هجمات إرهابية تدخل فرنسا في حرب مفتوحة ضد تنظيم "داعش"
129 قتيلا ومئات المصابين في سبع تفجيرات مدوية
- 873
كانت الحياة عادية بالعاصمة الفرنسية باريس في ليلة هادئة في وقت كان الفرنسيون يتابعون مقابلة كروية ودية بين فرنسا وألمانيا قبل أن تتحول السكينة إلى هلع كبير وفوضى عارمة شملت الشوارع التي تحولت إلى ساحة حرب حقيقية بتفجيرات مدوية وتبادل للرصاص. وعاد الهدوء وسط سيل التساؤلات عما وقع لحظات قبل أن يفسح المجال لسيارات الإسعاف التي غطت مدينة الجن والملائكة بصافرات إنذارها وهي تنقل المصابين الذين تم انتشالهم من بين قتلى سبع عمليات إرهابية غير مسبوقة.
وعاشت فرنسا ليلة استثنائية بعد أن اهتزت شوارع عاصمتها على وقع الرصاص الذي كسر سكينتها في سابقة لم تعهدها وأدخلت الباريسيين في حالة هستيريا حقيقية في ظل تسرب معلومات حول وجود إرهابيين يكونون قد فلتوا من قبضة قوات الأمن وسط هواجس باحتمال تنفيذ عمليات أخرى. وبينما كان الجميع يتابع المقابلة الودية بين الفريق الفرنسي ونظيره الألماني بملعب حديقة الأمراء، تحت أعين الرئيس فرانسوا هولاند حتى غطى دوي قوي أهازيج المناصرين قبل أن تتبعه ستة انفجارات أكثر وقعا ليقتنع الجميع أن الأمر غير عاد وليتأكدوا دقائق بعدها أن الأمر يتعلق بعمليات إرهابية وسط ذهول الأنصار الذين بقوا ينتظرون معرفة حقيقة ما وقع.
وفي تلك الأثناء كانت سيارات الإسعاف تسارع الزمن ذهابا وإيابا إلى ملهى باتكالان الشهير الذي كان يعج بأكثر من ألف من رواده قبل أن يفاجئهم مسلحون بفتح نيران أسلحتهم الرشاشة وراحوا يرشقون الكل دون تمييز مما أوقع 82 قتيلا في أبشع صورة لعمليات قتل تعرفها فرنسا. وقال شهود عيان إن ثلاثة مسلحين دخلوا القاعة وهم مكشوفي الوجود يحملون أسلحة آلية من طراز كلاشنيكوف وراحوا يطلقون النار على رواد القاعة دون تمييز ولمدة فاقت العشر دقائق كانت كافية لأن تخلف حصيلة دموية. وحسب شهادات الناجين، فإن المقتحمين أكدوا أن العملية نفذت انتقاما من الرئيس فرانسوا هولاند الذي ما كان عليه أن يتدخل في سوريا بينما أكد محققون أنهم عثروا على جواز سفر سوري لدى أحد المهاجمين القتلى.
كما اهتز شارع بيشا، أحد الشوارع القريبة من ملعب حديقة الأمراء على عدة تفجيرات وشارع شارون الذي عرف عملية خلفت مقتل 19 شخصا وشارع فولتير القريب هو الآخر من قاعة باتاكلان الذي قتل فيه أربعة مهاجمين ممن فجروا أحزمتهم الناسفة أو لدى هجوم قوات الأمن الفرنسية التي تدخلت لتحرير رهائن قاعة العرض الغنائي. وبمجرد زوال وقع الصدمة عرف الفرنسيون أن ثمانية مهاجمين فتحوا نيران أسلحتهم على رواد قاعة حفلات على مقربة من ملعب حديقة الأمراء، خلفت في حصيلة ما انفكت ترتفع إلى 129 قتيلا وأكثر من مائتي مصاب وصفت حالات قرابة مائة من بينهم بـ "الخطيرة".
وكان وقع ما حدث قويا إلى درجة جعلت الرئيس هولاند يعلن حالة الطوارئ، بينما طالبت وزارة الداخلية الباريسيين بالبقاء في منازلهم إلى غاية انقشاع الضباب الذي مازال يكتنف الوضع العام في مدينتهم. وأصيب الرئيس الفرنسي بصدمة قوية بمجرد إخطاره أن دوي التفجيرات مرده إلى عمليات إرهابية وقال في أول رد فعل إنه "شيء مرعب .. إنها عمليات إرهابية غير مسبوقة تعرفها فرنسا". وكانت القرارات التي اتخذها بنفس قوة الصدمة عندما أعلن حالة الطوارئ في البلاد أغلق على أثرها الحدود الفرنسية وعزز الإجراءات الأمنية في العاصمة باريس التي تحولت إلى ثكنة حقيقية بعد أن فضل سكانها البقاء في بيوتهم تنفيذا لطلب وزارة الداخلية.
وتم بمقتضى هذه الإجراءات منع التجمعات والمسيرات الشعبية في العاصمة باريس وضواحيها إلى غاية الخميس القادم، كما تم إغلاق كل متاحفها وتأجيل كل المنافسات الرياضية المقررة لنهاية الأسبوع. وألغى الرئيس هولاند مشاركته في قمة مجموعة العشرين التي كانت مقررة اليوم بالعاصمة التركية أنقرة بعد أن أكد أن حربه ضد الإرهاب ستكون دون رحمة عشية قمة دولية بمناسبة الذكرى السبعين لميلاد منظمة التربية والثقافة والعلوم "يونيسكو" الموجود مقرها بالعاصمة الفرنسية وأياما قبل الندوة الدولية حول المناخ التي من المنتظر أن يحضرها نهاية الشهر الجاري مائة رئيس دولة وحكومة.
إجراءات أمنية مشددة حول مقرات البعثات الدبلوماسية الفرنسية في الخارج
تنظيم "داعش" يتبنى تفجيرات باريس
أكد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف اختصارا باسم "داعش" مسوؤليته عن التفجيرات الإرهابية التي هزت قلب العاصمة الفرنسية باريس وخلفت مقتل 128 شخصا وقرابة 300 مصاب. وأكد التنظيم الإرهابي في بيان نشره على أحد مواقعه على شبكة التواصل الاجتماعي أن فرنسا ستبقى الهدف الرئيسي لعملياته المسلحة انتقاما لمشاركتها في عمليات ضرب أهداف التنظيم في سوريا والعراق. وذكر البيان أن "ثمانية من الإخوة كانوا يحملون أحزمة ناسفة وأسلحة هجومية استهدفوا عدة مواقع تم اختيارها بإحكام في قلب العاصمة باريس".
وأضاف محذرا أنه يتعين على فرنسا وكل الذين ساروا على دربها أنهم سيكونون في أعلى قائمة أهداف الدولة الإسلامية. وأكد أن هجمات العاصمة الفرنسية تبقى بمثابة رد "على الغارات الجوية التي شنها الطيران الفرنسي ضد المسلمين وأرض الخلافة"، في إشارة إلى العمليات التي نفذها الطيران الحربي الفرنسي خلال الأيام الأخيرة ضد معاقل التنظيم في سوريا والعراق. وجاء هذا التبني ليؤكد تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي سبق هذا البيان بتوجيه أصابع الاتهام باتجاه هذا التنظيم بالوقوف وراء عمليات التفجير، وهو ما جعله يؤكد أنه سيشن حربا دون هوادة ضد تنظيم "داعش".
وأخذت السلطات الفرنسية هذه التهديدات محمل الجد بعد أن قررت تعزيز الإجراءات الأمنية من حول مقرات هيئاتها الرسمية والدبلوماسية في الخارج. وكشف وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس المتواجد بالعاصمة النمساوية، حيث شارك في لقاء دولي حول الأزمة السورية عن اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية البنايات ومقرات البعثات الدبلوماسية والقنصليات والمراكز الثقافية والثانويات الفرنسية في الخارج.