في لمة عادت بسيدات الطبخ إلى الزمن الجميل

اجتماع على مائدة الجزائر الأصيلة وتأكيد على حفظها للأجيال

اجتماع على مائدة الجزائر الأصيلة وتأكيد على حفظها للأجيال
  • القراءات: 418
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

اختارت الشاف وليدة قير، ابنة مدينة بجاية، التي عملت لسنوات مضت، على تعليم الآلاف من بنات المنطقة أصول الحلويات التقليدية، على غرار "كعك النقاش" و«مقروط الكوشة"، أن تجمع الحرفيات في الطبخ والحلويات للمرة الثانية على مائدة إبداعية ببيتها، للتشاور وتبادل الخبرة وإعطاء الرأي في الأذواق الجديدة، مع عرض تشكيلة من الحلويات التقليدية، وأخرى عصرية من إبداعها، تغازل العين قبل المذاق، مع تحضير مأدبة غداء حضرتها الشافات المبدعات، حيث استلذ الحضور بطبق كسكسي" أفورو" الصحي، الذي يعكس ثراء المطبخ الجزائري، والحلويات التقليدية المصنوعة بأدوات بسيطة وبنة "خيال"، وهو ما سعت إليه الشاف وليدة، لضمان حصول كل البيوت على حلويات صحية وبأقل التكاليف.

اتسمت القعدة المقتبسة من أيام الزمن الجميل، بطابع الضيافات والخير الكثير والموائد المنصوبة للضيوف، بما لذ وطاب من طعام وشراب، والتي تعد من شيم الأجداد، فكل التفاصيل الحاضرة تحاكي الكرم وذوق المرأة الجزائرية في تقديم أحسن ما لديها، كما تنسمت الجلسة بذكرى مولد خير الأنام، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث اجتهدت المضيفة وليدة بوقير "المعروفة بوليدة قاتو"، والشافات صديقاتها، على غرار بن بريم، نعيمة كوادري، وردة جناد، كريمة لماني ونجمة ضيف، في الإبداع وعرض أجمل ما جادت به الأنامل في صناعة الحلويات التقليدية بمختلف أنواعها، على غرار "المقروط" و«المقيرط"، حلوى الفاكهة، "الغربية"، "الصابلي" بأنواع مختلفة، والكثير منها... اجتهدت في إعدادها الشاف وليدة بأناملها، على غرار "صابلي" جوز الهند الأبيض والآخر بالشكولاطة، وحلويات جديدة من إبداعها، مغلفة بعجينة اللوز ومطرزة بآلة النقاش، قائلة عنها إنها تحتاج للصبر والتفاني، وأنها قضت أياما لتخرج بشكلها الجديد، إذ تشبه في تفاصيلها فاكهة التنين الجميلة.
وحول سر هذه الجلسة المهنية والأخوية، أكدت الشاف وليدة، في تصريح لـ«المساء"، أنها عمدت من خلالها، إلى إبراز أواصر التعاون والأخوة وتبادل الخبرة والأفكار الطيبة مع رفيقات المهنة من الحرفية والصديقات، "إذ تعد مثل هذه اللقاءات فرصة للتنفيس عن النفس وتذكير الناس بأهمية مثل هذه اللقاءات في حياتنا، والابداع في فن الطبخ، والحديث عن تقاليدنا الغنية ومشاركة الخبرة وما تركته الجدات، وما عمدت الحرائر على إظهاره مع الإضافات المميزة، وإعطاء الرأي في الأذواق الجديدة المبتكرة "، تردف المتحدثة.

أنواع جديدة من الحلويات بسكر طبيعي

أكدت وليدة أنها اختارت الكسكسي البجاوي كرمز للضيافة، مع منحه لمسة خاصة، تمثلت في إضافة قطع اللحم الصغيرة مع الخضر، والمنكهة بزيت الزيتون الصحي، كما عمدت إلى طرح مجموعة من الحلويات الجديدة من إبداعها، والتي يمكن لكل سيدة بيت تحضيرها بمواد بسيطة وغير مكلفة، مضيفة أن ذوقها قوي ويمكن تقديمها في الضيافة والأفراح بدون حرج، وهذا ما وافقت عليه الشافات، بعد تذوق الأنواع الجديدة.
الأمر الذي ميز الحلويات التي قدمتها الشاف وليدة، أنها بسكر معتدل أو طبيعي، وقالت حيالها: "اليوم أردت إظهار أنواع من الحلويات البسيطة بذوق مميز وغير مكلفة، حتى يعرف الناس أن هناك حلويات بسيطة بدون ‘جوز’ ولوز، وفي متناول الجميع وصحية وأقل سكر، لاسيما أننا اتفقنا نحن "الحلواجيات"، على أن إنقاص السكر لصالح صحة الجميع، ووضعنا بدله التمر والتين المجفف".
اختارت الشافات أن تكن قدوة لمن يحضرن دوراتهن، فقالت وليدة: "كما أننا نحرص خلال الدورات التي نقدمها للمتدربات، على تقديم المأكولات التقليدية الصحية، حتى تتعلمها السيدات وتبقى دائما حاضرة على الموائد، وتخدم صحة الطفل والكبير".

شافات يؤكدن: الحلويات التقليدية إرث لابد من المحافظة عليه

أشارت الشاف نعيمة كودري، المعروفة بنعيمة قاتو، في حديثها لـ"المساء"، أن هذه اللقاءات الأخوية المهنية هامة جدا وذات فائدة كبيرة على الحرفيات والمتدربات، بغرض الحفاظ على الإرث الثقيل الذي تركته الجدات في صناعة الحلويات التقليدية، التي تعد كنزا عظيما لابد من حفظه، مشيرة إلى أنها تسعى من خلال الدورات التكوينية التي تشرف عليها، أن تكون قدوة للأجيال، وأن ترسخ حب هذه الحرفة في قلوبهن، لتعيش طويلا وتتواصل عملية التوارث الجميل.
أكدت من جهتها السيدة وردة جناد، المختصة في الحلويات التقليدية والعصرية، في تصريح لـ"المساء"، أن هذه المناسبة فرصة للإبداع وعرض الجديد وتقاسم الأفكار، تقول: "نعمل على عرض منتوجاتنا خلال هذه اللقاءات، فشخصيا، أملك خبرة 25 سنة في عالم الحلويات التقليدية، ولدي مدرسة، وأريد أن أعلم الأجيال كل ما أعرفه، فقد تعلمنا من جداتنا وجيراننا ودرسنا في المدارس، ونود إفادة جيل المستقبل بما نعرف، كما أن هناك حرفيات يقصدن المدرسة لأخذ كل الخطوات، لاسيما التزيين".

من جهتها الشاف كريمة لماني، المعروفة باسم "إيناس ديليس"، أشارت في معرض حديثها، إلى أنها كانت مصممة أزياء للعرائس في السابق، ثم تفرغت بعدها مباشرة لصناعة الحلويات التقليدية، التي أكدت أنها تعدها بكل صبر وشغف وعشق، موضحة أنها تفصل حبة الحلوى كما تفصل موديلات الملابس، حيث ألقت عليها ذلك الحب الكبير، لتقدم عملا في منتهى الإتقان، بشهادة الجميع. تقول: "أهتم بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة، أحرص على البنة والذوق، وأعشق الشكل الجميل، أفرح حين تفرح الزبونة بطلبيتها الجميلة، أحب هذه الحرفة، كما أن الفن يسري في دمي، والنجاح في الحرفة سره الحب".
الحرفية نجمة ضيف، ابنة أولاد نايل، حرفية في المعجنات والحلويات، أشارت إلى أنها لبت دعوة الشاف وليدة، من أجل إكمال مسيرة التواصل والإبداع في عالم الحلويات والطبخ، وإظهار قوة المطبخ الجزائري الصحي وتنوعه، مؤكدة أنها تكونت في هذا المجال كثيرا، من أجل الرقي والاستمرار في الإبداع.
من جهتها، تحرص الشاف كامليا على الحفاظ على سحر النحاس في عرض الحلويات التقليدية، التي تبدع في إعداها، إذ تجعل منه العنصر الأساسي لإبراز جماليات المائدة الجزائرية، فقد أكدت في حديثها لـ"المساء"، أن الأمهات حرصن لسنوات طويلة، على جعل النحاس جزءا أساسيا في جماليات القعدة، من خلال "السني" و"المرش" و"محبس المقروط"، الذي كان يصحب العروس، مضيفة أن الأعراس العصرية أعادت وجود المحبس بشكل صغير بحجم الكأس، ليحمل "المقيرط"، وتأخذه المدعوات كتذكار جميل.