمة غير حكومية بتمويل صفقات لشراء أسلحة لصالح مليشيا قبيلة الهوتو. كما يتابع في هذه القضية بول باريل، دركي قصر الإليزي في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، الذي اتهمته منظمة حقوقية أخرى باستخدامه ضمن ما اصطلح عليه في تقرير لجنة المؤرخين "استراتيجية غير مباشرة" لفرنسا في دعم النظام الرواندي في تلك الفترة ضد قوات المتمردين بقيادة الرئيس الرواندي الحالي بول كاغامي. ليس ذلك فقط فقد وجه التقرير تهما باحتمال تورط الجيش الفرنسي في تلك المجازر عبر عملية "تيركواز"، والذي اتهم ناجون من تلك المجازر جنود وحداته بتركهم يذبحون في مرتفعات بزيزيرو نهاية جوان 1994 ولم يحركوا ساكنا لإغاثتهم.
ورغم كل هذه الحقائق الدامغة إلا أن قضاة محكمة جنايات باريس، أغلقوا ملف هذه الإبادة منذ سنة 2018 دون إصدار أي أحكام في حق المتورطين، مما فتح الباب أمام احتمال طي ملفاتهم وعدم متابعتهم بعد أن رفضت المحكمة منذ ذلك التاريخ إعادة بعث التحقيقات رغم إلحاح الطرف المدني. وأكد ايرك بلوفيي، محامي منظمة "سيرفي" الحقوقية أن تورط الجهازين السياسي والعسكري الفرنسي في تلك المجازر أكبر مما يعترفون به الآن.
وهو ما جعل المحامي باتريك بودوان، العضو في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، يطالب بفتح نقاش بين قانونيين وليس بين مؤرخين " لتحديد مفهوم "التواطؤ"، بقناعة أنه ليس من صلاحية لجنة مؤرخين الحسم ما إذا كانت فرنسا تورطت أو لا في عمليات الإبادة. ورحبت السلطات الرواندية أمس، عبر بيان لوزارة الخارجية بمضمون التقرير واعتبرته خطوة هامة باتجاه تفهم مشترك بخصوص دور فرنسا، وأكدت أن ذلك يعد تقدما معتبرا لتورط فرنسا في السلطة الرواندية آنذاك في ذلك الشرخ الإنساني بين أبناء الشعب الواحد.