النقش على الفضة والنحاس بتندوف

إرث متوغِّل في عمــق الصحراء

إرث متوغِّل في عمــق الصحراء
  • 187
لفقير علي سالم  لفقير علي سالم 

تُعرف ولاية تندوف منذ القدم، بأنها منطقة رعوية يشتهر سكانها بتربية الماشية، ومؤانستها بالبوادي والأرياف. وأصبحت جزءا لا يتجزأ من يومياتهم؛ فمنها ملبسهم، ومعاشهم، وبها يتنقلون على ظهور عيرها. وعلى الرغم من تلك العلاقة الوطيدة التي جمعت الإنسان التندوفي بالإبل خصوصا، والماشية عموما، فإن تمسّكه بعاداته وتراثه المادي أصبح هو الغالب؛ حيث تَفنّن الإنسان التندوفي عن بكرة أبيه، في ممارسة حرفة النقش على الفضة والنحاس، والزخرفة على الجلود.

المتصفح لتاريخ تندوف القديم يجد أن أهم نشاط مارسه الإنسان التندوفي، هو حرفة الصناعة التقليدية، لا سيما الزخرفة على الجلود، الذي اختصت فيه المرأة التندوفية "الصانعة" ، فتفنّنت فيه، وأبدعت بأناملها أيّما إبداع.   كما كان للحرفي "الصانع" مكانته الأساسية داخل النسيج الاجتماعي من خلال دوره في صناعة مختلف الأغراض والأواني التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية "كالفران" ؛ أي المجامر، أو "أبراد" ؛ أي الإبريق الذي يُستعمل في إعداد الشاي.

وقال الحرفي أبويدة أحمد، وهو من مواليد 1964 ببلدية تندوف من أسرة حرفية أصيلة أفنت أعمارها من أجل المحافظة على هذا التراث العريق، بأنه يتفنن في صناعة الحلي التقليدية؛ من فضة ونحاس وخشب وألومنيوم وحديد الذي يطوّقه بالنار ليستخرج منه تحفا فنية نادرة. وكشف أنه بدأ نشاط النقش على الفضة والنحاس منذ سنة 1978 إلى يومنا هذا. واستخدم بقايا النحاس لزخرفة الأواني المنزلية، وبقايا الفضة التي يجمعها ليشكل منها تحفا فنية راقية، إضافة إلى الزجاج والرخام وغيرهما...

كما استعمل الحرفي مواد الألومنيوم والحديد لإنتاج الأبواب والنوافذ بزخرفة محلية، إضافة إلى استغلاله لقرون الماعز وجلود الإبل لتصميم مختلف التحف الفنية الساحرة. ورغم نشاطه وإرادته إلا أن أحمد صرح لـ«المساء" بأن أهم الصعوبات التي تعترضه في حرفته الفنية، قلة المواد الأولية، وصعوبة جلبها من الشمال، وكذا تكاليف التنقل ونقل المواد الأولية، ثم إشكالية تسويق المنتوج المنجَز. وهنا طرح أحمد مسألة تتعلق بضرورة توفير المواد الأولية، وخلق منافذ لتسويق إنتاجه خارج الولاية، موضحا أن مشاركته في المعارض الوطنية سمحت له بالترويج لهذا النشاط الذي كاد يدخل عالم النسيان، ويندثر كليا من الذاكرة الجماعية للمجتمع التندوفي.  وأردف قائلا: "لقي هذا النشاط استحسانا، وتوافدا، وإقبالا كبيرا من طرف المواطنين خلال كل المناسبات التي يتم فيها عرض منتوجنا الحرفي؛ حيث يكثر الإقبال على الخواتم المزخرفة بالنحاس والفضة، وعلى أواني الشاي التقليدية".

وفي محله الصغير، ينهمك أحمد في زخرفة الخواتم الرجالية بمادة الفضة الخالصة؛ حيث يُضفي عليها مواد تجميلية؛ كقطع من النحاس والفورميكا والأحجار الكريمة. كما يختص في زخرفة " المكسرة" المستعملة في تكسير السكّر، خاصة السكّر القديم "سكر بوبرية" ؛ أي "سكر القالب" . وهي وسيلة تُصنع من النحاس الأحمر والأصفر، ومنقوشة بزخارف نحاسية جميلة، تجعل منها تحفة لا وسيلة.

وتأسّف الحرفي أحمد لكمِّ النقائص التي تقف حجر عثرة أمام ممارسة النقش على الفضة والنحاس؛ على غرار قلة الموارد المالية بالدرجة الأولى، وصعوبة إعادة تدوير المواد الأولية المستعملة من جديد في ظل غياب وسائل العمل العصرية، متمنيا أن ينال الدعم المالي من الجهات الوصية ليواصل نشاطه بأكثر فعالية، وأجود مردود.